أورين زيف
دائماً ما تزعم وسائل الإعلام الإسرائيلية أن السجناء السياسيين الفلسطينيين يعاملون معاملة “خمس نجوم”. لكنهم يواجهون في الواقع بعضاً من أسوأ الظروف التي يمكن أن يواجهها السجناء.
* * *
أثار هروب ستة سجناء سياسيين فلسطينيين من سجن جلبوع قبل أسبوعين خليطاً من الغضب والتندُّر لدى الجمهور ووسائل الإعلام الإسرائيلية. بالنسبة للكثيرين، كانت حقيقة أن السجناء، الذين شاركوا في هجمات قتلت مدنيين إسرائيليين أو كانوا مسؤولين عنها، يمكن أن يفروا من سجن شديد الحراسة وتجنب القبض عليهم، كافية لإثارة الرعب.
لكن القصة سرعان ما أصبحت موضوعاً للإثارة على وسائل التواصل الاجتماعي، مليئة بالتلميحات المرحة، وحتى لتحيات “روش هاشنة”، عيد السنة اليهودية الجديدة، مصحوبة بصورة لزكريا الزبيدي، القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة “فتح” في جنين وأشهر الهاربين الستة. وبحلول صباح السبت، أعيد القبض على أربعة من السجناء، بمن فيهم الزبيدي، في داخل إسرائيل.
من المثير للدهشة أن عددًا كبيرًا من الإسرائيليين كانوا يعربون عن تعاطفهم مع الأسرى، حتى بينما يعتبرونهم “إرهابيين”. ويبدو أن هذا ينبع إلى حد كبير من الإعجاب بعناصر الهروب ذات الصبغة الهوليوودية، من النفق الذي تم حفره بملعقة داخل زنزانة السجن، إلى الإخفاقات الهائلة لمصلحة السجون الإسرائيلية. لكن التعاطف بين الجمهور الفلسطيني كان حقيقياً وواسعاً، مع إقامة الاحتفالات وإطلاق الدعوات إلى مساعدة الأسرى بالطعام والماء والمأوى، والرفض الساحق للتعاون مع جهود إسرائيل للقبض عليهم.
وردَّت السلطات الإسرائيلية باعتقال أفراد عائلات الهاربين -الذين لم يكن يشتبه في أن يكون لأي منهم دور في عملية الهروب- في إطار حملة ضغط هدفت إلى دفع الهاربين إلى تسليم أنفسهم. كما أبلغ الصليب الأحمر عائلات جميع الأسرى الفلسطينيين أن السلطات ستلغي زيارات السجون حتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر) كعقاب.
إذا كانت هناك قضية واحدة توحد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فهي قضية السجناء السياسيين. ووفقاً للسلطة الفلسطينية، فإن واحداً من كل خمسة فلسطينيين جلس في سجن إسرائيلي منذ بدء الاحتلال في العام 1967. وفي واقع الأمر، يمكن أن ينتهي الأمر بأي طفل فلسطيني إلى قضاء أشهر في سجن عسكري لمجرد التظاهر في قريته. ويتمتع الأسرى بمكانة خاصة في المجتمع الفلسطيني. وعلى هذا النحو، سمح الهروب للعديد من الفلسطينيين، ولو للحظة واحدة، بتخيل “تحرير ذاتي” لجميع السجناء الذين تحتجزهم إسرائيل.
ويجب أن يكون الحدث أيضًا لحظة للإسرائيليين ليفكروا في الكفاح الفلسطيني. بالنسبة للفلسطينيين، ليس الأسرى الهاربون -إلى جانب 4.650 فلسطينيًا آخرين مسجونين حاليًا لدى إسرائيل- “إرهابيين”، وإنما هم سجناء سياسيون وأسرى حرب. وبالنسبة للكثيرين، كما هو الحال في النضالات الأخرى ضد الاستعمار، فإنه حتى أولئك الذين يشاركون في هجمات ضد المدنيين الإسرائيليين أو يساعدون في التخطيط لها هم جزء من الكفاح المشروع ضد احتلال عنيف بشكل منهجي.
أصبحت تغطية قضايا الأسرى الفلسطينيين في وسائل الإعلام الإسرائيلية أكثر بروزاً في السنوات الأخيرة، لا سيما أثناء الإضرابات عن الطعام، عندما تجاوزت الاحتجاجات الشعبية جدران السجن ووصلت إلى الشوارع ونقاط التفتيش في الأراضي المحتلة -وحتى داخل إسرائيل نفسها. وفي كثير من الأحيان، سيسمع الإسرائيليون في الأخبار عن معتقلين مضربين عن الطعام ويوشكون على الموت لأن القادة والمحللين الإسرائيليين سيستثمرون في زراعة الخوف من “رد فعل عنيف” أو “تصعيد” يقوم به الفلسطينيون، وليس من باب القلق على صحة الأسير أو بقائه على قيد الحياة.
قارن ذلك بوسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية الفلسطينية التي تقدم تقارير منتظمة عن الإقامات الجبرية، والمحاكم العسكرية الإسرائيلية، والنضال من أجل إطلاق سراح الأسرى المضربين عن الطعام، والنساء القابعات في السجون، وحياة السجناء السابقين. ويمكنك أن تجد الملصقات عن الأسرى في كل قرية وبلدة تقريبًا عبر الأراضي المحتلة. وتقدم العديد من مجموعات حقوق الإنسان، مثل “الضمير” و”الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال –فلسطين” تقارير مفصلة عن الاعتقالات وأوضاع السجناء.
كما وضعت عملية الهروب الأخيرة السلطة الفلسطينية في موقف حرج. ففي الشهر الماضي وحده قتل الجيش الإسرائيلي خمسة فلسطينيين في غارتين ليلتين على مخيمي جنين وبلاطة. ومن المرجح أن يكون قد تم تنسيق كلتا العمليتين مع السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي لا يتطلب مثل هذا التنسيق المسبق مع السلطة الفلسطينية، فإن الحرية التي كان الجيش يتمتع بها في السنوات الأخيرة كانت عنصرًا مهمًا في تنسيقه الأمني.
ومع ذلك، بينما تردد صدى الدعوات لمساعدة الهاربين في جميع أنحاء المجتمع الفلسطيني، ومع إقامة مسيرات علنية للمسلحين في منطقة جنين بشكل رئيسي لدعم الهروب، سيكون من الصعب على السلطة الفلسطينية مساعدة القوات الإسرائيلية على دخول مراكز هذه المدن كما فعلت من قبل. ومع احتمال عودة الفارين المتبقيين إلى الضفة الغربية، يخشى الجيش الإسرائيلي أن تنتهي أي محاولة لاجتياح المخيمين للقبض عليهما بمواجهات مسلحة.
“سجون من فئة الخمس نجوم”
منذ عملية الهروب، قام العديد من الصحفيين الإسرائيليين بترويج وإعادة تدوير نظريتين رئيسيتين حول أوضاع الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وتفترض النظرية الأولى أن من يسمون بـ”الأسرى الأمنيين” الفلسطينيين يعيشون في “سجون من فئة الخمس نجوم” حيث الحياة عبارة عن “احتفال” أو “مخيم صيفي” يشمل مشاهدة التلفاز والدراسات الأكاديمية (التي ألغيت فعلياً في العام 2011)، والطعام المجاني ومجموعة من المزايا الأخرى.
من الواضح أن أولئك الذين يروجون لهذه النظرية لم يُمضوا يوما واحدا في سجن إسرائيلي، ولا يفهمون العواقب العقلية والجسدية والصحية التي يخلفها السجن الدائم. وتعتبر ظروف السجناء في إسرائيل -بمن في ذلك ظروف السجناء غير السياسيين- من بين الأسوأ في العالم الغربي. ويتعرض النزلاء للحرارة أو البرودة الشديدة حسب المواسم، ويعيشون في أقل من ثلاثة أمتار مربعة لكل سجين، بما في ذلك السرير والمرحاض ومكان الاستحمام، مقابل 8.8 متر مربع لكل سجين في دول غربية أخرى. وبعد أن قدمت جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل التماسا بشأن هذه المسألة، حكمت المحكمة العليا الإسرائيلية في حزيران (يونيو) 2017 بأن أمام الدولة 18 شهرا لتوسيع مساحة المعيشة بشكل كبير للسجناء في إسرائيل. ولم يتم تنفيذ هذا القرار بالكامل حتى الآن.
كما أن وضع الفلسطينيين المعرّفين على أنهم “سجناء أمنيون” أسوأ من وضع السجناء الجنائيين، وحتى من وضع أولئك الذين يُعرفون بأنهم “سجناء أمنيون” يهود. إن هؤلاء الأسرى الفلسطينيون لا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الهواتف العامة (باستثناء فترة تجريبية محدودة بدأت في العام 2019). وتتم زيارات الأقارب المنسقة من خلال الصليب الأحمر مرة واحدة في الشهر، وتقتصر على الأقارب من الدرجة الأولى الذين يتعين عليهم الحصول على تصريح لدخول إسرائيل وتصريح آخر لدخول السجن، وكلاهما يمكن أن يرفضه “الشاباك” من دون أي تفسير.
بالإضافة إلى ذلك، لا يُتاح للسجناء السياسيين خيار طلب الإجازات أو الزيارات الزوجية، ومن النادر جدًا تخفيف عقوباتهم. وهم مسجونون جميعا في أجنحة خاضعة لإجراءات أمنية قصوى، حيث تكون القدرة على التنقل بين الزنازين أو في الفناء محدودة للغاية. وحتى أولئك الذين يحتاجون إلى علاج اجتماعي أو إعادة تأهيل (وهي خدمات يتلقاها السجناء غير الأمنيين) لا يمكنهم الحصول عليها.
ومع بداية جائحة “كوفيد 19″، تم تشديد القيود المفروضة على السجناء السياسيين الفلسطينيين. تم إلغاء زيارات الأقارب والمحامين تمامًا. ولأنهم لا يستطيعون الوصول إلى الهواتف العامة، فقد تم عزل هؤلاء السجناء فعليا عن العالم. وحتى بعد رفع القيود المفروضة على السجناء الجنائيين، استمر تطبيقها على السجناء السياسيين لفترة طويلة.
وقد يواجه السجناء السياسيون الفلسطينيون الذين أتموا مدة عقوبتهم أيضا الاعتقال الإداري، وهو أداة تستخدمها السلطات الإسرائيلية بشكل فضفاض في الأراضي المحتلة. وفي ظل هذا الشكل من الاعتقال، يمكن إعادة حبس السجناء عند الإفراج عنهم على الفور وإلى أجل غير مسمى. وتتم مراجعة أوامر الاعتقال الإداري كل ستة أشهر، ولكن لا يتم إخبار المعتقلين بالجرائم المتهمين بارتكابها، ولا يتم عرض الأدلة ضدهم عليهم. ونتيجة لذلك، يكاد يكون من المستحيل عليهم الدفاع عن أنفسهم ضدها.
كل هذا، بالإضافة إلى الحقيقة التي لا يتم الإبلاغ عنها في الإعلام، وهي أنه وفقا للقانون الدولي، يُحظر على دولة الاحتلال نقل واحتجاز الأسرى خارج الأراضي المحتلة، وهو ما تفعله إسرائيل في عدد من السجون داخل حدودها الرسمية.
“إنه نضال من أجل الشروط الأساسية”
النظرية الثانية التي يتم الترويج لها في وسائل الإعلام الإسرائيلية هي أن السجناء السياسيين الفلسطينيين، وليس مصلحة السجون، هم من يديرون السجون بالفعل، وأن السلطات الإسرائيلية تخشى مواجهتهم من أجل الحفاظ على “الهدوء”. من الواضح أن هؤلاء الصحفيين لم يتحدثوا أبدا إلى سجين فلسطيني عن حياة السجناء خلف القضبان، وليس لديهم أدنى فكرة عن كيف تسيطر مصلحة السجون الإسرائيلية على متى ينام السجناء ويأكلون، أو أي نوع من العقوبات يتم إنزالها بهم.
ومع ذلك، مقارنة بالسجناء الجنائيين، يتمتع السجناء السياسيون ببعض التأثير على النظام: إنهم ينظمون أنفسهم وفقا للانتماء السياسي أو الفصيل، ولكل جناح متحدث رسمي منتخب ديمقراطيا والذي يقدم احتياجات الجناح أمام سلطات السجن. وتنبع قوة الأسرى جزئياً من حقيقة أن أي إجراء يتخذونه هم أو يُتخذ ضدهم يمكن أن يؤثر على الوضع السياسي خارج السجن، كما رأينا الأسبوع الماضي عندما أشعل النزلاء النار في تسع زنازين في سجنين مختلفين عقب قرار مصلحة السجون الإسرائيلية إعادة نقل حوالي 400 سجين على صلة بحركة الجهاد الإسلامي عبر سجون في جميع أنحاء إسرائيل.
هذا التنظيم الذاتي الذي يقوم به السجناء الفلسطينيون، والذي نشأ مع إضرابات السجون في السبعينيات والثمانينيات، أدى إلى العديد من الإنجازات، بما في ذلك انتخاب الممثلين والسماح للنزلاء بالطهي لأنفسهم بالإضافة إلى تلقي الطعام المقدم من مصلحة السجون.
ويشير مصدر مطلع على وضع السجناء الفلسطينيين والذي طلب التحدث بشكل غير رسمي إلى أن مصلحة السجون الإسرائيلية ما تزال غير معتادة على التعامل مع السجناء السياسيين، الذين سجنوا بشكل عام –على عكس السجناء الجنائيين- لأسباب إيديولوجية، والذين نادراً ما يهاجمون بعضهم البعض، والذين هم أكثر تماسكاً من الناحية الاجتماعية.
لهذه الأسباب، كما يقول المصدر، يصعب على سلطات السجون الإسرائيلية اختراق دائرتهم الداخلية وإعطاء السلطة للفلسطينيين، خاصة عندما يتعلق الأمر بتحسين أوضاعهم. وبحسب المصدر، “لا توجد ظروف تدليل. هذا نضال من أجل الشروط الأساسية. لقد تم سجنهم لسنوات عديدة، ومن هنا جاء الكفاح من أجل الحصول على المزيد من الكتب، والمزيد من القنوات التلفزيونية -أشياء تسمح لهم بتمرير أيامهم في السجن”.
*أورين زيف: مصور صحفي وعضو مؤسس لمجموعة التصوير “أكتيفستيلس” وكاتب في Local Call. قام منذ العام 2003 بتوثيق مجموعة من القضايا الاجتماعية والسياسية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، مع التركيز على مجتمعات النشطاء ونضالاتهم. ركزت تقاريره الصحفية على الاحتجاجات الشعبية ضد الجدار والمستوطنات، والإسكان ميسور التكلفة وغيرها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ومكافحة العنصرية والنضال ضد التمييز، والنضال من أجل تحرير الحيوانات.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Dispelling Israeli myths about Palestinian prisoners
المصدر: (مجلة 972+) / الغد الأردنية