نبراس إبراهيم
ست سنوات على التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، عانى فيها السوريون ما عانوه نتيجة هذا التدخل. سنوات تبددت خلالها أوهام الكثيرين ممن كانوا يظنون أن روسيا “دولة عظمى” وريثة للاتحاد السوفييتي، ويمكن لها أن تقوم بدور أممي إنساني يليق بالدول العظمى، دور يحترم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وتحديد أهدافها.
كثيرون ممن بنوا رؤى إيجابية في هذا التدخل المباشر، كانوا في الساحة الرمادية، وبعضهم في ساحة المعارضة السورية، وحاولوا بث الأفكار التي تدعم رؤيتهم الإيجابية لموسكو ودورها المرتقب والمحتمل في سوريا، فحرقوا مراكبهم واحترقت مع محاولاتهم هذه أحلام سوريين تمنوا أن تكون هذه الأفكار والرؤى صحيحة.
اعتقد البعض أن روسيا بتدخلها العسكري ستقوم بتحجيم دور إيران، ووضع حد لانفلات مشروعها القومي – الطائفي في سوريا، لكنها في الحقيقة ساعدت في تنفيذ مشروع التغيير الديمغرافي الذي تتبناه إيران، كما غضّت الطرف عن اللعب والهيمنة التي قامت بهما داخل المجتمع السوري، ونسّقت معها مؤتمرات أستانا وسوتشي، وأشركتها في جزء من عملياتها العسكرية ومشاريعها السياسية في سوريا.
اعتقد البعض أن روسيا، وبعد تدخلها العسكري، ستُمسك العصا من الوسط، وسيكون لها مواقف جادة تجاه الحل الحربي العنيف الذي انتهجه النظام ضد المعارضين له، لكن الواقع أثبت أنها شاركته في جرائمه، وبدورها قامت بعمليات عسكرية غاية في العنف ضد السوريين، وجرّبت أسلحتها الذكية والغبية على البشر، ودمّرت مشافي ومدارس ومراكز إيواء، وارتكبت جرائم حرب، حالها كحال النظام الذي تحميه.
اعتقد البعض أن روسيا ستفتح صدرها لاستيعاب المعارضة السورية، وستقف موقفاً مؤيداً لجزء على الأقل من مطالبها المحقة، فزار كثيرون موسكو واجتمعوا بقادتها، وأوهموا السوريين بأن الدب الروسي يمكن أن يصبح حمامة سلام، لكن روسيا في الواقع حاولت فرض أجنداتها المختلفة على المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، وسخرتها لمشاريعها، واستخدمتها لتشريع مسارات جديدة، كمسار أستانا وسوتشي، ولم تقبل بأي شكل من الإشكال منحهم – ولو شكلياً – دوراً حقيقياً، أو حتى أن تتجاوب مع بعض مطالبهم لذر الرماد بالعيون.
اعتقد البعض أن روسيا يمكن أن تغير موقفها من نظام الأسد، وتضغط عليه لقبول حل سياسي وسط بعيداً عن الحل العسكري، وربما تقنعه بضرورة التخلي عن السلطة لوقف نهر الدماء، لكن روسيا زادت من دعم النظام، ومنعت سقوطه في عدة مراحل، وأيّدت مطالبه وزادته قوة بقوتها، وساهمت في بقائه، وأثبتت مقولة أنها حليفة لأكثر الأنظمة الديكتاتورية سوءاً في العالم، وحتى لو عاملته كتابع، إلا أنها تراه أهم ورقة لعب في يدها، ولم ولن تتخلى عنه مقابل إرادة شعب مسكين.
كذلك اعتقد البعض، أن روسيا تضع أهدافاً استراتيجية عسكرية فقط، لتثبيت التوازنات ونشر السلام في المنطقة، ولن يكون لها أطماع استعمارية احتلالية، لكن واقع الحال، أن روسيا استخدمت الملف السوري بأبشع صوره لتحاول رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عنها، ومن بعدها، سعت للسيطرة على مفاصل في الاقتصاد السوري، واستغلت الظروف لتوقّع مع النظام المأزوم في دمشق صكوك تنازل عن الكثير من أصول سورية الاقتصادية، من سيطرة على الموانئ، وعقود النفط والغاز والفوسفات وغيرها، وكذلك هيأت الطريق، ولوت ذراع أي مفاوضات، لتضمن أن تكون شركاتها هي المستفيد الأساس من أي عملية إعادة إعمار مرتقبة.
وأيضاً، اعتقد البعض أن روسيا التي ترغب بتقديم نفسها من جديد للمجتمع الدولي، ستُظهر الوجه الأفضل، وستحترم الشرعة الدولية، وستتعاون مع الدول الكبرى الأخرى، وتضع معهم ومع الأمم المتحدة خارطة جديدة لإنهاء الصراع في سوريا، لكنها في واقع الأمر عملت بكل ما تستطيع على تعطيل أي حل، واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن 16 مرة، لتوقف قرارات يمكن أن تساهم ولو بشكل غير مباشر بإنهاء الحرب والمقتلة السورية، وأفرغت بطرق ملتوية القرارات الأممية الخاصة بسوريا من مضامينها، ولم تُساهم في إنجاح وتنفيذ أي قرار أممي، من جنيف وحتى 2254.
لا أحد يعرف من أسوأ مِمّن، النظام الروسي أم السوري، فكلاهما سلطة ديكتاتورية تُقيّد الحريات وترفض حرية التعبير، نظامان فاسدان سياسياً ومالياً، نظامان يعتمدان على المؤسسة الأمنية القمعية، لقمع شعبهما قبل إحاكة المؤامرات ضد الشعوب الأخرى، ويعتمدان على مؤسسات الظل والدولة العميقة، نظامان تمييزيان يعتمدان على الحاشية وحاشية الحاشية.
لروسيا مصلحة جيوسياسية للهيمنة على الشرق الأوسط، كمركز توازن استراتيجي عالمي، وتريد الوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط، وتريد فرض نفسها من جديد بعد أن أفل نجمها كقوة عالمية مهيبة، من خلال الورقة السورية، وبطريقها، تريد ضمان عملية نهب غير مباشرة لسوريا على المدى البعيد.
خلال 6 سنوات، فعلت روسيا الكثير، لكن لم يكن ضمنها أي أمر إيجابي، ومع هذا، من المستبعد أن تكون مقتنعة بأنها نجحت، لأن كل المواقف الدولية والتوازنات والمعايير وحتى النظريات، تقول إنه من دون أي تسوية سياسية دائمة ومتوازنة في سوريا، وتفاهمات أميركية – روسية – أوروبية – إقليمية، لن يستقر أي شيء، ولن ينجح أي طرف، وبالتسوية السياسية الدائمة والمتوازنة ستعود في الغالب روسيا لتخسر كل ما كسبته بعنفها وشرورها وعنجهيتها، ولتخسر ما كسبته بعد أن ساهمت مساهمة قوية في تحويل سوريا إلى ركام دولة، بل وربما ستدفع روسيا وقتها أكثر مما اعتقدت أنها قد كسبته في سوريا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا