منير الربيع
تنهمك القوى السياسية في حساباتها الانتخابية. كل منها يبحث عن التحالفات وكيفية صياغتها. وكل المعضلات المتراكمة في الديار اللبنانية، قابلة لأن تتحول مادة للاستهلاك الانتخابي.
ولا شك في أن الانتخابات “حرب وجود” لجميع هذه القوى، وهي تريد منها إسدال الستار على ثورة 17 تشرين التي طالبت بانتخابات مبكرة، وتراهن مجموعات ناشطة كثيرة انخرطت في الثورة على التغيير الانتخابي. وإلى جانب المعركة التي تخوضها القوى السياسية التقليدية مع قوى المجتمع المدني، هناك المعركة الأكبر بين القوى السياسية الأكثر تقليداً، وقوى أو تحالفات جديدة بزعامة حزب الله والتيار العوني.
استراتيجية حزب الله الجديدة
ويركز حزب الله والعونيون في هذه الانتخابات على قطف ثمار تحالفهما السياسي الطويل، بعدما نجحا في تصوير القوى السياسية الأخرى بأنها منخرطة بالفساد، وتتحمل وحدها مسؤولية الانهيار الراهن. ويلتقي الطرفان على معارضة اتفاق الطائف، ويطمحان لوراثة دور القوى السياسية جميعها.
أولى الملاحظات في هذا المسار تتناول العلاقة بين حزب الله وحركة أمل. طبعاً لا يمكن لحزب الله أن يفرط بالانسجام التام داخل البيئة الشيعية. ولكن هذا لا يعني أن الحزب لن يستمر بالتفكير استراتيجياً في المرحلة المقبلة: علاقته المتينة بالتيار العوني. ومدار تفكيره هذا ينصب على الخروج بتصور سياسي جديد، يتعلق بآلية تكوين السلطة وإدارته ملفات داخلية وخارجية متشابكة.
ومنذ الانتخابات الماضية كان حزب الله قد وضع خطة للتدرج في دخوله إلى الدولة اللبنانية. وكان القرار بتقاسمه المواقع الشيعية في الدولة اللبنانية، مناصفة بينه وبين حركة أمل.
ماذا يريد التيار العوني؟
في المقابل، يراهن التيار العوني على اختلاف في التوجهات السياسية والاقتصادية والمالية بين حزب الله وحركة أمل. وهذا الرهان تفسره بعض المصادر السياسية بأنه يصدر عن طموح عوني إلى تقاسم المغانم كلها مع حزب الله: التسلل إلى القطاع المالي والقطاعات الاقتصادية والمصرفية للسيطرة عليها.
وبناء عليه، تشير المعطيات إلى قرار واضح اتخذه حزب الله في دعم التيار العوني دعماً كاملاً في الانتخابات، لتكريس احتفاظه بالأكثرية من خلال تحالفاته، وللقول للجميع في الداخل والخارج أنه الأقوى والأقدر والأكثر تنظيماً وصاحب القرار. ولتحقيقه ذلك لا بد له من أن يضعف القوى الأخرى كلها، ليجعل نفسه حاجة للجميع ليتمكنوا من الفوز.
خريطة التحالفات المتوقعة
وفي استعراض مبكر لخريطة التحالفات التي بدأ منذ مدة يدور الحديث عن نسجها، يظهر أن الخلافات التي وقعت سابقاً بين التيار العوني وحزب الله يجري تلافيها في الاستحقاق الانتخابي المقبل. ففي دائرة جبيل سيتحالف الطرفان، ولن تكون حركة أمل على تحالف مع حزب الله.
وهذا ينطبق على دائرة الشمال الثالثة، أي دائرة الشمال المسيحي، حيث ستتحالف حركة أمل مع تيار المردة وتيار المستقبل. فيما سيدفع حزب الله الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى التحالف مع باسيل، ليؤمن فوزه بحاصل قد ينعكس سلباً على أحد مرشحي القومي في تلك الدائرة.
وفي بعلبك الهرمل، بدأت تنضج ظروف التحالف بين حزب لله والتيار العوني أيضاً، في مقابل تحالف حركة أمل وتيار المستقبل. وهذا سينسحب أيضاً على دائرة البقاع الغربي، التي سيكون التحالف فيها بين أمل والمستقبل وإيلي الفرزلي. وتفيد معلومات عن اتفاق بين سعد الحريري والوزير السابق حسن مراد، يقضي إلى التحالف. وقد ينضم إلى هذا التحالف وائل أبو فاعور. أما حزب الله فسيدعم لائحة التيار العوني. لكن دائرة البقاع الأوسط لا تزال صورتها معقدة جداً، وغير واضحة.
وفي بيروت بدأت ملامح التحالف بين تيار المستقبل وحركة أمل تنضج، في مقابل التحالف بين حزب الله والتيار العوني. ومعروف أن حزب الله لديه كتلة ناخبة كبيرة قادرة على التأثير جداً في بيروت. أما في صيدا وجزين، فسيكون التحالف أيضاً بين أمل والمستقبل، مقابل التحالف بين العونيين وحزب الله. وهذا يسري على دائرة بعبدا.
المصدر: المدن