هدى رؤوف
الطائرات الحربية التابعة لسلاح الجو ليس لديها المدى الذي يمكّنها من شن حملة ضربات موسعة على طهران. وقد نفّذت إسرائيل ضربات جوية ناجحة على موقعين نوويين من قبل، أحدهما في العراق عام 1981، والآخر في سوريا عام 2007. وفي الوقت الذي تبحث فيه الولايات المتحدة عن خيارات أخرى للتعامل مع إيران في ظل التشاؤم من الوصول إلى اتفاق نووي، تستمر إسرائيل في أن تكون لاعباً حاضراً بالمشهد. وفي ظل الزيارات المكوكية للمسؤولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين إلى واشنطن لإقناع نظرائهم الأميركيين بتوجيه ضربة عسكرية إلى البرنامج النووي الإيراني، يحضر السؤال عن جدوى توجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى إيران وإمكانية تنفيذ تلك الضربة من الأساس، بالنظر إلى الموقف الإسرائيلي من المفاعل النووي العراقي عام 1981.
وهنا، يطرح عدد من الأسئلة، منها: لماذا لم تقدم إسرائيل على توجيه ضربة مباشرة للقضاء على البنية التحتية النووية، كما فعلت مع المفاعل النووي العراقي؟ وما النتائج المترتبة على القيام بالعمل العسكري؟ وهل تتشابه الظروف الإقليمية والدولية كي تتشابه نتائج العمل العسكري في الحالتين؟
المفاعل النووي العراقي “أوزيراك”
في 7 يونيو (حزيران) 1981، أي قبل نحو 40 عاماً، هاجمت إسرائيل، في عملية أطلق عليها “أوبرا”، مفاعل “أوزيراك” للأبحاث النووية العراقي في التويثة، وقد دمرته باستخدام طائرات “F15″ و”F16”. وكان العراق قد اشترى في عام 1976 المفاعل من فرنسا بموجب اتفاق ثنائي يقضي باستخدامه للأغراض السلمية. وخضع المفاعل لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبينما كانت إسرائيل تؤكد مراراً أن العراق كان على وشك تطوير قدرة أسلحة نووية، وبررت الهجوم بأنه عمل دفاع عن النفس، أصرّ العراق على أن برنامج مفاعله سلمي. وكانت فرنسا تؤكد أن ميزات تصميم المفاعل والإجراءات الاحترازية التي نفذتها ضمنتا عدم إمكانية استخدام مفاعل “أوزيراك” في إنتاج أسلحة نووية.
لم تكن الغارة الجوية الإسرائيلية العمل العدائي الأول الذي يستهدف البرنامج النووي العراقي. فقد شنّت إيران في 30 سبتمبر (أيلول) 1980، غارات جوية على المفاعل العراقي، لكنها لم تصب أي منشآت مهمة فيه، واقتصرت الأضرار على الأبنية الفرعية.
ولم تكن الغارة الجوية الإسرائيلية الاستهداف الأول من جانب إسرائيل، فقد قامت تل أبيب بتخريب معدات المنشأة التي كانت على وشك التسليم من قبل فرنسا في عام 1979. وفي 1980 اغتيل العالم المصري يحيى المشد، الذي كان يعمل في البرنامج، وأشير بأصابع الاتهام إلى إسرائيل، وترافق ذلك مع طلب إسرائيل من فرنسا وقف مساعداتها النووية للعراق.
دِينَتْ عملية “أوبرا” على نطاق واسع دولياً، فقد دان مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الهجوم، ودان مؤتمر الوكالة الدولية الضربة، وعلق جميع المساعدات الفنية لإسرائيل، كما دان مجلس الأمن الهجوم باعتباره انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى وجوب تعويض العراق، ودعا إسرائيل إلى التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع برنامجها النووي لضمانات الوكالة الدولية، وكذلك دانت الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل لارتكابها عملاً عدوانياً مع سبق الإصرار.
السياسة الإسرائيلية تجاه النووي الإيراني
يمثل البرنامج النووي الإيراني هاجساً لإسرائيل والغرب ودول المنطقة، ذلك أن سعي طهران إلى تعزيز قدراتها النووية وامتلاك التكنولوجيا النووية سيغيران ميزان القوى لمصلحة مساعيها التوسعية، على حساب مصالح الآخرين. وفي حين تنخرط الولايات المتحدة في البحث عن خيارات لوقف النشاط النووي الإيراني، تسعى إسرائيل إلى استهداف المنشآت النووية الإيرانية في إطار “حرب استنزاف” بعضها كان سرياً، ولم تعلن إسرائيل عن مسؤوليتها. وبشكل عام، تتراوح السياسة الإسرائيلية تجاه النووي الإيراني بين بدائل عديدة يصل أقصاها إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية، وهو ما تروج له الآن.
وفي إطار ما تسميه “المعركة بين الحروب”، نفذت إسرائيل مئات الضربات العسكرية لتقليل ترسّخ إيران في سوريا المجاورة، ونقل أسلحة دقيقة التوجيه إلى “حزب الله”.
واتهمت إيران إسرائيل بعملية اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة. وأخيراً، كثّفت إسرائيل مناوراتها العسكرية في البحر الأحمر. وجاء ذلك في أعقاب القيام بلعبة حربية (كمحاكاة رمزية) في قاعدة جوية صحراوية شمال مدينة إيلات الساحلية الإسرائيلية. وتهدف مثل هذه التدريبات إلى إرسال تحذير قوي إلى إيران، وتأكيد التحالفات الاستراتيجية.
وخلال المناورة الجوية الإسرائيلية الأخيرة، قامت طائرتان مقاتلتان إسرائيليتان بمرافقة طائرة حربية أميركية قادرة على حمل قنبلة خارقة للتحصينات يمكن استخدامها لاستهداف مواقع نووية تحت الأرض عبر المجال الجوي الإسرائيلي، وهو ما يعد رسالة إلى إيران. في الوقت نفسه، خصصت الحكومة 1.5 مليار دولار “لإعداد القوات المسلحة الإسرائيلية لضربة محتملة ضد المواقع النووية الإيرانية”.
تداعيات تنفيذ ضربة ضد إيران
التساؤل هنا حول إمكانية توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية وتدميرها، بشكل يؤخر نشاطها لسنوات، على غرار ما حدث للمفاعل العراقي والسوري؟ وتكمن المعضلة في تحديات كثيرة، منها أن الطائرات الحربية التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي ليس لديها المدى الذي يمكّنها من شن حملة ضربات موسعة على إيران، التي توجد بعض منشآتها النووية تحت الأرض، ما يعني أن إسرائيل بحاجة إلى دعم أميركي.
التحدي الآخر مرتبط بالثمن الذي ستدفعه إسرائيل والمنطقة… أي سيناريوهات ما بعد الضربة. لذا، على الرغم من التحذيرات شبه اليومية من القادة السياسيين والعسكريين، فإنه قد يكون من الصعب تنفيذ ضربة عسكرية مباشرة إلى المنشآت النووية الإيرانية.
التخوف الغربي والإقليمي نابع من أن الإيرانيين أقرب إلى إنتاج مواد انشطارية للأسلحة النووية، أكثر من أي وقت مضى. وتقدر وزارة الدفاع الإسرائيلية أنه إذا قررت إيران القيام بذلك، يمكنها الآن تكديس ما يكفي من اليورانيوم المخصب لسلاح نووي واحد في غضون شهر. وتعتبر أن المحادثات النووية مجرد وسيلة لشراء الوقت، إذ تستمر إيران في مضاعفة أجهزة الطرد المركزي، وبناء مخزونات من اليورانيوم المخصب.
فالحصول على سلاح نووى يحتاج إلى مكونات رئيسة، القدرة على إنتاج مواد انشطارية، ومنصات إطلاق وأسلحة تحمل الرؤوس النووية، ويورانيوم عالي التخصيب. والمكونات تتوافر لدى إيران التي أضحت تخصب اليورانيوم بنسب عالية ولديها مخرون عالٍ يتجاوز ثمانية أضعاف المنصوص عليه في اتفاق عام 2015. ولدى طهران منظومة صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية. ومن ثم، لم يعد أمام إيران إلا تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المئة، واتخاذ القرار بصنع القنبلة النووية الأولى، أو الوقوف عند حد العتبة النووية. الأمر قد يتعلق بالنسبة إلى إيران بأن تكون دولة نووية مهة وتوجيه رسالة إلى الأميركيين، مفادها أنه لن يتم تغيير النظام الإيرانى القائم.
ومقارنةً بتدمير إسرائيل المفاعلات النووية في العراق عام 1981، وسوريا في عام 2007، إذ تم في كل حالة إخراج هدف واحد من قبل مجموعة من الطائرات في مهمة واحدة، سيكون حجم الهجوم على إيران ونطاقه أكثر تعقيداً. فشبكة الوكلاء الإقليميين التي استثمرت إيران في صنعها، ومنظومة الصورايخ الباليستية، واعتماد استراتيجيتها العسكرية على الدفاع المتقدم، أي نقل أي معركة إلى خارج أراضيها، أمور تجعل إسرائيل بأكملها معرضة لضربة انتقامية حتمية من جانب إيران، بما في ذلك قذائف “حزب الله” المتمركز مباشرة على الحدود الشمالية الإسرائيلية وبقية الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا.
ربما يحتاج تدمير المنشآت النووية الإيرانية الموجودة فوق الأرض، وتحتها إلى أعداد هائلة من الطائرات والذخائر دقيقة التوجيه، ليس إلى ضربة أولية على إيران، وإنما إلى حرب إقليمية أوسع مع وكلاء إيران من التنظيمات المسلحة التي من المؤكد ستتبع الضربة الإسرائيلية، وهو ما سيخلق وضعاً أمنياً متدهوراً لن تتحمله المنطقة التي تعاني منذ سنوات فوضى وإرهاباً وعدم استقرار.
المصدر: اندبندنت عربية