عقيل حسين
على الرغم من ردود الفعل السلبية التي اتسم بها موقف المعارضة السورية، الرسمية والشعبية، حيال نتائج اللقاء السابع عشر لمسار أستانة الذي اختتم أعماله في عاصمة كازاخستان الأربعاء، إلا أن وفد المعارضة بدا راضياً عن النتائج.
ومنذ انطلاقة هذا المسار عام 2017 يواجه ممثلو قوى المعارضة الذي يشاركون في اجتماعاته انتقادات حادة، حيث يحملهم الكثيرون المسؤولية عن الخسائر الفادحة التي منيت بها الفصائل على الأرض، ويقولون إن المشاركة في اجتماعات أستانة كانت بمثابة موافقة غير مباشرة على الاستراتيجية الروسية التي طبقتها في سوريا.
لكن الوفد الذي يمثل قوى سياسية وعسكرية معارضة يرى أن هذه الانتقادات متحاملة، وأنه لولا المشاركة بهذا المسار لكانت الخسائر مضاعفة، إذ لا يمكن مواجهة القوة الروسية الضخمة من قبل الفصائل، ولذلك كان لا بد من التحرك في الميدان السياسي لمنع موسكو من تحقيق كامل أهدافها في سوريا.
وفد المعارضة راضِ
واعتبر رئيس وفد المعارضة أحمد طعمة خلال إلقاء البيان الختامي، أن الجولة “كانت معقولة” وأن الوفد تلقى بعض الوعود الايجابية في ما يخص اللجنة الدستورية وملف المعتقلين.
التعاطي الايجابي مع نتائج اللقاء شمل كذلك المتحدث باسم وفد المعارضة أيمن العاسمي، وممثل فيلق الشام فيه المقدم ياسر عبد الرحيم، حيث عبّر الجميع في تصريحات صحافية عن رضاهم عما تحقق في هذه الجولة بشكل عام، وعن أداء وفد المعارضة على وجه الخصوص.
لكن محللين كثر يشككون في المعطيات التي يتحدث عنها الوفد، حيث يسود اعتقاد راسخ في أوساط الثورة والمعارضة السياسية أن وجود السوريين في هذه اللقاءات، سواء ممثلي المعارضة أو ممثلي النظام، وجود شكلي، توظفه الدول الضامنة لتحقيق أكبر قدر من مصالحها في سوريا.
ثلاث نقاط رأى أعضاء وفد المعارضة أنها كانت غاية في الأهمية وبمثابة انجازات: الأولى، تلقيهم وعوداً روسية بأن تكون جولة اللجنة الدستورية القادمة مختلفة، والثانية، أن يشهد ملف المعتقلين تطوراً، والثالثة، أن تدفق المساعدات سيستمر من خلال الحدود وعبر خطوط التماس.
مسار المصالح الروسية
إلا أن السياسي السوري المعارض بسام العمادي يستغرب كيف أمكن لمسار أستانة أن يتعاطي مع ملفات كان يجب أن تكون بعيدة عن المجال الذي أطلق بشأنه المسار، وهو المجال العسكري، حيث بات يترسخ كبديل عن مسار جنيف، مشيراً أن “هذا هو هدف روسيا من اطلاقه أصلاً”.
ويضيف في تصريح ل”المدن”، أنه “من الواضح أن البيان الختامي للقاء الأخير لا يعير أي اهتمام للسوريين، ولا لوجهة نظر المعارضة، بل يتحدث بشكل واضح عن مصالح روسيا والنظام فقط”.
ويتابع العمادي، وهو دبلوماسي منشق عن النظام: “رغم كل الهزالة التي يبدو عليها مسار أستانة، إلا أن روسيا مصرة على استمراره بهدف جعله بديلاً عن مسار جنيف، وهذا ما تفعله خلال الاجتماعات المتتالية والبيانات الختامية التي تصدر عنها”.
ويؤكد أنه “أمام واقع عدم قدرة وفد المعارضة حتى على تعديل أو إضافة أي كلمة على نتائج لقاءات استانة، فإنه يتوجب على الوفد القيام بما كان يجب عليه القيام به منذ الاجتماع الأول، وهو الانسحاب من هذا المسار والتبرؤ منه، بدل الاستمرار بشكل يقدمهم كشهود زور أو كشركاء في الجرائم التي ترتكب عقب كل جولة من جولات أستانة”.
وكان المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف قد اعتبر عقب نهاية الجولة، أن “ملف المعتقلين يشهد تطوراً ملحوظاً، لكن هناك شكاً ببيانات المعارضة المتعلقة بعدد المعتقلين الإجمالي”.
ورغم أن وفد المعارضة شدد على أن التعاطي مع هذا الملف سيحدد مستقبل استمرار الوفد في المشاركة بالمسار، إلا أن لافرنتييف قال إن المعارضة بدأت تبدي اختلافاً في طريقة تعاملها وباتت أكثر ليونة، معتبراً أن التركيز على رحيل الأسد “أمر غير واقعي”.
لكن الخبير في الشأن الروسي محمود الحمزة يرى أن روسيا تحاول الخروج من مأزقها في سوريا بالبحث عن أي إنجاز سياسي مهما كان شكلياً، لعله يقنع أحداً بأن الحرب انتهت في سوريا وأنه يجب ضخ أموال إعادة الاعمار فيها، لكن لا أحد يقبض هذا الكلام.
ويقول في حديث ل”المدن”: :لذلك فإن هذا المسار يخدم مصالح وغايات روسيا بالدرجة الأولى، وبدرجة أقل تركيا، بينما لا تبدو إيران معنية بالأمر سوى شكلياً، وعليه فمن المستغرب استمرار مشاركة وفد المعارضة في اجتماعات هدفها انقاذ الروس من المستنقع السوري الذي كانت أحد أسباب تشكله بدعمها للنظام”.
يتجاهل أكثر المنتقدين لمشاركة وفد من المعارضة في اجتماعات مسار أستانة أن هذه المشاركة لا يمكن رفضها بسبب العامل التركي، الحليف الأبرز للمعارضة حالياً، بينما يحاول هذا الوفد الظهور ما أمكن بأنه مستقل وفاعل، في الوقت الذي لا يختلف فيه الكثيرون على أن هذا المسار كان حصاده مريراً على الثورة السورية.
المصدر: المدن