إبراهيم درويش
نشرت مجلة “نيويوركر” تقريرا أعدته سوزان غليسر، قالت فيه إن خطاب الرئيس جو بايدن في الذكرى الأولى لهجوم رعاع على الكونغرس، بتحريض من الرئيس السابق دونالد ترامب، أُجبر على إلقائه، وهو خطاب طالما تجنبه.
فهو لم يذكر أبدا اسم ترامب ولم يكن مضطرا لهذا. ولكنه في كلمته الأخيرة يوم الخميس، تحدث بعبارات قاسية نادرا أن يتحدث بها رئيس عن زعيم آخر للولايات المتحدة. وانتقد بايدن بشدة الرجلَ الذي أشار إليه 16 مرة في خطابه بـ”الرئيس السابق”. وقال إن ترامب لم يكن فقط رئيسا سابقا، ولكنه “الرئيس المهزوم” والذي أقام ونشر “شبكة من الأكاذيب” حول انتخابات 2020. وقدم “أناه الجريحة” على الدستور والبلاد. وقام مع أتباعه بالهجوم على عملية سلمية لنقل السلطة “وحمل خنجرا وصوّبه على رقبة الديمقراطية الأمريكية”.
وتحدث بايدن الذي جاء إلى قاعة الكابيتول، بعبارات غاضبة عن المشاغبين الذي حملوا أعلام الكونفدرالية قبل عام، وركلوا وداسوا وقتلوا ضابط شرطة، بل وتبرزوا في أروقة الكونغرس، وهم يحاولون وقف عملية المصادقة على هزيمة ترامب. وقام بتقديم حقائق ناقدة عن الجمهوريين الذين حاولوا تصوير التمرد بأنه مجرد جولة سياحية عادية في الكونغرس. قبل أن يعود إلى الموضوع الذي كرره أثناء الحملات الانتخابية عام 2020، واصفا “المعركة على روح أمريكا” التي حاول ترامب وأتباعه قتلها والتي لا تزال قائمة بعد عام من التمرد، وقال: “سأقف مدافعا عن أي خرق” لروحها.
وقالت غليسر: “كان خطابا غاضبا وقويا وضروريا، وهو خطاب كان يريد بايدن تجنبه. لأن هذا يعني اعترافه بأن ترامب والترامبية التي دافع عنها لم تنته بعد، ولكنها تعيش وأصبحت حقيقة غير مريحة في الحياة السياسية الأمريكية، بعد عام على رفض ترامب الرهيب بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات”.
وسواء استخدم بايدن اسم ترامب أم لم يفعل، فظلّه لا يزال يحوم على الرئاسة. وكان بايدن يأمل في مرحلة ما بعد هجوم 6 كانون الثاني/يناير برأب الصدع، لكنه يعترف الآن بأن عليه أن يقف في الشرخ الذي أحدثه ترامب وأتباعه. ولا أحد ينكر أن خطاب بايدن حمل لغة حادة لم يستخدمها رئيس ضد سلفه، لكن السؤال هو عن الأثر الذي سيتركه، في وقت تتراجع شعبيته.
وهناك أمر يتعلق بالتداعيات السياسية لخطابه أكثر من كونها جزءا من إرثه السياسي. وتقول الكاتبة: “مع ذلك، بدا بايدن في الذكرى الأولى رجلا في أحسن حالاته، معبرا عن أمة غاضبة، ومدافعا عن القيم الأمريكية التقليدية. ومن رحب فيه وصفق له قبل عام، سيتساءل لماذا لم يكن كذلك؟”.
وهناك أسئلة محبطة حول المحاسبة والعدالة لم يتم الإجابة عليها، صحيح أن النائب العام ميريك غارلاند تحدث عن إدانة 700 من جنود ترامب، إلا أن الأخير ومَن حرّض على التمرد لا يزالون أحرارا. واقترح غارلاند أنهم قد يواجهون المحاكمة يوما ما، لكن من المستبعد أن تقوم وزارة العدل بالقبص على الرئيس السابق ومحاكمته لدوره في المأساة الأمريكية التي جرت في 6 كانون الثاني/ يناير. ولم يصف بايدن ما فعله ترامب بالجريمة أكثر من كونه إثما ضد الديمقراطية والحقيقة.
وتقول غليسر إن تمرد العام الماضي لم يختف؛ لأن الجمهوريين لم يتحدثوا في الذكرى الأولى، لا مايك بنس، نائب الرئيس الذي حمل المتمردون المشنقة لشنقه بسبب موافقته على النتائج، ولا السناتور ميت رومني الناقد لترامب والذي أنقذه ضابط شرطة، ولا ميتش ماكونيل المؤيد لترامب، والذي قال إنه سيدعم ترشيح الرئيس السابق لو فاز بأصوات الحزب عام 2024.
واختار الكثير من الجمهوريين إحياء المناسبة بتوجيه النقد إلى بايدن لاستخدامه لغة انقسامية وذكره الرئيس السابق بالاسم. وكان الهدف من هذا واضحا ويخدمهم تحديدا، فهم يريدون تقديم تمرد 6 كانون الثاني/ يناير باعتباره خلافا حزبيا. بل وتجرأ ليندزي غراهام، السناتور المنافس لترامب الذي تحول لمتملق، على وصف خطاب بايدن بأنه محاولة لتسييس المناسبة.
وعندما اجتمع مجلس النواب للصلاة والوقوف لحظة صمت في المناسبة، لم يأت من الجمهوريين سوى ليز تشيني التي طردت من قيادة الجمهوريين في المجلس؛ لأنها انتقدت ترامب إلى جانب والدها ديك تشيني، مهندس الحرب الدولية على الإرهاب وغزو العراق. وقال ديك العجوز: “هذه قيادة لا تشبه القيادة التي عرفتها عندما كنت هناك قبل عشرة أعوام”.
وبالنسبة لترامب الذي راقب خطاب بايدن من منفاه في مار- إي- لاغو، فقد أصدر عددا من التصريحات، الأول اتهم فيه بايدن بمحاولة تقسيم أمريكا واشتكى من استخدام الرئيس لاسمه. أما الثاني فهو نقد لأداء بايدن “حاول حرف الانتباه عن المهمة العاجزة التي عملها ويعملها”. وعبّر ترامب عن تذمره، ولكنه أكد “لن أتنازل أبدا”، مع أنه تخلى عن فكرة عقد مؤتمر صحافي في الذكرى الأولى للتمرد، وهو ما كان مدعاة لراحة حزبه الذين لم يكن راغبا بالحديث عن دوره في التحريض على العنف.
وفي النهاية، لم يكن من الصعب النظر إلى هذا كنوع من المناوشات بين الحزب الجمهوري والديمقراطية الأمريكية.
وتقول الكاتبة إن الأمريكيين ليسوا بحاجة إلى يوم لتذكر التمرد واكتشاف أن الجمهوريين لا يزالون تحت تأثير مخدر ترامب. وبعد عام على هذه الكارثة، تظهر استطلاعات الرأي أن ثلثي الجمهوريين يصدقون كذبة ترامب الكبرى حول سرقة الانتخابات. وهذا ليس مفاجئا، بل كان هذا واضحا عندما مشى 174 من المشرعين الجمهوريين فوق الزجاج المهشم للكونغرس وصوتوا ضد نتائج الانتخابات، وفعلوا ما طلبه منهم ترامب الذي تحدى التاريخ والقانون والأدب.
والحقيقة حول 6 كانون الثاني/ يناير كانت واضحة في ذلك الوقت كما هي اليوم، فالهجوم على الكابيتول لم يكن حادثا غريبا في ولاية ترامب، بل هو نتيجة منطقية مروعة.
المصدر: “القدس العربي”