حسن فحص
تحديد زيارة رئيسي إلى موسكو يأتي متزامناً مع الكلام الذي يتحدث عن بطء في مفاوضات فيينا.
يصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى العاصمة الروسية موسكو لعقد قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والتوقيع على سلسلة من الاتفاقيات على رأسها تمديد اتفاقية التعاون الاقتصادي والأمني لمدة عشرين عاماً. وهي زيارة تأتي تتويجاً لمسار عمل الرئيس السابق حسن روحاني وفريقه على توطيد وتمهيد أرضيته في ترجمة لرؤية مؤسسة النظام، بتعزيز التوجه شرقاً في ظل الانسداد في جهود الانفتاح نحو الغرب، نتيجة العقوبات الأميركية بعد قرار انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي، وأيضاً لمسار عملاني وبراغماتي تحكمه المصلحة واستغلال الفرصة التي أتاحتها السياسات الأميركية مع إيران. مسار بدأته موسكو تجاه إيران ظهرت أولى مؤشراته مع تسهيل عملية انضمام طهران إلى منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، ثم التفاهم حول مستقبل التعامل مع المستجد الأفغاني واستيعاب المتغير الأمني والاقتصادي في هذا البلد، نتيجة الانسحاب الأميركي السريع حد المفاجأة منه.
الزيارة الإيرانية لروسيا، مهّد لها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بزيارة لا تقل أهمية واستراتيجية إلى العاصمة الصينية بكين، التي أثمرت عن وضع التفاهم على التعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأمد لمدة 25 عاماً موضع التنفيذ، وبدء الفريقين بتدوين تفاصيل الاتفاقيات التي ستُوقّع بينهما للتعاون الاقتصادي والتجاري في المرحلة المقبلة.
تحديد زيارة رئيسي إلى موسكو يأتي متزامناً مع الكلام الذي يتحدث عن بطء في مفاوضات فيينا، مع تمسك جميع الأطراف بالإيجابية التي تحققت والتي تسيطر على أجواء المباحثات التي تجري بين الأطراف الغربية وواشنطن من جهة وإيران من جهة أخرى، ومؤشرات الارتياح الروسي نتيجة نجاح مندوبهم ميخائيل أوليانوف في تذليل كثير من العقبات بين الطرفين بعد أن استطاع لعب دور الوسيط الموثوق به إيرانياً من قبل جميع الأطراف، خصوصاً في محاولاته استثمار هذه المفاوضات لتمرير رسائل إلى الجانب الأميركي، ترتبط بتصاعد حدة التوتر بينهما على خلفية الأزمة الأوكرانية.
لا شك في أن النظام الإيراني بجناحيه – السلطة والدولة- لا تغيب عنه العقد التي تعترض المسار التفاوضي في فيينا، ودورها في تأخير التوصل إلى نتائج نهائية على طريق إعادة الاتفاق النووي، خصوصاً في النقطة المتعلقة بالضمانات التي يريدها، بخاصة عدم عودة واشنطن لاستخدام سلاح الانسحاب من الاتفاق أو إعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية عند أي منعطف.
مسألة الضمانات، تُعتبر واحدة من ثلاث عقد رئيسة قد تكون هي المتبقية على طاولة التفاوض، إلى جانب عقدتَي التعامل مع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي المتطورة من نوع IR6s، المستخدمة لإنتاج يورانيوم بدرجة تخصيب 20 و60 في المئة. هذه العقد ربما تستغرق عملية التوصل إلى حلول حولها حتى نهاية شهر شباط (فبراير) المقبل، ما يجعل طهران بحاجة للتفتيش عن أوراق ضغط أو ما يمكنه لعب دور البديل في حال استمر التصلب في الموقف الأميركي.
وإذا ما كان الجانب الأميركي، وبحسب بعض التسريبات عن مسؤول الملف الإيراني في واشنطن روبرت مالي، تتحدث عن اقتراح من الولايات المتحدة بتقديم “ضمانات اقتصادية أميركية” قد تساعد على تفكيك هذه العقدة، من بوابة فتح الطريق أمام الشركات بالاستثمار الكبير والواسع في القطاعات الاقتصادية الإيرانية، كبديل عن صيغة الضمانات السياسية والقانونية التي تطالب بها طهران، وأن هذا المخرج الأميركي يعرقل أي توجه لدى أي رئيس أميركي للعودة إلى سياسة العقوبات والانسحاب من الاتفاق، إذ سيضعه ذلك في مواجهة القطاع الخاص والشركات الأميركية، التي ستدافع عن مصالحها واستثماراتها وقدرتها على تعطيل أي قرار من هذا النوع نتيجة بنية النظام الأميركي.
وفي الوقت الذي ترتفع الدعوات في الداخل الإيراني إلى ضرورة التوازن في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الشرق والغرب، والتزام شعار مؤسس رسم هوية البلاد “لا شرقية ولا غربية”، إلا أن قرار النظام بالذهاب إلى تفعيل العمل باتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتجية مع الصين، والتقدم باتجاه موسكو لتمديد اتفاقية التعاون الأمني والاقتصادي، على الرغم من تردد وتمهل روسيا برفع مستوى العلاقة مع طهران إلى مستوى التحالف الاستراتيجي الشامل، وحصرها في ملفات متحركة، قد لا يكون الهدف منه حصراً “مأسسة” التوجه نحو الشرق، والابتعاد عن الانتفاخ نحو الغرب، خصوصاً أن النظام الإيراني يدرك أن مثل هذه الخطوة تعني حتمية العودة إلى دائرة التوتر مع الدول الغربية، لا سيما تلك الراعية للاتفاق النووي وإعادة دمج إيران بالمجتمع الدولي. وعليه، فإن الهدف الذي تسعى طهران من خلاله إلى تعزيز هذا التعاون، هو توجيه رسائل للدول الأوروبية المتهمة بوضع العراقيل وعدم الاستجابة للمخاوف والمطالب الإيرانية السياسية والاقتصادية المتعلقة بالاتفاق النووي، بامتلاكها البدائل العملية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، مع إمكانية نقلها إلى المستوى الاستراتيجي وتشكيل محور ثلاثي (روسي – صيني – إيراني) يمتلك قدرات عسكرية واقتصادية ودائرة نفوذ فاعلة ومؤثرة في أكثر المناطق حيوية في العالم، تمتد من وسط آسيا والقوقاز وصولاً إلى الشرق الأوسط وما فيها من ثروات طبيعية ومصادر طاقة كبيرة قادرة على التحكم والتأثير في اقتصادات العالم.
ولعل الرسالة الإيرانية الأبرز وربما تكون الأخطر، ما يشكله هذا الانفتاح على القطبين الشرقيين في هذه المرحلة، من بدائل تسمح لطهران بممارسة مزيد من التشدد في المحادثات النووية والتمسك بمطالب المرحلة الأخيرة من التفاوض، وقدرتها على تحييد خيار التهديد بعودة أو إعادة العقوبات الاقتصادية ضدها، خصوصاً أن الدول الغربية، تحديداً الترويكا الأوروبية تنتظر إعادة إحياء الاتفاق لإعادة تفعيل المشاريع والاستثمارات التي سبق أن بدأتها بعد عام 2015 في إيران، كشركة “توتال” وتطوير الصناعات الغازية والتنقيب عنها بقيمة 5 مليارات دولار، والعقود الفرنسية لبناء خطوط سكك القطارات السريعة بقيمة 7 مليارات يورو، وهي قطاعات سبق أن أعلنت الصين رغبتها بالحصول عليها بعد الانسحاب الفرنسي، فضلاً عن عقود شراء طائرات مدنية من شركتي “إيرباص” الأوروبية و”بوينغ” الأميركية بعقود تفوق قيمتها 200 مليار دولار.
السير على الحبل المشدود الذي يعتمده النظام الإيراني ما بين التوجه نحو الشرق والتمسك بالتفاوض مع الغرب، بحاجة إلى كثير من القدرة على التوازن للوصول إلى الهدف المنشود. فهل يقوم رئيسي من موسكو كما فعل عبد اللهيان من بكين، بمغازلة الدول الغربية لدفعها إلى اتخاذ خطوات سريعة وتمرير الاتفاق النووي بحيث لا يشكّل انكساراً للفريق الجديد، ويفتح الطريق أمام عودته إلى الأسواق والاستثمارات الإيرانية، وعدم ترك الساحة خالية للصين وروسيا.
المصدر: اندبندنت عربية