د. مخلص الصيادي
فقدت الحياة الثقافية السورية المفكر الاسلامي جودت سعيد الذي وافته المنية في منفاه الأخير استانبول، التي لجأ إليها بعد تفجر الثورة السورية، وفيها توفي يوم ٢٩ / ١ / ٢٠٢٢.
وقد عرف سعيد بإيمانه الشديد بالدعوة إلى الله بالحسنى وباعتماده منهج اللاعنف في الدعوة، برفضه استخدام السلاح والقوة في إحداث التغيير، وبتأثره الشديد بالمفكر والفيلسوف الاسلامي الجزائري مالك بن نبي، وبالزعيم الهندي غاندي.
الراحل من مواليد ١٩٣١ قرية بئر عجم في الجولان السورية المحتلة، وكان نزح عن قريته بسبب الاحتلال الاسرائيلي في عدوان حزيران ١٩٦٧. وعاد إليها عقب حرب تشرين إذ كانت من القرى التي تم تحريرها.
الف الراحل في حياته المديدة ٢٨ كتابا، تكشف جميعها رؤيته للمسألة الدينية، وتجذر مفهوم اللاعنف في هذه الرؤية.
ومن هذه الكتب كتابه الرئيس ” مذهب ابن آدم الأول”، والذي حاضر حوله في محافل عدة، وعرفته عن بعد حينما حدثني عنه الباحث والمفكر الراحل مختار فوزي النعال الذي التقاه في القنيطرة خلال أداء جودت سعيد لخدمة العلم ” العسكرية”، وحدثني عن منهجه ورؤيته الاسلامية، وطبيعته السلمية الصلبة، و التقيته لاحقا في الشارقة حين دعي إليها منوقبل دائرة الأوقاف حيث ألقى محاضرة في مسرح مكتبتها في تسعينيات القرن الماضي، وكنت أصطحبه إلى المسجد في صلاة الفجر، من فندقه في شارع الملك فيصل وبيتي قريب منه إلى مسجد “أبو داوود” ، وقد بات هذا المسجد يعرف الآن بعد أن تم إعادة بنائه بمسجد عبد الله بن عباس.
عرف المفكر الاسلامي الراحل بمعارضته الثابتة لنظام البعث، ولنظام الأسد الأب والابن، ولوحق وسجن من قبلهما، كما شارك في الحراك الثوري في الجولان، وكان موقفه واضحا من النظام. مع تأكيده على سلمية هذا الحراك، وشارك في التضامن مع الحراك الشعبي الثوري في دوما واعتقل النظام نجلاه، قبل أن يطلق سراحهما لاحقا.
من كتبه:
** مذهب ابن آدم الأول.
** حتى يغيروا ما بأنفسهم.
** فقدان التوازن الاجتماعي.
** الانسان حين يكون كلا وحين يكون عادلا.
** رياح التغيير.
** الاسلام والغرب. والديموقراطية.
** الدين والقانون ، رؤية قرآنية.
ترجمت له موسوعة ويكيبيديا ومما جاء في هذه الترجمة:
*******************
جودت بن سعيد بن محمد مفكر سوري شركسي ولد بقرية بئر عجم التابعة للجولان في سوريا عام 1931م. وهو مفكر إسلامي معاصر، يعتبر امتدادًا لمدرسة المفكرين الإسلاميين الكبيرين، الأستاذ مالك بن نبي ومن قبله محمد إقبال.
نبذة عن حياته
من مواليد بئر عجم القنيطرة، أتم جودت سعيد دراسته الابتدائية في مدينة القنيطرة، ثم أرسله والده لمتابعة دراسته في مصر (الأزهر الشريف) في عام 1946م. فأتم هناك المرحلة الثانوية، والتحق بكلية اللغة العربية، ليحصل على إجازة في اللغة العربية منها.
تعرف على الأستاذ مالك بن نبي في آخر مراحل وجوده في مصر من خلال كتاب شروط النهضة، فشعر بنكهة جديدة تقدمها كتابات الرجل، ثم واتته فرصة لقاءه والتعرف عليه شخصياً قبل مغادرة مصر نهائياً.
زار السعودية بعد ذلك ليقضي فيها نحو عام، تمت خلالها ولادة الجمهورية العربية المتحدة بقيام الاتحاد بين سوريا ومصر. ثم عاد إلى سوريا لتأدية الخدمة العسكرية، وأثناء تواجده في صفوف الجيش حدثت واقعة الانفصال. وفي حين امتثل الجميع لأوامر القادة في قطعته العسكرية، أعلن رفضه ومعارضته المشاركة في أي تحرك عسكري، مما دفع القادة المسؤولين عنه إلى حجزه في الإقامة الجبرية، ولم يغادرها إلا بعد انقضاء الأمر.
أنهى خدمته العسكرية ليعين أستاذاً في ثانويات دمشق كمدرس للغة العربية، وما لبث أن اعتقل لنشاطه الفكري. وتكررت الاعتقالات، ورغم صدور قرارات بنقله إلى مختلف مناطق سورية إلا أنه لم يترك مجال التدريس إلا بعد أن تم اتخاذ قرار بصرفه من عمله في نهاية الستينات.
بعد حرب 1973، تم تحرير مدينة القنيطرة وبعض من قرى الجولان السوري المحتل، وكانت من ضمن القرى المحررة قرية بئرعجم. فقرر العودة والاستقرار هناك وإعادة ترميم المنزل مع عائلته ووالده وإخوته،
حيث عاش هناك، يعمل في تربية النحل، والزراعة، ويمارس نشاطه الفكري والثقافي.
أفكاره
يعرف جودت سعيد بأنه داعية اللاعنف في العالم الإسلامي أو غاندي العالم العربي. وقد عبر عن سعادته بهذا الوصف في مناسبات عدة، وكان أول ما كتبه في مطلع الستينيات كتابه (مذهب ابن آدم الأول، أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي) وهو يناقش مبدأ اللاعنف وعلاقته الجذرية بالإسلام، لكن يمكن للبعض أن يرى أن القصد من وراء الامتناع عن استخدام العنف أو القوة هو في واقع الأمر اللجوء إلى العقل والتفكير. لذلك كانت دعوته إلى اللاعنف دعوة للعقل في أساسها.
يبصر جودت سعيد القرآن من خلال العالم، والعالم من خلال القرآن، وتنطلق الأفكار المفتاحية في عالمه الفكري من باب التوحيد، فهو يرى أن “التوحيد مسألة سياسة اجتماعية وليست مسألة ميتافيزيقية إلهية”، بمعنى أن توحيد الله في السماء، يعني المساواة بين البشر على الأرض، فيساوي بين العبارات الثلاث في الآية القرآنية الكريمة: (ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون الله).
وهو ينطلق من الآية القرآنية (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، فيفهم منها أن “آيات الأفاق والأنفس، أي سنن الله في الكون، وتجارب البشر والأحداث والتاريخ البشري، كل هذه ستكون الدليل على صحة وصدق القرآن. مما يعني أن التاريخ والتجارب هي مرجع القرآن ودليل صدق ما فيه من قوانين”، وهذا ما دفع البعض لاعتباره مفكراً مادياً، يبشر بمذهب مادي.
من الأفكار المفتاحية فكرة (الزيادة في الخلق) فالعالم بحسب فهم جودت للقرآن “لم يخلق وانتهى، أي لم يكتمل خلقه، وإنما لا يزال يخلق”، فالقرآن يقول (يزيد في الخلق ما يشاء) و(يخلق ما لا تعلمون). واعتماداً على ذلك وضع جودت سعيد مرتبة جديدة من مراتب الوجود، وهي “الوجود السنني”. أي وجود الشيء كقانون وسنة حتى قبل وجوده بالفعل.
يتكرر “مفهوم النفعية” في فكر سعيد بكثرة، معتمداً على النص القرآني (كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فيعتبر أن “النافع هو ما سيبقى في الأرض وأن الزبد هو ما سيذهب جفاء”، وأن “النافع هو المقدس”، وأن “الحق والباطل إذا ما أعطيا فرصاً متكافئة فإن الباطل سيزول والحق سيبقى”.