منير الربيع
استباقاً لزيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى تركيا، صدر موقف لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، هاجم فيه تركيا وقال إنّ “الولايات المتحدة توظّف كيان العدو لإغراء دول كالإمارات وتركيا وغيرهما، وتوعز بالخراب في الدولة التي لا تخضع”. ليس بالضرورة أن يكون هدف الموقف استهداف زيارة ميقاتي. فحسابات حزب الله تتخطى كل هذه التفاصيل. وليس من السهل أن يدخل الحزب إياه في انتقاد تركيا، فيما يعيش حرباً سياسية وإعلامية وكلامية مع دول الخليج، التي دخلت في أزمة سياسية مع لبنان بسبب سياسته.
لا مشروع تركياً بلبنان
لموقف حزب الله الجديد جملة مؤشرات وأهداف وغايات. وحتماً لا يرتبط بما يسعى بعض اللبنانيين إلى تحليله بأن الحزب يريد مهاجمة تركيا كنوع من استهداف لسعي أنقرة إلى الاستثمار السياسي في البيئة السنية اللبنانية، بعد قرار سعد الحريري العزوف عن الترشح. فلم يظهر أي موقف تركي يشير إلى ذلك في يوم من الأيام.
وهذا يحيلنا إلى تهم سابقة نسجت حول تركيا في لبنان، وتبين أنها كانت جزءاً من الفقاعات الإعلامية فقط، عندما سعت بعض الأجهزة الأمنية والجهات السياسية والرسمية إلى تحميل أنقرة مسؤولية التحركات والاحتجاجات في طرابلس وشمال لبنان.
والقول إن تركيا لديها مشروع في لبنان، ردت عليه أنقرة بأن كل هذه التهم هي للاستهلاك السياسي وحسب، ومحاولات لتحشيد الرأي العام من خلال اختلاق عدو جديد. وكان الهدف من ورائه شد العصب الطائفي. وقد يكون حزب الله في هذه المرحلة بحاجة إلى شدّ هذا العصب مجدداً من خلال مهاجمة تركيا.
لماذا يهاجم حزب الله تركيا
هناك أهداف أبعد لهذا الهجوم. تبدأ من الخلاف بين إيران وتركيا حول الوضع في العراق، وخصوصاً بعد الانتخابات النيابية وعملية تشكيل الحكومة. فأنقرة رفضت الموافقة على ما تريده إيران وتسعى إلى فرضه من خلال الإطار الشيعي، فيما تسعى تركيا إلى تعزيز علاقاتها العربية والخليجية. وهذا يزعج الإيرانيين إلى حدّ بعيد، فكيف إذا انعكس على الواقع العراقي، في ظل أزمة سياسية يعانيها حلفاء طهران في معركة تشكيل الحكومة؟!
وحصلت محاولات عدة في الفترة الماضية لقتح قنوات تواصل مباشرة مع تركيا لإرساء تفاهمات جديدة في العراق حول آلية تشكيل الحكومة، لكن الأتراك رفضوا ذلك.
ولا ينفصل هجوم حزب الله عن استعداد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لزيارة دول الخليج، وخصوصاً الإمارات والسعودية، بعد سنوات من الجفاء. وهذا تطور جيوستراتيجي في المنطقة، ويكسب منه الطرفان، فيما تجد إيران نفسها متضررة منه، علماً أنها كانت تراهن على العلاقات الجيدة مع تركيا سابقاً في ظل تدهور العلاقات التركية الخليجية.
وفي حال استكمال هذا المسار فسيؤدي إلى إرساء متغيرات متعددة في القواعد السياسية القائمة في المنطقة. ولا يمكن فصل هذا التوتر الإيراني-التركي، والذي تلوح فيه إيران بوقف إمدادات الغاز إلى تركيا، عن مسار الصراع الأوسع في العالم والأزمة الأوكرانية، والتوتر بين الطرفين خلال معارك أذربيجان وأرمينيا، إضافة إلى استمرار الخلافات حول الملف السوري.
الحزب العبء
ودخول حزب الله على خطّ هذه الأزمات يعني استدعاء المزيد من التطورات نظراً إلى الوقائع السياسية الدولية والإقليمية. وهذا الجو يتلاقى مع جملة تداولات ديبلوماسية إقليمية ودولية، لا سيما لدى الروس والأوروبيين ودول المنطقة أيضاً، مفادها أن حزب الله أصبح يشكل عبئاً، ليس على لبنان فحسب إنما على النظام الإقليمي كله. وهوامش الفراغات والتناقضات التي يراهن عليها الحزب تضيق رويداً رويداً. يقود ذلك إلى قراءات متعددة لجهات إقليمية بأن هناك ضرورة لتقليص نشاط الحزب إياه على الساحة الإقليمية، من دون امتلاك أي تصور واضح حول كيفية تحقيق ذلك، وما هي العواصف التي تقود إلى هذا الهدف.
المصدر: المدن