العقيد عبد الجبار عكيدي
انتهت مساء الأحد الفائت الندوة الحوارية التي دعا إليها رئيس الوزراء المنشق الدكتور رياض حجاب في العاصمة القطرية الدوحة، وحملت عنوان “سوريا إلى أين؟”، بمشاركة ممثلين عن مؤسسات الثورة والمعارضة السورية وبعض مراكز الدراسات ومنظمات المجتمع المدني، وعدد من الشخصيات المستقلة، لكن نتائجها كانت مخيبة لآمال السوريين، إلى درجة أن كثيرين منهم تحدثوا عن أن مخرجات الندوة أسقطت من الحسابات مَن كانوا حتى الأمس القريب يُعوّل عليهم كقادة للمرحلة المقبلة.
نجحت مساعي الائتلاف الوطني في تفريغ دعوة الدكتور رياض حجاب من مضمونها بعد أن طلبت بعض الدول تحويل المبادرة من مؤتمر يضم جميع أطياف المعارضة، وقد ينتج عنه جسم سياسي منافس أو بديل، إلى ندوة بحثية غير مؤثرة، وهذا ما جعل بعض الشخصيات المعارضة التي تحظى بقبول واحترام لدى الشارع السوري تعتذر عن عدم الحضور.
كما أن بعض القوى السياسية مثل منصة القاهرة وجبهة الحرية والسلام فضلوا عدم المشاركة، في حين إن منصة موسكو غير المقبولة من قبل جمهور الثورة، والتي يُظهر الكثيرون ممن حضر الندوة بما فيهم صاحب الدعوة موقفاً سلبياً منها على اعتبار أنها أقرب للنظام وروسيا منها للمعارضة، فرضت شروطها المسبقة للحضور، بعدم تطرق الندوة لمسألة إسقاط النظام والحديث عن مصير بشار الأسد، ولا حتى هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية، وكذلك رفض أي إشارة للجيش السوري الحر، أو حضور أي ضابط منشق، وهذا ما حصل بالفعل.
بعد يومين من النقاشات وورشات العمل، وبينما كان السوريون ينتظرون مخرجات عن كيفية إصلاح مؤسسات المعارضة الرسمية، وموقف حاسم وصريح من اللجنة الدستورية ومسار أستانا، ورفض قاطع لما يطرحه المبعوث الدولي غير بيدرسن من مسار جديد خارج القرارات الدولية “خطوة مقابل خطوة”؛ خرجت الندوة بتوصيات هزيلة، من يقرأها للوهلة الأولى يظن أنها إحدى بيانات جولات أستانا، إذ يتصدرها البند الذي يتحدث عن وحدة الأراضي السورية وسيادتها.!
ومن يكمل قراءتها يدرك أنها توصيات عائمة تحاول الابتعاد عن مكامن الخلل والأزمة الحقيقية التي تواجه المعارضة والقضية السورية بشكل عام، ولعل السيد حجاب كان حريصا على أن تكون تلك التوصيات مقبولة لدى جميع الأطراف الإقليمية والدولية، في حين باتت القضية السورية جرحاً نازفاً لا يحتمل المزيد من المهادنة.
كانت توصيات ندوة الدوحة أشبه بتوصيات المؤتمرات الإقليمية واللقاءات الدولية التي تتحدث عن القضية السورية بعبارات عائمة وفضفاضة، لم يقبل القائمون عليها حتى بتشكيل لجنة متابعة لها، متعللين ذلك بالظروف الإقليمية والدولية، لذلك وأمام كل هذه الإرهاصات والظروف لم يكن ممكناً الخروج بما هو أفضل مما خرجت به الندوة التي اقتصرت توصياتها على:
– التأكيد على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة واستقلالها والحفاظ على مؤسسات الدولة، واعتماد نظام اللامركزية الإدارية وفق سياسات وطنية تحقق التنمية المستدامة.
– إعادة هيكلة مؤسسات قوى الثورة والمعارضة والارتقاء بأدائها وتمكينها من تحقيق مطالب الشعب السوري المحقة والمشروعة بكفاءة واحتراف، فضلا عن تنمية وتوظيف الخبرات التي تقدمها مراكز الفكر الوطنية.
– صياغة خطاب وطني جامع ودعم الجهود التي تبذلها مؤسسات الإعلام السوري بما يسهم في محاربة خطاب الكراهية والتمييز وتعزيز التواصل بين مختلف قوى الثورة والمعارضة.
– التأكيد على قضية الشعب السوري ومطالبه المحقة والمشروعة وسعيه لنيل حريته وكرامته وحقه في الانتقال السياسي والتداول السلمي للسلطة واحترام كل مكوناته الإثنية من عرب وكرد وتركمان وكلدان وآشور.
– الالتزام بالعملية السياسية عبر مسار جنيف والتمسك بمرجعية القرارات الأممية ذات الصلة واحترام رغبة الانتقال السياسي.
– تعزيز دور المرأة والشباب في العمل الوطني وضمان تمثيلهم في سائر مجالات الشأن العام.
– إيلاء الاهتمام الكافي لدور الثقافة والفكر في حياة السوريين وتشجيع المبادرات الخلاقة.
تندرج هذه الندوة تحت بند لطالما تم الحديث عنه في كل الندوات وورشات العمل على مدار السنوات العشر التي خلت، وهو توحيد كيانات المعارضة، دون أن يكون هناك رؤية لمشروع سياسي موحد.
فالمجتمعون لديهم أكثر من مشروع، أحدها مشروع القوى المنخرطة في العملية التفاوضية والسياسية والمشاركة في اللجنة الدستورية ومسار أستانا، وهناك أصوات وتجمعات تدعو إلى الالتزام بالانتقال السياسي وترفض الآلية الدستورية التي تمت بمعزل عن الانتقال السياسي والقفز عليه، وبالتالي فإن هذا اللقاء بدلالة التوصيات التي خرجت منه، لا يضعنا أمام محاولات جدية للوصول إلى توافق قوى الثورة والمعارضة التي شاركت في هذه الندوة على اجتراح رؤية سياسية متفق عليها، بل إنه خرج خالي الوفاض من أي إنجاز ينتقل بنا من طور المراجعة والنقد إلى طور تحديد الرؤية والمهام المطلوبة لمواجهة الاستحقاقات التي تعيشها القضية السورية.
المفارقة إن التيار الذي كان يدعو للانتقال السياسي وعلى رأسه السيد حجاب لم يستطع استقطاب أطراف المعارضة الرسمية للعمل على برنامج سياسي وتنظيمي يشكل حاملا حقيقيا لإعادة بناء مؤسسات الثورة والمعارضة، وتحديد توجهاتها بما يقطع مع المسارات السياسية والتفاوضية القائمة، فلا قرار بوقف المشاركة في العملية الدستورية التي يقر الجميع بكارثيتها وعدم جدواها، أو على الأقل تغيير صيغتها وشروط عملها، ولا قرار بوقف المشاركة بمسار أستانا، مع أن هذين البندين هما الامتحان لمدى استجابة ندوة الدوحة للمطالب الشعبية السورية الواسعة بوقف مسلسل التفاوض العبثي كما عليه الحال.
إذا كان ثمة مستفيد من هذه الندوة فهي كيانات المعارضة الرسمية التي أرادت أن تثبت أنها لم تعد وحدها كسيحة أو عاجزة، بل أظهرت عجز الآخرين أيضا وعدم قدرتهم على تجاوز هذه الكيانات، فربما أدرك السيد حجاب أن هناك فيتو لا يسمح بتشكيل أي كيان سياسي منافس لما هو موجود، إلى حد أن هناك من رأى أنه أراد من خلال هذه الندوة إبقاء اسمه في المشهد السياسي السوري، مع أن السوريين كان يحذوهم الأمل بأن تكون هذه المبادرة قادرة على إنتاج عمل ما على أرض الواقع، لكنها ظلت إعلامية لا أكثر.
إن حرص السيد حجاب على دعوة المشتغلين بكيانات المعارضة الرسمية (ائتلاف، هيئة تفاوض، لجنة دستورية، أستانا) إما أنه يبرهن على أنه هو الآخر يؤمن بأن معاول الخراب يمكن أن تصلح كأدوات للبناء، أو أن أفقه السياسي وما يمتلك من أدوات إجرائية على أرض الواقع لم يستطع تجاوز هذه الكيانات!.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا