محمد مروان الخطيب
كانت تركيا مع بداية الثورة السورية الملاذ الآمن للعديد من العائلات التي هربت من بطش عصابات الأسد، ومع استمرار ممارسات الأسد القمعية وصل عدد اللاجئين في تركيا إلى حوالي الأربعة ملايين، في نسبة هي الأعلى لعدد اللاجئين في أي دولة مجاورة. وإن كان اللاجئ منذ بداية وصوله لم يمنح حق اللجوء كما هو مُعرف في القانون الدولي وذلك بحكم القانون المعمول به في تركيا، فإن اللاجئين حصلوا بداية على مميزات كثيرة، تضاءلت مع إزدياد الأعداد وطول فترة اللجوء.
ولعل من أهم القضايا التي عانا منها الشباب السوري اللاجئ إلى تركيا كانت بداية قضية التعليم، حيث تصدت لهذه المهمة منظمات المجتمع المدني السوري وعملت على إنشاء مدارس تمت تغطية نفقاتها كاملة من قبل متبرعين، ولكن مستوى التعليم لم يكن هنالك من يشرف عليه أو يتابعه، حتى قيام الحكومة السورية المؤقتة حيث حاولت هذه الحكومة الوليدة الإمساك بملف التعليم ولكن قصر العمر الفاعل لهذه الحكومة التي لم تجاوز العام الواحد، إضافة للحد من دورها في المدارس التي كانت منتشرة على الأراضية التركية جعل مستوى التعليم متباين بين المناطق المختلفة على الأرض التركية وأيضاً بين كل مدرسة وفقاً للجهة الممولة لها ولمدى متابعتها للمستوى التعليمي ومقدرة الكادر التدريسي العلمية.
مماذكر أعلاه تتضح الأسباب التي جعلت المستوى العلمي والمعرفي للطلاب السوريين في تركيا متواضعاً نسبياً، والإشكال الذي جعلهم في صفوف متأخرة عن إمكانية اللحاق بنظرائهم الأتراك، إلى اللحظة التي قوضت الإدارة التركية أي دور للمدارس السورية وحولت جميع الطلاب السوريين إلى المدارس التركية، ولكن للأسف دون مرحلة تمهيدية تتيح لهؤلاء الطلاب عملية استيعاب اللغة التركية مما يسهل عليهم الإندماج المعرفي والعلمي والمجتمعي، ناهيك عن موجات التنمر التي كانت تسود في مختلف شرائح المجتمع التركي إتجاه السوريين نتيجة الصراع السياسي بين الموالاة والمعارضة للحزب الحاكم، بحيث أصبح الطلاب السوريون خاصة واللاجئيين السوريين عامة، محل تجاذب بين مختلف هذه التيارات المتحكمة بالسياسة العامة والمعارضة لها.
بالرغم من جميع هذه الصعوبات فإن الشباب السوري قدم نتائج جيدة وتميز العديد منهم في الجامعات التركية متخطين الصعوبات التي تواجه أي طالب أجنبي يقتحم غمار التحصيل العلمي في البلد المضيف، وبالرغم من الإرث الذي يحمله جيل شباب الثورة الذي يعاني من سلسلةٍ طويلةٍ من الأزمات والضغوطات المتراكمة تاريخياً، هذه الأزمات المتلاحقة التي تنسكب على حياته من كل حدبٍ وصوب. فهو مازال يحمل الإرث الذي تعود عليه جيل ماقبل الثورة بأن التحصيل العلمي هو الخيار الأنجع لنيل احترام المجتمع وضمان مستقبل آمن.
إلا أن الحياة الإقتصادية في تركيا تتمايز عن غيرها من بلدان الإقتصاد الحر في كونها البلد الذي تؤمن فيها الدولة للمواطن أدنى مستوى من الضمان الإجتماعي والإقتصادي بين دول اللجوء الأجنبية التي توجه إليها النازحون السوريون الهاربون من المقتلة الأسدية. فللأسف بعد معانات الكثير من العائلات التي هاجرت واستقرت في تركيا كبلد لجوء لم يكن نصيب أبنائها بعد كل الجهود التي قدموها في تحصيلهم العلمي، لم يكن لهم نصيب مقبول في فرص العمل، إن كان من ناحية كونهم لاجئين يتم إستغلالهم بأجور (في حال توفر فرصة عمل) وإن كان في الضمان الإجتماعي والصحي الذي يسعى أصحاب العمل للتلاعب بالقوانين للحيلولة دون تسجيلهم كعمال نظاميين، مما يحرمهم من معظم حقوقهم.
أمام هذه الصعاب يجد السوريون في تركيا أنفسهم خارج شرعة الأمم المتحدة التي نصت بأن التعليم هو حق من حقوق الإنسان، فنجد أن اللاجئ السوري المكافح للوصول إلى التحصيل العلمي يواجه مجموعة من الصعوبات وانعدام تكافؤ الفرص تجعل من تحقيقه التحصيل العلمي المنشود ثورة بحد ذاتها. ناهيك عن إمكانية تحقيق فرصة عمل تتناسب مع تحصيله العلمي وكفاءته، كل ذلك جعل الجيل الشاب السوري اللاجئ في تركيا يصاب بردات فعل متباينة، فبعضهم يميل إلى انهيار منظومة الانتماء وفقدان الأمل واللامبالاة بمصير الوطن، كرد فعل لعدم الاكتراث بمستقبلهم ورغباتهم، ليس من الجهات التي يفترض أنها تمثلهم من قوى الثورة والمعارضة، إنما من المجتمع الدولي الذي تنص قوانينه على إتاحة الفرصة لللاجئين الناجين من المحرقة الأسدية أن يحصلوا على فرصتهم في حياة كريمة في دول اللجوء، ولكن يبدو أن تركيا ماتزال متأخرة قليلاً في هذه المسألة.
من هنا يعاني العديد من الشباب السوريين النازحين في تركيا من الندم لعدم مواصلة طريق هجرتهم إلى بلدان أخرى حيث يتمتع أخوتهم السوريون بحقوق اللجوء بما فيها من ضمان اجتماعي واقتصادي وفقاً لقوانين الأمم المتحدة. وهذا إن دل فإنما يدل على عدم تمكن مؤسسات الرعاية التركية من الحصول على التفاعل الإيجابي للسوريين مع الحياة في المجتمع التركي والتمهيد لاندماجهم في المجتمع وتفعيل مهاراتهم الحياتية والتقرب من شخصيتهم الإنسانية تمهيداً لإشعارهم بالمواطنة الحقيقية في وطنهم الثاني المضيف، حيث يفترض أن يكون مفهوم المواطنة مفهوماً كونياً معترفاً به عالمياً، إذ تحاول الدول المتحضرة إرساءه بوسائل عدة، ولعل أكثرها أهمية التعليم، فذلك مردّه دور التربية والتعليم في بناء الإنسان كي يكون فاعلاً مبدعاً في حياته الفكرية والاجتماعية، وقادراً على التكيف الاجتماعي ككل متكامل، ولا سيما مفهومات العيش المشترك.
من هنا نرى المأزق الذي يعيشه الشباب في تركيا من انعدام الإندماج المجتمعي والشعور بالتنمر بعد طول هذه الفترة من العيش في تركيا، وما نشهده في الفترة الأخيرة من محاولات جادة للسلطة التنفيذية من بحث عن حلول لمشكلة الإندماج المجتمعي لشرائح واسعة من اللاجئين السوريين، من خلال دورات تخصصية إنما هي دليل على الشعور بالتقصير الذي جرى في هذا الإطار، وما ينقص هو العمل الجاد من خلال قوى الثورة والمعارضة على تفعيل دورها لتثبيت الشباب ما أمكن على حدود الوطن، فالطيور إن هاجرت سيصعب إعادتها إلى أعشاشها، وتبرز الحاجة إلى تفعيل هيئات المجتمع المدني السورية التي طال غيابها في دول المهجر لتفعيل دورها ومحاولة والسعي لحل مشاكل الشباب السوري في تركيا قبل أن يسبق السيف العذل.
المصدر: اشراق