درويش خليفة
بعد اكتمال عقد إدارة الرئيس الأمريكي الجديد في البيت الأبيض والعتيق في دوائر صنع القرار في الكونغرس والحزب الديمقراطي «جوزف بايدن» وتسميته لرجالاته في السياسية الخارجية، الأمر الذي أعادنا بأسمائهم إلى الاتفاقية النووية الإيرانية مع دول مجموعة الخمس زائد واحد، سيما وأن معظمهم كان في إدارة الرئيس الأسبق بارك أوباما أو في دوائر مقربة من إدارته في ذلك الوقت. عندما تم توقيع الاتفاق النووي مع طهران عام 2015.
وفي ضوء ذلك، أصبح لزاما على الدول العربية، ولاسيما تلك الواقعة في غرب آسيا، أن تتحرك في اتجاه موازٍ، من خلال إعادة مقترح أمن الشرق الأوسط بصيغة مطورة، بعيدًا عن الشروط الإيرانية السابقة التي رفضت وجود إسرائيل في المرحلة الأولى، وتفكيك مجلس التعاون الخليجي، شاملا المقترح وجود الستة الخليجيين فرادى مع العراق وإيران.
المحادثات الأمنية الإقليمية
والمثير للاستغراب أن إيران لم تطالب بمشاركة سوريا ولبنان واليمن في المحادثات الأمنية الإقليمية، ظنا منها أن قراراتهم تدخل في اختصاصها.
ومن الرؤى الداعمة لذلك، إشراك دول الإقليم المعنية في أي صفقة جديدة بين إدارة بايدن والسلطات الإيرانية، وهذا ما أشار إليه الرئيس الفرنسي ماكرون، في اتصاله مع بايدن، مؤكداً إشراك المملكة السعودية وإسرائيل في أي صفقة جديدة تتعلق ببرنامج إيران النووي، وما قرأته من إشارته لدور الرياض، اتخاذه خطوة إلى الوراء تعيده إلى المنطقة بعد تصريحاته التي اعتبرها المسلمون مسيئة لهم.
في الوقت نفسه تمد السعودية يدها لـ»لبنان» الغارق في أزماته الاقتصادية.
ولكي يصل أمن منطقة الشرق الأوسط إلى قمة السلام، من المفترض أن تشارك تركيا في هذه المنظومة، بعد أن أصبحت مفاتيح قوى الإسلام السياسي في أيدي سلطاتها، لاسيما التيار الأقوى بينها «الإخوان المسلمون» إذ أنهم لا يأتون بأي حركة قبل العودة للأتراك وأخذ النصيحة.
كما أعتقد أن مخاوف إسرائيل من أي صفقة أمريكية جديدة مع إيران يتم وضعها على طاولة اللوبي الإسرائيلي في مكاتب صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذا لا يكفي للعرب لوضع أيديهم وأقدامهم في الماء البارد، وانتظار ما يأتي ليتحركوا بموجبها أو يتضرعوا بالدعاء بلا عمل، لأن «الله» يستجيب للأمة العاملة، التي تأخذ بالأسباب وتتعاطى بجدية مع أزماتها، وما أكثر تلك المحن التي تحيط بدول العرب ومن ثلاثة اتجاهات- بعد دخول أثيوبيا من الجنوب وانتهاكها حقوقهم ومواردهم الطبيعية، وما رافق السنوات القليلة الماضية في محيطهم الشمالي، ناهيك عن الخطر الآتي من الشرق منذ أربعة عقود، بعد الثورة الإسلامية في إيران.
ونتيجة لتلك العوامل، على العرب أن يستغلوا الحدث النووي ويعودوا للطاولة الدولية بعد ابتعادهم سياسياً والاكتفاء بالتصريحات الإعلامية، تاركين الكرسي السياسي والأمني فارغًا متكئين على حليفهم في الإدارة الأمريكية السابقة «دونالد ترامب».
جامعة الدول العربية
بناء على ما سبق، وعلى أقل تقدير، العودة لمناقشة اقتراح الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية «عمرو موسى» «الجوار العربي» والذي قوبل برفض الراحلين الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز في أواخر مارس/آذار 2010 في قمة سرت الليبية قبل انطلاق ثورات الربيع العربي. حيث وصفتها وسائل الإعلام حينئذ بـ «جلد الذات».
ولتشخيص الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، لابد من الاعتراف بوجود أزمة تمدد قوميات وطغيان مذاهب دينية وظهور ميليشيات مسلحة توازي أسلحتها أسلحة تلك الدول التي يتمركزون فيها، بالإضافة إلى التدخل في الموارد الطبيعية للدول العربية، كما هو الحال في أزمة سد النهضة، وإطالة أمد حلها.
لا تزال بعض الدول العربية ترى أن صوتها عديم الفائدة في القضايا الإقليمية وأن دورها ليس محوريًا بسبب حالة المهانة التي تعيشها وكثافة الملفات الملقاة على عاقتها مع كمية التعقيد الذي يطال السياسة الدولية وإعادة تموضع النظام العالمي، رغم أنني أرى الوقت الذي سيحكم المفاوضات الأمريكية الإيرانية كفيلا لصياغة مشروع اتفاق يراعي مصالحهم (العرب) وحلفائهم في الغرب، لا سيما الأوروبيين الذين تنفسوا الصعداء بمغادرة ترامب البيت الأبيض. وبالتالي، يتم عرضه على إدارة بايدن على أمل أن تعتبره عادلاً لجميع الأطراف.
في الحقيقة، مع بدء ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كنت أتوقع أن تنشط الدبلوماسية العربية وفي جميع الاتجاهات والصعد من أجل منع عودة الاتفاق النووي إلى شكله قبل أن ينقضه ترامب. وذلك بعد كمية التصريحات والبيانات التي سمعناها وقرأناها من الرئيس بايدن وفريق حملته الانتخابية.
ومع ذلك، لا يزال الوقت متاحًا للتحرك والعمل بعد أن أشار وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بيلنكن» إلى أن عودة الاتفاق النووي الإيراني لن يكون في وقت قريب، مؤكدا أن بلاده «إذا قررت العودة إلى الاتفاق- سوف يستغرق ذلك بعض الوقت، وسوف يستغرق وقتا أيضا لتقييم مدى الوفاء بالتزاماتهم (الإيرانيين).
الاقتصاد الإيراني
وقال وزير الخارجية الإيراني «جواد ظريف» في حديثه لشبكة «سي إن إن» إن «إيران بإمكانها العودة إلى التزاماتها السابقة في أقل من يوم». إذ يرجع التشجيع الإيراني لإدارة بايدن على العودة بسرعة إلى الاتفاق النووي إلى عدة موضوعات تؤرق حكام طهران حال تأخرها، مثل، استمرار العقوبات الاقتصادية وعدم السماح بتصدير النفط وبقاء القطاع المصرفي في حالة جمود، مما أثر بشكلٍ مباشر على الاقتصاد الإيراني.
وننوه إلى أنه في أواخر عام 2019 استضافت العاصمة الصينية ما يقرب من 200 مسؤول وخبير في مختلف المجالات الدبلوماسية والأمنية ومن أكثر من 20 دولة في منتدى أمن الشرق الأوسط «التحديات والمخارج» الذي أشرف عليه معهد الصين للدراسات الدولية، كخطوة لإعادة الاستقرار في المنطقة.
ومن الواضح وجود رغبة وجموح أوروبي للعب دور في الصفقة المقبلة، حرصاً منهم لحل مشكلات المنطقة التي تعنيهم بشكل مباشر، جراء توالي موجات اللاجئين التي تحط في بلادهم عبر البحر المتوسط، الذي يربط عدد من دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا مع عدة دول أوروبية.
الجدير بالذكر أن الروس قلقون جدًا من ربط الملف النووي الإيراني بالملف السوري، لذا فإن روسيا تؤيد العودة على أساس الاتفاق النووي دون أي تعديل أو إدخال بنود ترتب عليهم تقديم تنازلات في الملف السوري الذي أعادهم إلى المنطقة بقوة وثبات، بيد أن إدارة بايدن رغم مرونتها مع إيران إلا أنها لن تعود للصفقة بصيغتها السابقة، خصوصا بعد أن أحرزت حكومة طهران تقدماً في تخصيب اليورانيوم وتحذير وزير الخارجية الأمريكي بلينكن من احتمال امتلاكها أسلحة نووية.
سلاح «حزب الله»
لن تغيب سوريا وسلاح حزب الله عن المفاوضات الأمريكية الإيرانية المقبلة، حتى وإن طالت بعض الشيء، في حال أرادت إدارة بايدن المضي لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ولهذا فإن الاجتماع المزمع عقده في بداية النصف الثاني من الشهر الجاري فبراير/شباط في مدينة سوتشي الروسية ستكون له تداعيات على الأوضاع في سوريا وكيفية تعاطي دول محور أستانا مع سياسة فريق بايدن في المنطقة، وسوريا على وجه الخصوص.
في عهد ترامب، عانت إيران من مشكلات داخلية كثيرة، بسبب العقوبات التي فرضها على طهران، من بينها مشاكل سياسية، من خلال صراع محوري الإصلاحيين والحرس الثوري، فكلما أدلى وزير خارجيتها ظريف والرئيس روحاني بتصريح يقربهم من جوارهم العربي، قابله قادة الحرس الثوري بعمل يناقض تصريحاتهما، بقصف منشآت سعودية على يد حليفهم اليمني جماعة الحوثي الإرهابية، وبالتالي مرجعيتهم السياسية ليست موحدة، وهذا ما يعيق أي تفاهم معهم في المستقبل. لذا فإن العرب مطالبون بتوحيد جهودهم والعمل على تعزيز نقاط قوتهم لفرض مشروع صفقة يحفظ مصالحهم ومصالح الغرب ويعيدهم إلى الواجهة من جديد
المصدر: القدس العربي