د- زكريا ملاحفجي
بطبع البشر الغفلة عمن يغيب عن العين، لهذا يبقى لزاماً علينا في كل موطن ومناسبة ولقاء وفعالية وطنية أن نذكر المعتقلين ونذكّر بهم كل العالم، كلنا يعلم أن هؤلاء تحت عذاب دائم، ليس هذا العذاب هو الاعتقال وحسب، بل صنوف القهر والإذلال والإيذاء الجسدي.
فمع وصول الأسد الأب إلى السلطة في سبعينيات القرن الماضي، لم تتوانَ الأفرع الأمنية عن اعتقال أي معارض للنظام، إذ اعتقل عشرات الآلاف من معارضيه سواء من كانوا سابقًا من أقران حافظ الأسد أو معارضي البعث أو منتقدي سلوك السلطة مع الشعب، فدوماً المصير المحتوم هو الاعتقال والتعذيب، لاسيما وأنّ النظام منذ ذلك الحين استخدم الاعتقال التعسفي والإخفاء والتعذيب والإعدام خارج نطاق القانون بشكل ممنهج، كسلاح لإسكات صوت معارضيه أو أي حراك مناهض لسياساته.
واستمرت سلطة الأفرع الأمنية وعشوائية الاعتقال والتغييب والإخفاء في عهد بشار الأسد، رغم أن الناس تأملت أن ينهج الديكتاتور الجديد يومها سلوكًا مختلفًا عن الديكتاتور القديم لكن يبدو أن الولد سر أبيه، لاسيما بعد آذار 2011، توسعت هذه العمليات لتشمل مختلف شرائح المجتمع، لقمع حركة الاحتجاجات السلمية التي شملت معظم المحافظات السورية، دون خضوع المعتقلين لتحقيقات، وأكاد أجزم أنه لا يوجد في سورية أسرة أو عشيرة إلا وفيها إما معتقل، أو شهيد أو قتيل أو مهجّر.
ويمارس النظام مختلف أنواع الانتهاكات ضد المعتقلين، من الإخفاء والاعتقال، إلى التعذيب بجميع أشكاله، وجرائم العنف الجنسي، والإعدام خارج نطاق القانون، والمحاكمات الاستثنائية بإجراءات مختصرة تفتقر إلى شروط المحاكمة فضلاً على أن تكون محاكمة عادلة.
وتقول الأمم المتحدة في تقرير رسمي إن “الاعتقال والسجن التعسفيين كانا سبباً جذريا من أسباب النزاع في سورية” مضيفة أنه “تم ارتكاب موجات من الاعتقال التعسفي مثل اعتقالات جماعية للمتظاهرين في الأيام الأولى” من النزاع، وصولا إلى “الاعتقال الجماعي للرجال والنساء والأطفال اليوم”.
اهتز العالم بأسره منذ سنوات أثناء تأمله عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين في معتقلات النظام السوري، التي سرّبها مصور لدى النظام أُطلق عليه لاحقاً اسم “قيصر”، كان مكلفاً بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل.
وانتشرت أكثر من 55 ألف صورة لقتلى داخل معتقلات نظام بشار الأسد، تبدو على جثثهم آثار التعذيب بالكهرباء والضرب المبرح، وتكسير العظام، والأمراض المختلفة، ومن بينها الجرب، إلى جانب الغرغرينا والخنق. وبين القتلى فتيان تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، ونساء وشيوخ يتجاوز عمر بعضهم 70 عاماً.!!!
إنها ليست معتقلات أو سجون إنها مسالخ بشرية في القرن الواحد والعشرين، حيث تقدم البشرية ونضجها الكبير، لكن يبدو هؤلاء القتلة لايزالون يعيشون حياة الغابة وقانون الغابة التي يحكمها “الأسد”
يجب أن يبقى موضوع المعتقلين هو الهم الحاضر دوماً، وكما يقولون في الأدب السياسي. أنه ينبغي للضعفاء أن يصرخوا كي لا ينام العالم بثقله على جراح هؤلاء.
ولهذا الكتابة والحديث عن المعتقلين وتوثيقهم وتسجيل الوفيات والإحسان إلى أسرهم هو واجب وطني وإنساني وأخلاقي وديني، لا ينبغي الغفلة عنه، فآلامهم واعتقالهم كان لأنهم قالوا للمجرمين لا، فهؤلاء هم حواريين الأنبياء الذين لم يسكتوا عن الظلم وأول من تصدوا له فكان هذا مصيرهم وغُيبوا عنّا لكن لا ينبغي أن نغيب عنهم أبداً.