أحمد مظهر سعدو
أقبل شهر رمضان المبارك، وأقبلت معه البركات والمكرمات والعبادات، وكذلك معانات السوريين في كل بقاع الدنيا، وخاصة في الداخل السوري، فالغلاء لايرحم، والمقتلة الأسدية مستمرة، والعوز المعيشي الذي أوصل السوريين على يد نظام الطغيان الطاغوتي والقتل الأسدي إلى حيث يصبح خط الفقر المدقع لدى السوريين ما يزيد عم 90 بالمئة من الشعب السوري. وهو وضع لم يعشه السوري في أي مرحلة من مراحل حيواته كلها.
ومع ذلك يبقى شهر رمضان الشهر الذي أنزل فيه القرآن، شهر الخير والمرحمة، شهر العطاء والتفاف الناس حول بعضها، ويبقى شهرًا للعمل والعبادة على أمل من الله بنصر قريب لشعب سورية العظيمة.
صحيفة إشراق التقت ببعض أهل العلم وكذلك السوريين والناشطين الذين مازالوا يشعرون بواقع أهليهم في هذا الشهر، ليتحدثوا إلينا عن فضائل الشهر ومعاناة السوريين فيه والمطلوب أيضصا.
الشيخ الأستاذ سمير صالح عالم دين إسلامي وقامة وطنية معروفة قال: ” الحمدالله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على النبي الحبيب المبعوث بدين الرحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبع منهجه العظيم إلى يوم الدين، من نعمة الله تعالى علينا أن أكرمنا بهذا الدين العظيم، دين كامل وتام، قال تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، لاشك عندنا بأن هذا الدين الذي رضيه الله لعباده في الأرض يجلب السعادة على صعيد الأفراد والمجتمعات، بل وعلى صعيد الأنظمة والدول التي تتمسك بهذا النهج العظيم، ولكن وبما أننا بشر ضعاف فإننا نقع في الكثير من الأخطاء الناجمة عن تطلعاتنا الدنيوية، فنقع في الكثير من الذنوب، فتحرقنا هذه الذنوب سائر اليوم لتأتي الصلاة فتغسل قلوبنا بنور الطاعة، وكذلك تحرقنا آمالنا الدنيوية طيلة العام ليهل علينا هلال رمضان فيطهرنا ظاهراً وباطناً، ويجدد العهد بيننا وبين الله تبارك وتعالى فيتوب المذنب ويعود الشارد إلى حظيرة الهداية والإيمان، كيف لا والله تعالى يقول: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، نعم لقد اقترب شهر رمضان المبارك، في هذه الأيام وأهلنا في الشمال السوري المحرر يجهزون قلوبهم ومساجدهم لاستقبال الضيف الكريم، كيف لا وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، كيف لا وهو شهر التخلي والتحلي، التخلي عن الشهوات والتحلي بالمكرمات كيف لا وهو شهر القيام على أعتاب الله، أما قال رسول الله ﷺ (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، شهر رمضان شهر إعلان التوبة عن كل معصية والرجوع إلى الله تعالى، شهر رمضان شهر الصلح مع الله تعالى، آه ثم آه ما أجمل الصلح مع الله، وما أجمل إشغال القلب بذكر الله، وما أجمل أن تعود بلاد الشام إلى روح الإسلام وكمال الصلة بالله فتكون بذلك قدوة لسائر لبلدان.
نعم اقترب رمضان، وأهلنا في سورية يعانون شدة البرد مع ارتفاع جنوني في أسعار السلع
والمواد الأساسية من طعام وشراب وتدفئة، وهم اليوم بأمس الحاجة أن نمد لهم يد العون، لنخرجهم من الحاجة والفاقة، ولنعينهم على الثبات والرباط في وجه أعداء الأمة.” ثم قال :” بمناسبة قدوم هلال شهر رمضان أتمنى على كل أهل بلادنا المباركة سواء في الشمال أو في الشتات أن يجعلوا هذا الشهر مميزاً بكثرة تلاوة القرآن والتفكر في معانيه العظيمة، لنعلم أن القرآن لا يقرأ للبركة فقط، إنما يقرأ لنفهم من خلاله كيف نصنع الحياة الفاضلة والدولة القوية، والمجتمع المتماسك أما سمعنا من النبي المصطفى ﷺ( المسلم للمسلم كاليدين يغسل بعضها بعضاً)، نحن جميعاً مدعوون في هذا الشهر المبارك في الشمال السوري وفي الشتات أن نعبر عن أخوتنا وتضامننا من خلال تعهد جيراننا وإخواننا بكل ما نستطيع لإغنائهم عن الطلب في هذه الأيام المباركة. وكذلك فإني أدعو كل إخواننا التجار وأصحاب النصاب من السوريين والمسلمين في كل مكان أن يعملوا جاهدين على إعانة أهلهم وتثبيتهم، لا أقول من خلال السلة الرمضانية المعتادة، بل من خلال دعم أرباب الأسر وتأمين فرص عمل، أو أدوات مهنة تغنيهم عن الحاجة في رمضان وبعد رمضان.
كما أتمنى على أهلنا في سورية أن يفعلوا في هذه الظروف فعل الأشعريين الذين امتدحهم رسول الله ﷺ بأنهم كانوا إذا أصابتهم حاجة تقاسموا طعامهم بينهم، نتمنى للشمال السوري أن يكون نموذجًا حياً عن تطلعاتنا للأمة الواحدة المتكاتفة والمتضامنة في كل شيء، كما قال رسول الله ﷺ (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، اللهم بلغنا رمضان وأنت راض عنا يا رحمن وفرج عن بلادنا ومعتقلينا في سجون الطغاة عاجلاً يا كريم.”
أما الدكتور مصطفى الحسين رئيس الجالية السورية في عينتاب فقال لاشراق:” بالنسبة للجالية السورية في شهر رمضان فنحن نجهز الضرورات، وبعد اجتماعنا مع السيد الوالي طلب من الجالية السورية أن نساعد السوريين عن طريق رجال الأعمال السوريين والمنظمات السورية الموجودة في غازي عينتاب، لذلك شكلنا لجنة في الجالية السورية وكان بالأصل لدينا (لجنة التضامن) وقمنا بتوسيع اللجنة، وقد وسعنا اللجنة كي نقوم بحملة من قبل الجالية السورية في رمضان المبارك، لمساعدة كل المحتاجين السوريين وأيضا ً في عنتاب يوم ٩ نيسان/ابريل سنقوم بإفطار ل ١٢٥ شخصية سورية من قادة الرأي والفكر ورؤساء المؤسسات الرسمية التركية الوالي ونواب الوالي وإدارة الهجرة والبلدية والعدد سيكون مع الإخوة الأتراك والسوريين ١٥٠ .
وأيضًا نريد أن نتعاون مع البلدية الكبيرى لمساعدة السورييين عن طريق إعطائهم سلل غذائية وتوزيع وجبات رمضانية إلى بيوت الايتام والمحتاجين.”
من جهته فقد قال السيد يوسف الغوش الناشط السوري في الشمال ” يعتبر السوريون المسلمون شهر رمضان الأكثر تميزًا عندهم فهو شهر التقرب إلى الله بالصيام والقيام والصدقات وترك المنكرات وفيه تزداد أواصر المحبة وصلة القربى وفيه طقوس وعادات محببة، وفي أواسط شهر آذار/مارس المنصرم كان قد مضى على الحرب التي شنها النظام الأسدي الإجرامي على ثورة السوريين أحد عشر عامًا وقد حدثت خلالها تغييرات كارثية كبيرة على السكان المنكوبين. سواء من بقي تحت سيطرة النظام أو من تهجر نحو الشمال السوري وإلى بلاد المهجر، وما رافق ذلك من انقسام للعائلات ودمار اقتصادي وقلة في فرص العمل وتضاؤل للمساعدات ليزداد أعداد الفقراء والمعوزين والمتسربين من المدارس. ومع غياب الحل السياسي يقبل الشهر الكريم هذا العام إلى الشمال السوري محملًا بأثقال الحرب يضاف إليها تأثيرات جائحة كورونا والعدوان الروسي على أوكرانيا لتظل التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السلبية سمة المشهد في الشمال والسوري بشكل عام..ومالم يمسك السوريين الثائرين مصيرهم بأيديهم ويستعيدوا ثقة الحاضن الشعبي ويمأسسوا قواهم السياسية والعسكرية والحكومية ويقيموا العدل ويعززوا الحريات ويقيموا العلاقات الجيدة والندية مع الدول الصديقة فإن الأحوال ذاهبة للاحتمالات الأكثر سوءً بكل أسف.”
أما الناشط في الداخل السوري/ مدينة أريحا السيد رائد زين قال” أيام ويحل شهر رمضان بوقعه الخاص على الأمة جميعًا وبوقعٍ مميز وفريد في سورية وخاصة شمالها المحرر .المساجد تُجهز من تنظيف ودهان وصيانة، والبرامج توضع للدروس وقراءة القرآن والاعتكاف والمسابقات وغيرها، والبسمة ظاهرة على وجوه الجميع يحاول الكل إظهارها حتى لو لم يملكوا مقوماتها، فصعوبة الظروف الاقتصادية تجعل من الصعب التغلب عليها بالبسمة، وموجة الغلاء الأخيرة اللامعقولة تجعل الناس حيرانين كيف يواجهونها.
موجات كورونا والصراع الاقتصادي الدولي و الحرب الروسية الأوكرانية كلها زادت في الطنبور نغمًا وأدت إلى ارتفاع أسعار كل ما هو مستورد ثم يأتي جشع التجار واحتكارهم لزيادة أسعار المنتجات الغذائية المحلية، كل هذا جعل الناس يمشون سكارى وما هم بسكارى، حيرى كيف يؤمنون ثمن طعام كل يوم بيومه. كثيرًا ما أجد في محلات السمانة أحد أرباب الأسر يشتري ٢٠٠غ سكر و٥٠غ شاي ونصف كيلو رز وقليل من السمن ليطبخ وجبة اليوم لأسرته، فوضعه المادي لا يسمح له بشراء حاجة يومين معًا. كل ذلك وليس في يد المواطنين سلاح يواجهون به هذا الحال سوى الصبر واللجوء إلى الله تعالى كي يرفع عنهم الغلاء وفقر الحال، فالنسبة الغالبة من الناس لن يستطيعوا تأمين قوتهم في رمضان بدون مساعدة من قريب مغترب أو منظمة خيرية. يخفف من غلواء الأزمة تراحم الناس فيما بينهم بما يتناسب مع أخلاق ديننا وتعاليمه في رمضان”.
المصدر: اشراق