ضياء عودة
أثار تحقيق “مجزرة التضامن” الذي نشرته صحيفة “الغارديان” أصداءً واسعة بين أوساط السوريين، وبينما تفاعل الكثيرون بصدمة وعجز مع هول المشاهد التي احتواها، أبدوا شعورا بـ”الخذلان”، مستبعدين أن “يتحرك” المجتمع الدولي لوقف انتهاكات نظام الأسد، أو حتى محاسبته عما فعله خلال 11 عاما.
وذلك الشعور بات سائدا لدى الكثيرين منهم، وارتبط بشكل أساسي بطريقة تعاطي المجتمع الدولي مع ملفات الانتهاك الكثيرة التي قدمت له موثّقة بالصور والشهادات، أولا “صور قيصر” الشهيرة، ومن ثم التوثيقات المتعلقة بقصف الغازات السامة على مناطق متفرقة في سوريا، وقصف البراميل المتفجرة.
وتعتبر مجزرة التضامن التي حصلت في 2013، وكشفها تحقيق الغارديان بالصور وأسماء ووجوه الجناة آخر التوثيقات المتعلقة بالانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام السوري ضد المناهضين للأسد في سوريا.
ورغم أنها ليست الأولى من نوعها، إلا أن الآلية التي سردت تفاصيلها توقف عندها الكثير من الحقوقيين، بداية من مشاهدها الصادمة ذات الدقة العالية وطريقة وصولها إلى معدي التحقيق في أوروبا، ومن ثم طريقة التواصل مع مرتكبي الفعل، واستجوابهم للاعتراف بطريقة غير مباشرة.
“هل تُنسى؟”
وقد شكّل “الخذلان” الذي يعبّر عنه سوريون مناهضون للنظام السوري منذ سنوات حالةً باتت تقلل من أثر أي انتهاك يكشف عنه، سواء على المستوى السياسي أو القضائي، والذي بات ينحصر بشكل أساسي في دول أوروبية، كألمانيا وغيرها.
وانتشرت الكثير من التعليقات، في اليومين الماضيين، وأشارت في معظمها إلى أن “مجزرة التضامن لن تسفر عن أي تحرك”، وستكون كسابقاتها من الانتهاكات الموثقّة دوليا. بمعنى أنها ستبقى حبرا على ورق، أو كتسجيلات مصورة من “ذاكرة جرائم الأسد”.
وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وهي جهة حقوقية سورية قد وثقت الكثير من هذه الانتهاكات والجرائم، على مدى السنوات الماضية، حتى أنها باتت مرجعا لعدد من منظمات حقوق الإنسان الدولية.
وبينما يتفهم مديرها فضل عبد الغني أن هناك شعورا عاما بالخذلان، و”أننا عملنا على أكثر من موضوع ولم يأت بنتيجة”، سواء “صور قيصر” أو الأسلحة الكيماوية وحالات الإخفاء القسري، إلا أنه يرفض التوجه للقول: “إن وجود الشيء مثل عدمه”.
ويوضح عبد الغني ذلك في حديث لموقع “الحرة”: “لا نريد أن نصل إلى العدمية السياسية والعدمية غير الفاعلية. تحقيق مجزرة التضامن على مستوى عالٍ من الأهمية، وسيقدم الكثير من الأمور”.
ويرى الحقوقي السوري أن “المستوى السياسي لتحقيق مجزرة التضامن أهم من المستوى القضائي”، معتبرا أن مسار القضاء محدود، وعبر الولاية القضائية العالمية.
في المقابل فهو “غير قادر على محاسبة الشخص أمجد يوسف. هو عنصر سخيف في ترتيب النظام وهناك أناس أشد منه إجراما. محاسبة عنصر واحد لا يقدم أي شيء”، وفق ذات المتحدث.
هل من قيمة مضافة؟
وبحسب ما أورد تحقيق الصحيفة البريطانية الذي أعده الباحثان أنصار شحّود وأوغور أوميت أونجور، العاملان في “مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية” في جامعة أمستردام فإن المنفذ الرئيسي للمجزرة في حي التضامن عام 2013 هو العنصر في مخابرات النظام “أمجد يوسف”.
وكان يوسف يشغل بعد عام 2011 منصف صف ضابط “مُحقِّق”، في فرع المنطقة أو الفرع 227، وهو فرع تابع للأمن العسكري “شعبة المخابرات العسكرية”.
وأظهر تسجيل مصور استعرضته “الغارديان” كيف كان “يوسف” يقتاد مع شخص آخر أناسا معصوبي العينين ومكبلي اليدين إلى شفا حفرة، ومن ثم يدفعهم إليها ويطلق النيران على رؤوسهم وأجسادهم.
وتحدث مدير مركز العدالة والمساءلة الحقوقي ومقره واشنطن، محمد العبد الله، أنه وبعد قراءة تحقيق الغارديان “نستطيع أن نلاحظ أن الجاني أو الفاعل لا يزال داخل سوريا. أي هو شخص لا يوجد ضمن مدى يد العدالة حتى تطاله. ليس في أوروبا أو في دولة ستحاكمه بعدما فضحت هويته”.
ويقول العبد الله، في حديث لموقع “الحرة”، : “لذلك ومع كل تقدير لمخاطرة المصدر بنفسه لإخراج الفيديو هناك تساؤل عن جدوى نشر الفيديو نفسه من زاوية العدالة؟”.
ومن ناحية أولى فإن الفاعل وبعد انتشار التسجيل على نطاق واسع “سيعرف بأنه بات معروفا ولن يغادر سوريا، وعلى الأغلب سيخضع للتصفية لإخفاء الأدلة ودفن آثار الجريمة”.
ويضيف العبد الله: “ثانيا ليس هناك فاعلين آخرين في أوروبا لتطالهم يد العدالة”، بمعنى وجود أشخاص على ارتباط معه في جريمة الحرب التي ارتكبها.
ويعتبر الحقوقي السوري أن “الجهود كبيرة لفضح هذا الانتهاك”، بينما يرغب بـ”تأطير ما حصل ضمن جهود المناصرة، بأن النظام السوري ارتكب جرائم لا نعرفها وهناك المزيد من الجرائم التي لم نسمع بها. فقط لأن مصادرها لم تنشرها ولم تخرج للعلن، وهذا ما يؤكد على ضرورة البحث عن المعتقلين والمفقودين”.
“مفعول سياسي”
في غضون ذلك، يؤكد مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، على فكرة الأثر السياسي للتحقيق، والذي استمر العمل عليه قرابة 3 سنوات.
يقول عبد الغني: “الذي يقدمه أكثر هو سياسي. أي نفض اليد من النظام السوري البربري ذو التصرفات السادية. مفعوله السياسي هام، ويجب أن يتم الدفع في هذا الاتجاه، أولا بعدم التصالح مع النظام، وعدم الجدوى من بقائه في العصر الحالي”.
ويضيف الحقوقي السوري أن الكشف عن “مجزرة التضامن” ستشكل أيضا “إحراجا سياسيا لأي يد تمد لمصافحة رأس النظام بشار الأسد وهو الذي يقود الجيش والقوات المسلحة التي تضم الأجهزة الأمنية”.
“التحقيق أخذ زخما كبيرا ويستحقه، لأنه كشف هوية المجرم، وحصل على إدانة منه”.
من جانبه، يشير العبد الله إلى أن قسم من الضحايا الذين ظهروا في تسجيل “الغارديان” هم ليسوا معتقلين، بل أناس مدنيون تم اعتقالهم على حاجز. “ما يزالون بملابسهم النظيفة وليس عليهم آثار تعذيب أو هزال”.
ويضيف: “نحن نتحدث هنا عن إعدام ميداني واعتقال على حاجز، وبالتالي من المهم العمل على محاولة الكشف عن مصير المفقودين والمعتقلين. لا تزال الكثير من العائلات تبحث عنهم وتدفع الأموال للكشف عن مصيرهم”.
“دور كنوز المعلومات”
وتتّبع الجهات الحقوقية في سوريا والأخرى التي تعمل على نطاق دولي آليات عدة لتوثيق الانتهاكات أو الكشف عنها، وإثبات الأطراف الضالعة بها.
وكان لـ”المصدر السري” أو كما يعرفه حقوقيون بـ”كنز المعلومات” دورا كبيرا في توثيق سلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها النظام السوري.
وذلك ما تقمصته أولا شخصية “قيصر” الضابط السوري المنشق الذي سرب آلاف الصور لجثث معتقلين في سجون نظام الأسد.
أما اليوم فقد انعكس ذات المشهد على العنصر الذي صدم بتسجيل “مجزرة التضامن” على إحدى الحواسيب التابعة لفرع المخابرات العسكرية، ما دفعه لسحبه وتسريبه إلى أيدي نشطاء في أوروبا.
ويقول مدير مركز العدالة والمساءلة إن “حالة قيصر كانت متقدمة ومبكرة. كان هناك فرصة لإيقاف النظام عن الانتهاكات، لكن اليوم نحن نتحدث عن انتهاكات حصلت قبل ثماني سنوات”.
ولا يعتبر العبد الله ذلك “تقليلا من قيمة التوثيق، بقدر ما يجب وضع الأمور في سياقها حول المنشقين والمصادر الداخلية”.
ويضيف العبد الله: “هو أمر مفيد لفهم الحالة في سوريا، ولمحاولة التصرف بأفضل طريقة حول المصادر والفيديوهات التي يقدمونها”، مشيرا إلى أن “هناك أزمة داخلية داخل النظام ووضع اقتصادي متفاقم وحالة يأس، وفقدان أمل بأن الوضع لن يعود للسابق، كما أن هناك رغبة من الخلاص والنجاة ومغادرة سوريا للخارج”.
ويتابع أن “معظم الشهود الداخليين وأصحاب المصادر الذين يسربون المعلومات وهم أسرار وكنوز بالمعلومات يتعاملون مع المعلومات على أنها فيزا خروج للمغادرة خارج سوريا، من أجل حماية أنفسهم ولحماية عائلاتهم والحصول على عيشة كريمة بعدما ضاقت سبل العيش”.
وتحدث عن أنه يجب التعاطي بـ”مهنية وأخلاقية مع المواد الخاصة بهم، وعدم نشرها للعلن فقط، لكي تستقطب جمهورا وتحصد قراءات. يجب البحث عن القيمة المضافة لنشر المعلومات”.
“المبادرة من الشهود”
من جهته، يرى الحقوقي السوري، فضل عبد الغني، أن موضوع الشهود والمصادر السرية “طويل وكبير”، موضحا أن الأمر لا يتم بصورة سهلة، بل يخضع لعمليات فحص وتدقيق للروايات واختبار. وهذه من مهمة المؤسسات الحقوقية.
أما الحقوقي السوري، محمد العبد الله، فلا يعتقد أن التحرك بخصوص “الشهود وكنوز المعلومات” يتم من جانب منظمات حقوق الإنسان، بل العملية تكون كمبادرة من الطرف الأول.
ورغم وجود “جهود لمنظمات حقوقية من أجل تأمين المنشقين وإخراجهم والحفاظ على المواد ومشاركتها مع مدعين عامين واستخدامها في محاكمات، كما استخدمت صور قيصر في كوبلنز”.
إلا أن العبد الله يضيف: “المبادرة تأتي من طرف الشهود الداخليين الذين يتعاملون مع هذه المواد كفيزا خروج خارج سوريا. وهنا يفرض علينا التروي والتمهل والتعاطي مع الموضوع بأخلاقية ومهنية. كيف نتعاطى مع هؤلاء؟ هل هم متورطون؟ هل يحصلون على نوع من الحصانة؟ كيف نؤمن لهم مغادرة؟. هذه أسئلة مشروعة ومحقة”.
تأكيد أميركي على محاسبة النظام
وكان متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قال لموقع “الحرة” إن الولايات المتحدة ملتزمة “بمحاسبة النظام السوري على الفضائع التي ارتكبها بحق شعبه”.
وفي رد على تحقيق الغارديان، قال المتحدث، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن الوزارة تثني على “جهود أولئك الذين يعملون لتقديم الأسد ونظامه إلى العدالة.. وغالبا ما يعرضون حياتهم للخطر”.
وأوضح أن “النظام السوري مسؤول عن موت ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين، وتشريد أكثر من نصف سكان البلاد، إضافة لاستمرار الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري لأكثر من 130 ألف رجل وامرأة وطفل”.
وقال إنه “من دون المساءلة لا يمكن أن يكون هناك حل دائم للصراع. نحن نؤيد الدور الهام للجنة التحقيق والآلية الدولية المحايدة والمستقلة، كما نرحب بالجهود المستمرة التي تبذلها المحاكم الوطنية للتحقيق والملاحقة القضائية في الجرائم الواقعة ضمن اختصاصها والمرتكبة في سوريا”.
المصدر: الحرة. نت