أحمد مظهر سعدو
أعلنت الحكومة التركية مؤخرًا عن مشروعها بالعودة الطوعية لنحو مليون من السوريين المهجرين إلى أراضي تركيا منذ آذار/ مارس 2011. حيث يصل عديد السوريين اليوم في تركيا ماينوف عن ثلاثة ملايين وستمائة ألف سوري مهجر قسريًا. هذا الإوعلان الذي يأتي في هذه الأثناء وفي سياق البازار الانتخابي الكبير الذي بدأ مبكرًا في تركيا، وقبل سنة ونيف من الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية عام 2023 يؤشر إلى أزمة بنيانية كبرى تتمظهر بين الفينة والأخرى في سياق برامج انتخابية للمعارضة التركية، حيث لاهم لها سوى المزيد من تأجيج العنصرية ضد السوريين، وتوجيه الانتقاد نحو الحكومة عبر خاصرتها الرخوة، وهي تواجد هذا الكم الكبير من اللاجئين السوريين لديها.
ويبدو أن خطة إعادة مليون سوري هي قرارات جدية لكن مع ذلك تؤكد الحكومة على أنها لن تكون إلا طوعية، وعلى أسس تحترم إنسانية اللاجيء بدون إجباره على عودة قد لا تكون آمنة. وهذه الخطة تعتمد على ثماني مراحل باتجاه اعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، حيث تبدأ العودة الطوعية من المدن الكبرى المكتظة بالسوريين، مثل غازي عينتاب أنقرة واسطنبول وقونية وأضنة. كما تتم العودة إلى مناطق تضمن الاستقرار العسكري والسياسي والأمني.
كل ذلك يجري بتنسيق من “AFAD”، و 12 منظمة مجتمع مدني. وستكون هناك مناطق تجارية ومناطق صناعية صغيرة ومتاجر وأسواق. مع بناء المدارس والمستشفيات والمساجد.
كذلك تقديم دورات مهنية لتعليم الحرف، وتقديم قروض صغيرة. والتركيز على الأنشطة التعليمية، وإعادة التأهيل. بالإضافة إلى طلب الدعم من الصناديق الوطنية والدولية، مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
هذه المسألة تشغل بال السوريين كافة، ويتخوف اللاجيء السوري الموجود على الأراضي التركية من عودة غير آمنة وإجبارية في لحظة زمنية ما، لذلك فقد توجهت (الحل نت) إلى بعض المهتمين من السوريين بهذه القضية وسألتهم كيف يرون هذا المشروع ؟وهل يمكن أن ينجح؟ وما آلياته؟ وهل يدخل في سياق البازار السياسي ماقبل الانتخابات؟ . وكيف يمكن النظر إلى ايجابياته وسلبياته بالنسبة للسوريين والأتراك على حد سواء.؟
الأكاديمي والباحث الدكتور عبد القادر نعناع قال : ” هناك إشكاليات كثيرة في هذا الطرح، فأولاً هناك إشكالية مفاهيمية، من خلال إكراه السوريين على العودة بطرق عدة، أحدثها ما يسمى “العودة الطوعية”، المتمثلة بتضييق المجال التركي أمامهم، وإيقاف أوراقهم القانونية وملاحقتهم في أعمالهم ومنازلهم، وصولاً إلى تعريض حياتهم ومصالحهم للخطر بشكل مستمر، ثم الإكراه القسري على العودة، هذه ليست عملية طوعية البتة، من حيث المفهوم. ثم إن العودة الطوعية تكون عودة إلى الوطن الأم بعد حدوث استقرار سياسي فيه، أو خلق مبادرات دولية وعملية سياسية متكاملة، أما عملية بناء مجمعات اسمنتية على عجل، أشبه بالمعتقلات، هي عملية نقل السكان إلى مخيمات من نوع جديد، ووضعهم تحت سلطة غير شرعية، وليست سلطة محلية شرعية نابعة من عملية سياسية.” ثم قال ” هي بالتأكيد عملية بالغة الضرر على ملايين السوريين، وفي حال تنفيذها، ستقود إلى اضطرابات اجتماعية جديدة، قد توصل إلى مرحلة انفجارات اجتماعية أمنية واقتصادية وسياسية داخل تلك التجمعات السكنية الجديدة، ستطال الجانب التركي حتماً، المتحكم بإدارة تلك المناطق. عدا عن أن هذه العملية، هي بالأساس مصممة للتخلص من أكبر قدر من السوريين المقيمين في تركيا، عوضاً عن السعي لإيجاد قوانين ناظمة لهذا الوجود وحامية له، هي عملية مناكفة سياسية، لم تقدم عليها الحكومة التركية، إلا عندما أدركت أنها في موقف بالغ الحرج انتخابياً، ونتيجة إخفاقات اقتصادية لم تستطع معالجتها إلا من خلال تحميلها إلى السوريين.” وأضاف” السوريون في تركيا، هم مصدر دخل كبير لتركيا، على عدة مستويات، سواء من خلال الدعم الدولي للحكومة التركية كونها تستضيف السوريين، أو عبر استثمارات السوريين الخاصة، أو كونهم عمالة رخيصة للغاية تقلل من تكاليف الإنتاج التركي، أو نتيجة المنح الأوروبية والعربية التي تصل إليهم، أو نتيجة التمويلات السياسية التي تتدفق على المؤسسات السورية، أو نتيجة الحوالات العائلية الداعمة لوجود أقاربهم في تركيا، أو نتيجة استثمارات عربية أتت بالأساس لتواكب الحضور السوري في تركيا. وتعلم الحكومة التركية ذلك جيداً، لكنها في مفاضلة صعبة بين الانتخابات وبين المنافع الاقتصادية، لذا تفضل كسب الانتخابات عبر المدخل السوري، ولو كان هذا المكسب غير إنساني وغير نفعي اقتصادياً.
كان بإمكان الحكومة عبر عقد من الزمن، صياغة قوانين ناظمة للوجود السوري، تمنع استغلالهم كورقة انتخابية ضاغطة، لكنها فضلت استخدامهم هي بدورها في ذلك، ما دفعها إلى مثل هذه الطروحات اليوم. هذا يؤثر سلباً على كل السوريين في تركيا، حيث أنه يخلق حالة عامة من الإحساس بالقلق من عدم الاستقرار النفسي والمادي، ويخلق اضطرابات نفسية تدفعهم للبحث عن مخارج نحو هجرة غير شرعية مهما كانت تكلفتها، عدا عن أنه يجعلهم في حالة قلق دائم من تعرضهم للاعتداء، وخوفهم من فقدان ممتلكاتهم التي عملوا على بنائها خلال عقد من الزمن.
العودة الطوعية، هي تلك التي تكون نتيجة عملية سياسية تقود إلى حل لأزمة مستعصية، تضمن أمن وسلامة الجميع، ونقل جميع ممتلكاتهم، وعودتهم إلى منازلهم التي خرجوا منها، والعيش في ظل سلطة شرعية تمثلهم هم وحدهم، وبضمانات أمنية حقيقية، وليست أبداً ما يتم تروجيه من طرف واحد إكراهاً، ودون أية ضمانات.”
الصيدلاني الدكتور مصطفى الحسين رئيس الجالة السورية في غازي عينتاب التركية قال: ” مشروع العودة الطوعية هو أمر واقع لأنه تم التأكيد والإقرار به من قبل الرئيس أردوغان بالذات أي من أعلى الهرم. وقد أكد ذلك وزير الداخلية سليمان صويلو أنهم سينفذون تعليمات الرئيس فيما يخص العودة الطوعية. ونقول طوعية لأن عكس ذلك سيكون مخالفًا للقانون الدولي، أي العودة القسرية، وهذا ما لاتريده الحكومة التركية.” ثم أكد الحسين بقوله” يمكن أن ينجح في حال استتباب الأمن بالدرجة الأولى في مناطق شمال سورية وتأمين منازل نظامية تتمع بكل مواصفات العيش الكريم، لا منازل الطوب كما نسمع، وتأمين مصادر العيش أي تأمين العمل لمن يعود طوعيأ وإنعاش التجارة هناك، وفتح المعابر والترانزيت مابين كل الدول والمناطق الآمنة عن طريق تركيا. ولكن إذا نظرنا سياسيًا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ماذا سيكون البرنامج الانتخابي للأحزاب السياسية المعارضة لولا السوريين؟ لذلك يمكن القول إن مشروع العودة والترويج له جاء من قبل كل الأحزاب الحاكمة والمعارضة في سياق البازار السياسي، فحزب العدالة والتنمية لا يريد أن يخسر مزيدًا من الأصوات، وبالمقابل تريد الأحزاب السياسية المعارضة كسب المزيد من الأصوات الانتخابية. ولكن بشكل عام فإن ترحيل السوريين طوعًا أو كرهًا يعتبر خسارة كبيرة لتركيا اقتصاديًا واجتماعيًا.”
من جهته فقد أكد السيد علاء الدين حسو الإعلامي والروائي السوري أنه ” مشروع قديم، ولكن تم الإسراع به نتيجة التطورات في المنطقة، وأيضًا بسبب اقتراب موعد الانتخابات والتحرك الخارجي والداخلي لبث الفوضى في تركيا.” ثم قال ” تعاني تركيا من ضغط كبير بسبب كونها منطقة عبور لأوروبا. فهي مركز جذب للأفغان والأفارقة والباكستان أيضًا. عدا عن الشعوب العربية من سورية والعراق واليمن.” ثم أكد أن ” المنازل التي يتم بناؤها ستخصص لمن يعود طواعية لفترة زمنية مؤقتة تمتد من خمس إلى عشر سنوات، وهذا المشروع لن يتم في ليلة وضحاها. ويجب أن يحقق شروط الحياة كاملة من بنية تحتية وعمل وتعليم ورفاهية وهذا ما أشار إليه وزير الداخلية التركي. الأمر معقد ومركب. الحكومة التركية على لسان وزير داخليتها توضح أن ثمة حركة كبيرة تعد للتحريض على اللاجئين بدعم خارجي. وأشار إلى أنه كان مقررًا قبل عامين، وتم تأجليه لهذا الصيف، حيث هناك خشية من زعزعة الاستقرار في تركيا عشية الانتخابات. ” وأضاف” من هنا نفهم بأنها ورقة سياسية تحاول الجهات المعارضة العزف عليها. وأشار الوزير أيضًا في حديثه بأن الحسابات الوهمية التي تقوم بتأليب الناس تجاوزت ال٥٦ بالمئة. ” ثم انتهى حسو إلى القول” أرى الأمر مقلق ومتعب، وثمة ضبابية كبيرة، والمنطقة المقترحة ما زالت تعاني تحديات على كافة الصعد أهمها الأمن والتعليم والمعيشية. ولكن من جهة أخرى أجد ارتياحًا لتفهم الحكومة للوضع في سورية، وهذا ما لمسته من حديث وزير الداخلية بأنه لن تتم الإعادة دون إزالة هذه العوائق. ومهما كان الأمر لن يكتمل كله، ويدخل حسب رأيي في باب إدارة الأزمة. فلا حل جذري يلوح في الأفق طالما النظام السوري يتابع حياته وهو يمتص دماء الشعب السوري ويتسلى بهم ويستمتع بقهرهم وسط صمت العالم.”
الكاتب السوري عبد الباسط حمودة له رأي مختلف حيث قال” أمام تحمل تركيا للعبء الأكبر من اللاجئين السوريين الذين وصلت أعدادهم ما يقرب من الأربعة ملايين حسب الاحصائيات الرسمية حصل حوالي ربع مليون منهم على الجنسية التركية، حيث لهم مساهمتهم في الاقتصاد التركي بنشاطات تجارية واستثمارية عديدة، إضافة لعمل قسم كبير منهم في مجالات مختلفة لدى مؤسسات وشركات تركية، فإنه لم يمنع الهستيريا والبازار السياسي الذي تستثمره بعض قوى المعارضة التركية لمحاولة تأليب الرأي العام التركي وتغيير دفته مستغلين هذه الورقة إضافة للتغيرات الاقتصادية الخطيرة التي يتعرض لها الواقع الاجتماعي التركي متأثراً بالضغوطات الخارجية سعياً للإفادة من عقابيل الغزو الروسي لأوكرانيا وما سببه من أزمات اقتصادية للمنطقة ومنعكسات ذلك على تركيا. وكما في كل انتخابات تستخدم المعارضة التركية ملف اللاجئين السوريين كورقة ضغط على حزب العدالة والتنمية للحد من تطلعاته القادمة، الأمر الذي دفع الحكومة لسحب هذا الملف من يد المعارضة بعدد من الخطوات ومنها ما سمي بالعودة الطوعية، والذي لا يعدو كونه استمرارًا لخطوات بدأتها الحكومة منذ عدة سنوات بالتمهيد لتوزيع عدد كبير من المنازل للعائلات التي ستعود للداخل السوري.” ثم قال ” التحول الأخير بالموقف التركي ترافق مع خطوات من المنظومة الدولية والعربية بشكل ضغوط أدت لشيوع روح جديدة للتطبيع العلني مع النظام السوري من قبل دول عربية عديدة ناهيكم عن العلاقات غير المعلنة للكثير من هذه الدول، وبهدف التخفيف من آثار تلك الخطوات على الداخل التركي ترافقت مع العديد من اللقاءات والزيارات للرئاسة والحكومة التركية بهدف الدعم الاقتصادي وسحب الكثير من الملفات من أيدٍ تعبث بها خاصة ملف اللاجئين السوريين، الذي بات يرتبط بمحددات داخلية، إذ تحولت قضية السوريين لشأن داخلي بحت، والأمر لا يمكن فصله عن سياق دولي، خاصة مع عملية إصلاح شاملة بدأتها تركيا مع عدة دول إقليمية. ولا يستطيع المرء إنكار المنعكسات السلبية على أوساط السوريين نتيجة ذلك من خلال تعليقاتهم ومخاوفهم حيال العودة الطوعية المترافقة بعدم ضمان الأمان مهما كان دور المنظمات الدولية والاقليمية في ذلك دون تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بقضايا السوريين اللاجئين والمهجرين والمبعدين وعلى رأسها الانتقال السياسي والمحاسبة العادلة بإشراف دولي، لأنه دون ذلك لا وجود لأمن أو أمان مع نظامٍ شاهد العالم ممارساته وسلوكه طيلة السنوات الـ11 على انطلاق ثورته ناهيكم عن ممارساته لخمسة عقود سبقت”.
المصدر: موقع الحل نت