محمد عمر كرداس
بدأ عهده بالاعتقال، فقبل إذاعة بيان حركته التي سماها ب “الحركة التصحيحية” كان قد استكمل اعتقال رفاقه في القيادة الحزبية السابقة الذين حاولوا إقالته كوزير للدفاع ومسؤول عما جرى في 5 حزيران/يونيو 1967 من خلال مؤتمر حزبي، فما كان منه إلاّ أن عزل تلك القيادة وألقى بأفرادها في سجن المزة العسكري لمدة تجاوزت ربع قرن حيث مات بعضهم بالسجن والبعض الآخر أصيب بمرض عضال ورفض كل الوساطات الدولية والعربية للافراج عنهم، توجه الانقلابي الجديد بعد بيانه الذي أسماه “بيان القيادة القطرية المؤقتة” إلى الشعب واعدًا إياه بالقضاء على العقلية المناورة التي تحكمت بالبلد منذ 23 شباط/فبراير 1966 ومبشرًا بالانفتاح على الشعب وقواه الوطنية ليكون الحكم عن طريق جبهة وطنية تضم كل القوى الوطنية والتقدمية، والحقيقة استبشرت الناس بهذا الطرح بعد معاناتها مع القيادة السابقة المزاودة، وقبلت العديد من القوى السياسية التي كانت محظورة ببيان القيادة ووعدت بالتعاون من النظام الجديد ضمن جبهة للقوى بأمل الانفراج الداخلي والعمل على إزالة آثار العدوان الإسرائيلي.
شكل حافظ أسد وزارته وضم إليها عدد من الوزراء المنتمين إلى القوى والأحزاب التي قبلت التعاون معه في إطار جبهة وطنية تقدمية تقود البلاد في المرحلة القادمة كما شكل مجلس شعب ضم أيضًا ممثلين عن تلك القوى مهمته كتابة دستور دائم للبلاد، وقام باتصالات مع السادات حاكم مصر والقذافي حاكم ليبيا وتم الاتفاق معهما على إقامة اتحاد ثلاثي تحت اسم اتحاد الجمهوريات العربية ثم ترشح لرئاسة الجمهورية وتم الاستفتاء على رئاسته وعلى اتحاد الجمهوريات العربية في أول أيلول/سبتمبر عام 1971 وطبعًا فاز فوزًا ساحقًا وأصبح من يومها رئيسًا للجمهورية العربية السورية وحتى وفاته في العاشر من حزيران/يونيو عام 2000.
بدأت التراجعات عن الوعود مبكرًا بحجة أن الحزب الحاكم يلزمه وقت ليتلائم مع مايجري وطبعًا كان ذلك مناورة مكشوفة فالحزب منذ بداية الحكم باسمه لايملك من أمره إلا القليل والأمر كله بيد القائد الذي أصبح (قائد المسيرة والقائد الرمز والقائد إلى الأبد) وحتى بعد موته بقي قائدًا وأصبح اسمه القائد الخالد.
بدأ الحكم ينحو منحى أمنيًا وعسكريًا مع ازدياد الاعتراضات الشعبية على سلوكه في كثير من المواقع وفرض ميثاق جبهة وطنية تقدمية على مقاسه بنص غريب في التعامل بين القوى إذ نص الميثاق على أن : حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع ويقود جبهة وطنية تقدمية وكرس ذلك في الدستور حيث رفضت بعض القوى هذه النصوص وانسحبت من الحكومة ومجلس الشعب وكافة المؤسسات الحاكمة وتجلى ذلك في موقف حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي بتجميد وضعه في الجبهة ثم قرر الانسحاب كليًا في مؤتمره السادس في صيف 1973.
جاءت 6حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973 ليسميها حرب تشرين التحريرية مع أن سورية في هذه الحرب خسرت أراضي جديدة بدل أن تسترد أراضيها المحتلة ووصل العدو إلى مشارف دمشق لولا تدخل الجيش العراقي للإنقاذ، فجيشنا فرغه النظام من كل عناصره القيادية والمحترفة والكفوءة بحجج مختلفة على رأسها عدم الولاء فالنظام أراد جيشصا مواليًا لا جيشًا محترفًا، وبعد توقف القتال وقع النظام والعدو الإسرائيلي المحتل اتفاق فصل القوات برعاية أميركية وبقي إلى اليوم ملتزمًا به التزامًا كاملاً.
جاء بعد ذلك عهد الانفتاح على دول الخليج والتنعم بأموال النفط التي كانت حكرًا على المحاسيب والمقربين لتصبح بعدها محصورة بالعائلة وفروعها فقط وليصبح الاقتصاد في سورية الغنية والمزدهرة بيد طغمة عائلية عسكرية وفئوية ولتزداد معاناة الناس وهم يرون أهل السلطة ببذخهم وترفهم وسفههم الاستهلاكي وهم محرومون لتزداد النقمة وليزيد الاحتقان الذي انفجر بعد ذلك بمظاهر الغضب في حماة وحلب وإدلب وغيرها من البلدات لتمتد إلى النقابات المهنية من أطباء ومهندسين ومحامين ومثقفين معارضين التي عقدت اجتماعات في دمشق دعمت فيه الاحتجاج الشعبي وشرحت النسيج الاستبدادي والفئوي للنظام وطغمته الاقتصادية والعسكرية، وسرعان مابطش النظام بآلته القمعية بالجميع وجعل من مدينة حماة وحلب وجسر الشغور نموذجًا ليرى الجميع كيف سيكون حكم العائلة الطائفية الفاسدة والطائفة منه براء.أصبح القتل على الهوية فقتل أكثر من أربعين ألف واعتقل واختفى أكثر منهم وإلى الآن لايعرف مصير الكثير منهم وهدمت مدن وأحياء وصودرت ممتلكات دون رادع من قانون ولتعم محاكم الميدان التي تستغرق ثوان ويتباهى المأفون مصطفى طلاس بمذكراته أنه مفوض بتصديق أحكام الإعدام من حافظ أسد وأنه كان يوقع أكثر من 150 حكمًا بالإعدام أسبوعيًا ولترتكب المجازر في السجون مثل الذي جرى في سجن تدمر وبعدها صيدنايا. ليقول النظام للشعب هكذا سنحكم من يتجرأ علينا يقتل هو وعائلته ومن يعارض حتى بالكلام فمصيره السجون الأبدية وهذا مايطبق اليوم تحقيقًا لذلك النهج القديم الحديث.
هذا عن الداخل فكيف تصرف حافظ أسد بالقضايا العربية والدولية، إنه بحث يطول ولكن سنقول باختصار: دخل لبنان عام 1976 بضوء أخضر أميركي _ إسرائيلي وعاث في البلد فسادًا ونهبًا وقتلا وتهجيرًا لمدة ثلاثين عامًا وهدفه الرئيسي منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ليهيئ المسرح بعد ذلك للميليشيات الطائفية الإيرانية التحكم بالبلد إلى الآن وبذلك كان منفذًا أمينًا لماتريده أميركا وإسرائيل.
في العراق بوابة الأمة في مواجهة أخطر عدو وقف مع هذا العدو بمواجهة الأمة العربية كلها ضد العراق وساعده في ذلك نظام أرعن غرور، فأغلق الحدود وزود العدو بالسلاح والدعم اللوجستي طوال هذه الحرب وعندما انتهت الحرب وتهور النظام العراقي بغزو الكويت واحتلالها حارب العراق تحت قيادة الأميركان بدل ان يحاول بالحل السلمي الذي كان متاحًا مما أدى إلى مقتل أكثر من 400 الف جندي عراقي دفن نصفهم أحياء، وكانت مكافأته من الكويت تمويل شبكة صرف صحي لدمشق ومقاسم هاتف حديثة. أما ما جنى من أموال فقد بقيت بحساب عائلته الشخصية حيث كشفت حسابات ابنه الذي قتل في حادث سيارة عام 1994 والمودوعة في سويسرا عن 13 مليار دولار ذهب أغلبها للبنوك السويسرية.
ولا ننسى في هذه العجالة عن سجله في الاغتيالات والاخفاء القسري أوضحها كان اغتيال معلمه في الحزب صلاح البيطار ومعلمه في الحيش محمد عمران.
كان يقول لمن يقابلهم أنا لا أريد أن يحبني الشعب بل أريد أن يخافني. حسجل أسود لطخ وجه سورية بأياديه القذرة دفعه إلى ذلك شهوة للحكم يث دفعته للتفريط بأراضي الوطن وبالكثير الكثير من أبنائه المخلصين وذلك يحتاج إلى مجلدات لتحوي مفاسده وشروره. كان نموذجًا لحاكم مَنهَجَ الفساد وشرع القتل بقوانين وفرط بأراضي الوطن ومصالحه وثرواته من أجل مصالح ضيقة لايقدم عليها حتى أصغر مسؤول بهذا الشكل الإجرامي.
المصدر: اشراق