ماجد عزام
قرّرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إعادة العلاقة مع نظام بشار الأسد في سورية، كما نقلت وكالة رويترز الأسبوع الماضي عن مسؤولين رفيعين فيها، ادّعيا أنّ القرار الذي صدر بالإجماع جاء بعد وساطات قامت بها إيران وذراعها الإقليمية حزب الله، وشهدت عقد لقاءات مباشرة بين الطرفين برعاية إيرانية، وانخراط تام للحزب أثمرت عن عودة العلاقات بين الجانبين، بما في ذلك استئناف الحركة الإسلامية نشاطها في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام، وفتح مكتب لها في دمشق.
من حيث الشكل، لم يفصح مسؤولا “حماس” عن اسميهما، كما لم تعلن الحركة نفسها القرار في بيان رسمي كما جرت العادة، بدا الأمر وكأنّها تخجل من إعلان عودة العلاقات مع الأسد بشكل مباشر وصريح. ولا شك أنّها سعت، بوضوح أيضاً، إلى تهيئة جمهورها الفلسطيني والرأي العام العربي والإسلامي الداعم لها لتقبله، علماً أنّنا لسنا بصدد جسّ نبض أنّ القرار قد اتخذ فعلاً، وإنّما التنقيط أو التدرّج في إعلانه فقط.
في الأسباب والحيثيات؛ تتحدّث القيادة المتنفذة في “حماس” عن أجواء انفتاح ومتغيرات في المنطقة، وعن ترتيب صفوف ما تسميه محور المقاومة في مواجهة الاحتلال والممارسات الإسرائيلية في فلسطين والجوار، كما مسيرة التطبيع العربي الإسرائيلي التي تقودها الولايات المتحدة.
هذا غير دقيق طبعاً، ومجافٍ للواقع، كون مسيرة التطبيع الحمساوي الأسدي كانت قد بدأت منذ وقت طويل، وقبل إطلاق الموجة الأخيرة من التطبيع العربي الإسرائيلي وفق الاتفاقيات الإبراهيمية، وتحديداً مع صعود يحيي السنوار (2017) وتوليه رئاسة المكتب السياسي للحركة في غزة، واستحواذه عملياً على قرار الحركة، في ظل منع رئيس المكتب السياسي (العام)، إسماعيل هنيّة من السفر، وبقائه في غزة، فيما مارس السنوار عملياً مهام هنية بمساعدة تامة من صديقه وحليفه نائب رئيس المكتب السياسي والمسؤول العسكري للحركة، صالح العاروري، والذي قاد الاتصالات مع النظام وحزب الله بدعم كامل من السنوار، وتغطية ورعاية مباشرة طبعاً من إيران.
بدا التواصل مع نظام الأسد نتاجاً مباشراً للتطبيع بين حماس وإيران وذراعها الإقليمية حزب الله، وطرحت إيران عودة العلاقات مع الأسد شرطاً لاستئناف دعمها المالي للحركة، وإعادة الاعتراف بها عضواً في محور المقاومة المزعوم، بينما بدا المشهد هنا سوريالياً بامتياز، إذ إنّ “حماس” هي من تعطي شرعية المقاومة لا العكس، كونها من تقود الصدام المباشر والمستمر مع الاحتلال الإسرائيلي، بينما الجبهات الأخرى في الشمال هادئة على الرغم من الضربات والهجمات الإسرائيلية (آلاف خلال السنوات السبع الماضية) التي لا تكاد تتوقف ضد إيران وحلفائها الإقليميين في سورية والعراق، بما في ذلك طهران نفسها. وكان لافتاً ومستهجناً أنّ القيادة المتنفذة في “حماس” وافقت، منذ اللحظة الأولى ومن دون أي تردّد، على التطبيع مع الأسد، بينما جاء التمنّع منه. وكان لافتاً أيضاً تعمّد إيران عدم الضغط عليه من أجل انتزاع أكبر قدر ممكن من التنازلات من قيادة الحركة المهرولة نحوها وهذا ما حصل فعلاً.
خلال السنوات الخمس الماضية، قدمت قيادة “حماس” ما طلبته إيران وأكثر، وتضمّن ذلك المبالغة في شكرها واعتبارها شريكاً ومكوّناً أساسياً في صمود “حماس” والمقاومة وثباتهما خلال السنوات الماضية، إضافة إلى وصف قاسم سليماني “شهيد القدس” وتضخيم الدعم الإيراني للمقاومة في غزة مع مزاعم بتقديم طهران عشرات ملايين الدولارات للحركة، وحتى عن سفر سليماني نفسه إلى غزة للإشراف على بناء الأنفاق، الحديث الذي لا يستقيم مع أي منطق، ناهيك أنّ الأنفاق بمثابة تحديث وإبداع فلسطيني لتجربة فيتنامية بالأصل.
وفي قصة الدعم وعلاقة “حماس” مع إيران، لا بد من الإشارة إلى شواهد وحقائق تاريخية عدة، تدحض كلّ ما قيل ويقال عن الحضور الإيراني في غزة، والقضية الفلسطينية بشكل عام، فقد أعلنت “حماس” عن نفسها خلال الانتفاضة الأولى (1987)، ولم تكن العلاقة مع طهران قد بدأت أصلاً. وفي الانتفاضة الثانية (2000) التي كرّستها لاعباً أساسياً ومركزياً كانت العلاقة في بداياتها السياسية الأولى من دون أيّ بعد عسكري، ثم قاتلت الحركة الاحتلال في حرب غزة الأولى (2009) بدعم عسكري إيراني خجول جداً، ثم حاربت وصمدت مرّتين أيضاً (2012) و(2014)، في ظلّ قطيعة تامة مع إيران وذراعها الإقليمية. وفي الحرب قبل الأخيرة (2014) والتي استمرت 50 يوماً، اكتفى أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، بالاتصال مع قائد “حماس”، خالد مشعل، للتضامن بعد 15 يوماً على اندلاعها، بينما ظهر قاسم سليماني محرجاً في اليوم الـ35، واكتفى بالدعاء لغزّة ولأهلها الصامدين. وصمت محور إيران تماماً خلال حرب العام الماضي (2021)، ولم يقدّم أيّ نوع من الدعم أو تكامل الجبهات، كما يقال فقط من حركة حماس والتنظيمات الفلسطينية الصغرى، مع الانتباه إلى أنّ إيران، وذراعها الإقليمية حزب الله، لم يردّوا على آلاف الغارات الإسرائيلية، وحتى على اغتيال مسؤولين كبار وتدمير مؤسسات عسكرية وعلمية في إيران نفسها… إضافة إلى ما سبق، بدا موقف المحور من مسيرة الأعلام الإسرائيلية واقتحامات المسجد الأقصى والتهويد الفظّ للحرمين في القدس والخليل فاضحاً، وبعدما عجزت “حماس” عن الرد لظروف غزة القاهرة، والمأساوية، لم يحرّك المحور المزعوم ساكناً بما في ذلك الفيلق الذي يسمّي نفسه القدس.
في العموم، جرى تضخيم الدعم لتبرير العلاقة مع إيران، رغم ممارساتها وتباهيها باحتلال أربع عواصم عربية، واستجداء التدخل الأميركي لاحتلال العراق، والروسي لاحتلال سورية من أجل تحقيق أحلامها التوسعية في العالم العربي تحت حراب الغزاة. وبالتالي، الحديث المبالغ فيه عن محور المقاومة لا يهدف سوى إلى تبرير العلاقة مع إيران فقط، كما عودة العلاقات مع نظام بشار الأسد بحجّة أنّه عضو في المحور المزعوم.
هنا، يجب الانتباه إلى حقيقة أنّ الأسد فاقد الشرعية والسيادة في المناطق الخاضعة لسيطرته، إذ إنّ روسيا القوة الكبرى القائمة، وهو يتلقى الضربات الإسرائيلية صبح مساء من دون أي ردّ فعل جدي وعملي، إضافة إلى صمته، وحتى دعمه غير الخفي مسيرة التطبيع العربي مع إسرائيل.
غَيّر النظام رأيه، وبعد تمنّع تجاه العلاقة مع “حماس” كونه لا يستطيع أصلاً أن يقول لا لإيران، كما أنه يشعر بتخفيف الضغوط عليه، وأن إسقاطه لم يعد على الأجندة. وبالتالي، يعتقد أنه في مركز قوة، وأن الحركة هي من تنازلت وعادت إلى حضنه ومحوره المزعوم، كما يعود بعض الهامشيين من المعارضين السابقين. هذا إضافة طبعاً إلى ضغط إيران التي نالت من “حماس” ما تريده لتبييض صفحتها وشرعنة احتلالها وتدميرها للحواضر العربية، بحجّة التصدّي للمؤامرات المزعومة التي تستهدف المقاومة وفلسطين. علماً أنّ تلك الحواضر كانت حاضرة تاريخياً في التصدّي للغزاة الأجانب، وتحرير فلسطين من التتار والصليبيين.
في العموم، لن تستفيد “حماس” شيئاً من العلاقة مع نظام الأسد التي ستؤدي فقط إلى مزيد من الاستقطاب، وحتى الانقسام داخلها، في ظل رفض قطاع واسع لها في الداخل والخارج أيضاً، حيث لا إجماع على العلاقة، كما زعم المسؤولان لوكالة رويترز، هذا عوضاً عن فقدانها قداستها وطهارتها أمام قاعدتها الواسعة في الرأي العام العربي والإسلامي.
المصدر: العربي الجديد