د معتز زين
اقترحت رئاسة تحرير جريدة إشراق على بعض كتابها تناول قضية مخيمات اللاجئين في الشمال السوري ومعاناة سكانها مع موجة الحرارة القاسية التي تجتاح المنطقة.
في الواقع لم أجد ما يمكن إضافته في هذا الموضوع، فالجميع يعرف ويرى حجم المعاناة التي يتعرض لها سكان المخيمات ومقدار الصعوبات والتحديات التي تعترضهم في محاولتهم للصمود أمام قساوة العيش والظروف التي فرضت نفسها عليهم دون اختيار منهم. والجميع يعلم عمق الأثر الذي قد تتركه الحياة المزمنة في هذه المخيمات على مستقبل الأطفال النفسي والتعليمي والمهني والاجتماعي، ما يعني جيلًا جديدًا بحد أدنى من العلم والحرفية وحد أعلى من الفقر والجهل والحاجة. هل تحتاج الواضحات إلى توضيح ؟؟
ما يهمني دلالة وجود هذه المخيمات واستمرارها هذه الفترة الطويلة دون حل نهائي. ليست صدفة أن جميع سكان تلك المخيمات من مكون طائفي واحد ( العرب السنة ). ليست صدفة أن تهجيرهم من بيوتهم ومدنهم تبعه موجة توطين طائفي لمواطنين عراقيين وأفغان ولبنانيين وإيرانيين في ذات البيوت والمدن على مرأى العالم كله. ليست صدفة أن تتناوب عليهم الفصول بحرها الخانق وبردها القاتل عامًا بعد عام على عين العالم المتحضر والمنظمات الحقوقية والإغاثية وحكام الدول العربية والإسلامية دون أن ينتج عن ذلك تغيير نوعي استراتيجي في أوضاعهم وظروف معيشتهم وتأمين مستقبل أبنائهم.
ليست صدفة أن يتزامن التهجير والإهمال لهذه الفئة مع موجة الاسلاموفوبيا العالمية، ووحشية المتطرفين البيض والهندوس المفاجئة على ذات المكون في مناطق مختلفة من العالم.
ليست صدفة أن يجتمع شياطين الداخل والخارج على إسقاط أو محاولة إسقاط أي حاكم طموح يضع رغبات شعبه وسيادة بلده هدفًا لا يتنازل عنه مهما زادت الضغوط، واستبداله بمهرج أو مخرف أو جاهل أو عبيط يسهل تحريكه عن بعد.
ليست صدفة أن تشترك قوى ضخمة دولية وإقليمية في ملاحقة وشيطنة المؤسسات والأحزاب الإسلامية السنية في المنطقة في ذات الوقت الذي تتمدد فيه إيران وأذرعها بشكل مخيف وعجيب. المخيمات ( السنية ) ستكون مجرد تفصيل صغير من تفاصيل هذه الصورة الكبيرة حينها.
إن استمرار وجود هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين والذين ينتمون لمكون واحد( عربي سني) لسنوات طويلة في ظروف معيشية واجتماعية واقتصادية وتعليمية سيئة للغاية دون تمكن( أو رغبة) أي جهة إقليمية أو دولية من الوصول إلى حل سياسي أو عسكري أو توافقي يعيدهم إلى بيوتهم أو يؤمن لهم بيوتًا آمنة في بلدان أخرى يعيشون فيها بكرامة كغيرهم من البشر( عكس ما حصل مع اللاجئين الأوكرانيين) يحمل دلالات خطيرة أهمها :
1 – العرب السنة ليس لهم دولة راعية تتولى مصالحهم وتدافع عن حقوقهم في منطقة مقسمة في العمق طائفيًا رغم وفرة الشعارات الوطنية.
2 – فقدان القرار السياسي والاستراتيجي لقادة معظم حكام المنطقة. هذا لو افترضنا توفر الرغبة والإرادة بوجود حل لمشكلة اللاجئين.
3_ ملاحقة وتفكيك وشيطنة المؤسسات والأحزاب وحتى الرموز الإسلامية السنية في المنطقة أوصلها إلى درجة من الضعف عجزت معه بالقيام بالحد الأدنى من دورها المفترض( الإغاثي).
4 – إن تهجير المكون السني وتفكيك مؤسساته وغياب الدولة الراعية لمصالحه هو مقدمة لمشروع ضخم يهدف إلى تغيير هوية المنطقة ودمج الكيان الصهيوني كمكون طبيعي وقائد للشرق الأوسط.
إن أزمة المخيمات واللاجئين السوريين لم تحدث بالصدفة. إنها جزء من مشروع كبير يهدف لتغيير وجه المنطقة وهويتها. الصدفة ربما هي التي ساقت شخصيات ضعيفة إلى مراكز القرار وكراسي الحكم في بلادنا وولت على رقابنا المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، وحتى هذه ليست مجرد صدفة .
المصدر: اشراق