نحاور اليوم الدكتورة ابتسام الصمادي، الشاعرة السورية الثائرة، التي وقفت منذ أيام الثورة الأولى ثورة الحرية والكرامة لتكون لها الكلمة الفصل، في موقف وطني اصطفافًا إلى جانب الشعب السوري، وفي مواجهة الجلاد المجرم الذي ما برح يقتل شعبه، ويمارس كل الأمراض الدكتاتورية ضد الناس المدنيين، ليدمر الوطن كل الوطن، دون أن يرف له جفن.
الشاعرة المرهفة ابتسام الصمادي تتحدث لموقع مصير عن موقف معظم الأدباء السوريين الذين ما يزالون على باب القاتل يتسولون، دون اهتمام بكل هذا القتل والدمار؟! حيث قالت ” حقيقة هذا النوع من الأدباء أكثر إيلاماً من الدم المراق. لأن النظام خلال عقوده الأربعة اشتغل تماماً على تفريغ الإنسان بالعموم، واستلابه وجعله أداة من أدواته وفي خدمته، ثم أظهر إلى السطح مجموعة، أعني عصابة لتشويه الوعي باسم الثقافة، كبرهم ونشرهم إعلامياً وعلفهم جيداً. إن المثقف الحقيقي هو من يؤمن بالتحول والتغير في صيرورة الأشياء والحياة والتاريخ نحو الحرية والإنسانية، ومثقفو السلطة هؤلاء خارج أي فعل أو حراك ثقافي. لم يستطع أحدهم النزول من عربة السلطة لرعب متأصل في جذره المعرفي، وقصر في منظوره الحضاري، وعندما صعقه الربيع العربي، ثارت ثائرته إذ كيف يحصل هذا من خلف ظهره. لذلك سيبقى مثقف السلطة بيد أولي أمره الذين يستخدمونه كالبقرة، التي كان يذبحها الإنكليز ويرمونها بين السيخ والمسلمين في الهند.” وأضافت ” يجب أن نعترف أيضاً أن معظم مثقفينا خارج الوعي المعرفي والحضاري، بسبب ما راكمته عليهم التربية والإيديولوجيا الراسخة من التقديس الوهمي. وهبوط الكفؤون والحقيقيون منهم إلى ما تحت خط الخبز، فهبطت معهم منظومة المثل والمفاهيم الكبرى، وارتفعت منظومة الاستهلاك وإدارة(اللعبة). أما دورهم فلم يكن سابقاً للثورة بل لاحقاً لها وبها. ما أدخلهم في حالة من الذهول ووضعهم في خيارات محدودة جداً، لا مكان فيها لنصف منتمٍ أو نصف مواطن أو نصف ثائر، لذلك أتت النتائج أقل وضوحاً والخسائر أكثر مرارة، لقد كان نضوجاً للقهر قبل الفكر، مما أدى إلى أن تأتي قيادات وتنظيمات مُبرمجة ومرتبطة ومهيأة مسبقاً لدورها (داعش وحالش ونصرة وغيرها) لكنها تتناسب طرداً مع المستوى الشعبي. وعالم اليوم هو عالم مرعب يسيطر عليه- كما يقول الفيلسوف الكندي (آلان دونو) في كتابه نظام التفاهة -التافهون الذين اقتسموا الكون عبر الاقتصاد والسياسة وحسموا المعركة. لكن من كانت ثورته عظيمة كانت نتائجها عظيمة والتآمر عليها أعظم”. ثم تابعت الصمادي تقول” دوماً أقول من يليق به الحزن يليق به الفرح. لو لم يكن العقل أو الوعي السوري عظيماً، لما أرعبهم حتى جلبوا له عتاة الكون ومتطرفيه للقضاء عليه. إنه يتفتح في كل مكان لجأ إليه السوري ومن في عداده. لا تظنن أن الحرية تُطال بصيد بخس. إن ثمنها يوازي عظمتها. نحن نواجه قذارة الكون الملوث من الاحتلال الإيراني الدموي الأقذر إلى حزب الشيطان التابع له إلى دول منحطة تقود التآمر الدولي ليس أولها أمريكا وروسيا وليس آخرها (اسرائيل) بل يدخل في تلافيفها آخرون ممن لهم مصالح، وتدخل أيضاً -وهنا قدم أخيل-، الأنظمة العربية البائدة التي تآمرت على شعوبها وقادت المحتل والأعجر إلى ديارنا ليطالبنا بالجزية، كما فعل ترامب مؤخراً، ومن لا يدفع تكون التهمة جاهزة ألا وهي الإرهاب.” وقالت بكل جرأة ” لا تظنن أننا في نكسة كنكسة حزيران. إننا في نكبة تفوق ال 48 وتفوق الخيال، إنها صفقة صفقات العصر. لكن النقطة المضيئة الوحيدة هي: حالة الوعي والضوء الذي بدا ساطعاً في أذهان القلة الهائلة المتنورة المناهضة لمهازل الأنظمة المرتهنة التي قادتنا إلى هذا المصير. ربما أبدو للبعض مثالية حدّ الغباء لكن الزمن سيدور، ومن ينظر من علٍ ليس كمن ينظر من القاع، صدقوني أو كذبوني. كلما كانت المأساة كبيرة أعلمْ أن وراءها ما هو أعظم. الربيع ربيعنا وربيع الله والحق فلا تكفروا به. وأخيرًا إن لم تكن هذه النكبات المتكررة في حياتنا وتجربة الإرهاصات السياسية الكبيرة جميعها سوى محطات عابرة في حياة أدبنا نقرؤها بشكل مسطح ، فإن ما ينتج عنها ليس أدباً بل سفسطة تشبه الى حدّ كبير من يُنظّر لخداعنا وخداع أجيالنا، وربما يتفوق هذا المنظّر علينا بدهاء إيصال رسالته الى أعماقنا في التسطيح والتفتيت وهذا أشنع من الحرب والقتل المباشر، خاصة عندما نكرّس فكرة ما أسميه بموت الشعوب ، مما يخلق قزماً مسخاً لا يرقى للأدب بل الى حيادية سلبية قاتلة نسمعها من البعض حين يقول أحدهم : دعونا من السياسة نحن أدباء وحسب، متناسين أن الخبز اليومي الذي يأكلونه تعجنه السياسة وتخبزه، وهذا التصنيف بل الفصل لا يقوم به سوى جزار يفصل اللحم عن العظم، لأن الأدب اقتحام للممنوع والمخبوء والمستور وليس طلاء للأظافر، أو عملية مساج وبوتكس وشفط دهون”. ثم قالت موجهة كلامها إلى بشار الأسد:
من أنت لتحطم سورية؟
مهما بقيتَ ببئر ذُلّك قابعٌ ….. كالحيّةْ
أو سُقتهم للرعيِ سوتْشياً على سوتشيةْ
لا حبل يُنقذ لا …ولا إيران أو روسّيا
ومصيرك المحتوم حكم صادرٌ وموثّقٌ
لو شدّ فيك الكون والزعماء والبشرية
هذي التي هدّمتها -يا مجرم- سورية