أحمد طه
بعد أن اختتمت اللجنة الدستورية أعمال جولتها الثامنة في 3 حزيران/يونيو الماضي، ببيان لا يختلف في فحواه كثيرًا عن بيانات اجتماعات سبعٍ أتين قبلها، حيث لم يتم الاتفاق إلا على موعد جديد لجولة تاسعة. ولنا أن نتخيل حجم العبث بعد ثماني جولات للمفاوضات وثلاث سنوات من عمر اللجنة الدستورية من خلال تصريح المبعوث الخاص غير بيدرسون الذي عبر فيه عن تقديره لنبرة الحوار وطبيعته على الطاولة، بدلاً من توافقات حقيقية واتفاقات ملموسة يمكن أن تؤسس لما بعدها، ذكرني تصريح بيدرسون بالتصريحات التي تصدر بعد الاجتماعات الدولية حول الشأن السوري، والتي تقول :” …واتفق المجتمعون على وحدة التراب السوري…”.
فلا بد من تصريح إيجابي بعد كل اجتماع – حتى ولو كان مجانبًا للحقيقة – ليستفيد المنتفعون وأصحاب الوظائف من استمرار عملهم، وكأن المواطن السوري المهجر في دول اللجوء أو في الخيام يحبس الأنفاس منتظراً أن تمر الجولة بنبرة حوار تكون محل تقدير من الأمم المتحدة أو مبعوثها الخاص.
لكن حقيقة الأمر أن الشعب السوري في واد، واللجنة الدستورية في واد آخرمختلف تمامًا، وهذا ماعبر عنه استطلاع رأي أجرته منظمة (اليوم التالي) حول أداء الوفد المفاوض في اللجنة الدستورية والذي خلص إلى أن 78.9% من المستطلع آرائهم قالوا أن أداء الوفد هو بين غير المرضي أبداً ومرضٍ بالحد الأدنى، إضافة إلى أن 70.7% من المشاركين في الاستطلاع توزعوا بين من ليس لديهم أي آمال من اللجنة الدستورية وبين آمال ضئيلة منها.
تشكلت اللجنة الدستورية عبر زواج غير شرعي بين مؤتمر سوتشي (30و31) كانون الثاني/يناير 2018 صاحب الفكرة والأمم المتحدة 26 سبتمبر/أيلول 2019 صاحبة آليات عمل اللجنة، للالتفاف على بيان جنيف والقرار 2254 اللذان يؤكدان على تشكيل هيئة حكم انتقالي تكون أحد مهامها البدء بوضع دستور جديد، لهذا السبب لن ينتج حلاً لأنه وباختصار شديد أنتج ليلتف على الحل وليس لإيجاده، وكما استطاع النظام أن يأخذ جزءاً من الثورة إلى مسار التسليح الذي يبدع في التعامل فيه وله فيه القول الفصل، ويجعل منه ذريعة في أنه يحارب إرهابيين ومسلحين، كذلك وبنفس الحرفية والدهاء تم جرُّ القسم الآخر إلى ميدان آخر هو المفاوضات لكتابة دستور وكأنه الشأن الوحيد المتنازع عليه، وكيف نكتب دستوراً يتحدث عن الحقوق المدنية والسياسية والمعتقلات تعج بالمعتقلين؟ بل كيف يكتب دستور ولا يوجد هيئة منتخبة أو حتى متوافق عليها لتشرف على تنفيذ مواده واحترامه؟
عادة ما يكون الدستور تتويجًا لعقد اجتماعي بين أطراف تشكل أمة أو مجموعة سياسية هدفها أن تضع قواعد عامة ناظمة لحياتها حتى تتمكن من التعايش مع بعضها البعض وفق تلك القواعد، في حالتنا السورية لا يوجد أطراف تريد أن تتعايش قبل عدالة انتقالية تتيح على الأقل إبعاد من تورط بالدماء عن المناصب السياسية إن لم نقل تحاسبه على جرائمه.
وعادة ما يكتب الدستور من قبل أمة حرة وبإرادة حرة، وأين تلك الحرية التي تتمتع بها تلك الأطراف المتفاوضة التي من فرط حريتها لا تستطيع حتى الإنسحاب من تلك اللجنة وإعلان موتها وعبثية الاستمرار فيها، بل لم يستطع وفد المعارضة حتى مجرد تجميد حضوره لجلسة واحدة ردًا على القصف المتواصل على إدلب، كيف نكتب دستوراً مع طرف آخر، فيه مواد عن حرية الرأي والتعبير وضمان الحقوق العامة والخاصة وطيرانه يقصف المدن والبلدات.
إن هذا العبث لن يعيد مهجراً إلى أرضه، أو معتقلاً إلى أهله ، فضلاً عن أنه لن ينتج حلّاً، بل أكاد أقول أنه على العكس من ذلك فهو يولد شرعنة لنظام يقصف ويقتل ويستولي على أراضٍ جديدة بيد، ويذهب ليفاوض على طول العلم وعرضه بيد أخرى.
المصدر: اشراق