محمد عمر كرداس
لاشك بأن الأطفال هم الأشد تأثرًا في أي أزمة تمر على أي منطقة أو أي دولة فما بالك في سورية التي شهدت عسفًا من نظام مجرم قتل ودمر وشرد، وحتى سجونه الرهيبة احتوت الكثير من الأطفال وعوائلهم لمدد طويلة عدا عن القتلى والجرحى والمعوقين التي أحدثتها آلة توحش النظام وحلفاؤه بهؤلاء الأطفال وعوائلهم وكان آخرها بالأمس في إدلب عندما قصفت الطائرات الروسية قرى ومساكن هجروا إليها حديثًا خلاصًا من خيام لاتقي برد الشتاء ولا حر الصيف، فأصبحت هذه البيوت الجديدة المبنية من الطوب قبورًا للعوائل والقتلى أكثرهم من الأطفال. بوتن المجرم وحزب الله الإرهابي وتابع الولي الفقيه حلفاء المجرم في دمشق بالقصف والقتل والتدمير يستهدفون الأطفال لأنهم يستهدفون مستقبل سورية فمجتمع بدون أطفال هو مجتمع عجوز آيل إلى الانهيار، وعندما يتوفر لأمة قيادة رشيدة مؤمنة بوطنها وشعبها تستثمر في شيئين اثنين أولًا: التعليم والصحة فهما رافعتا الشعوب والأوطان، وأمامنا أمثلة كثيرة من اليابان إلى ألمانيا بعد الحرب ومن سنغافورة وماليزيا وغيرهما الكثير، ومع أن التعليم عمومًا في الوطن العربي متخلف عن أكثر دول العالم إلا أنه كان يعطي الحد الأدنى للطالب من المعرفة ولو أنها تلقينية وليست إبداعية، لكن ما حصل لأطفالنا في سورية بعد الثورة شيء مختلف تمامًا، فكانت طائرات الأسد وحلفاؤه تستهدف أولًا المشافي والمدارس، وهذا كما قلنا استهداف للمستقبل.
بعد التهجير واللجوء والنزوح لأكثر من نصف الشعب السوري وتشتت الأطفال السوريين في كافة بقاع الأرض أصبح عائق التعليم كبيرًا وخصوصًا عائق تعليم الطفل السوري لغته الأم، وحدها مصر فتحت للطالب السوري من الروضة وحتى الجامعة ذراعها واحتوته وعاملته معاملة ابن البلد وحتى أنها تمنح الإقامة للأب والأم إذا سجلوا أولادهم في التعليم الحكومي وهذ أمر يستحق الشكر والتقدير، أما باقي الدول فهي تجبر الأطفال الوافدين إليها من سوريين وغيرهم على الاندماج بمجتمعاتها وتعلم لغاتها ونسيان كل ما يمت إلى بلدانهم بصلة، فهي تحاصر التعليم باللغة الأم الذي يقتصر في هذه الدول على مبادرات فردية وبعض المنظمات الإنسانية وهذه لن تكون قادرة على تغطية الفجوة التي تتكون بين الطالب ولغته الأم، كثير من العائلات بجهل مطبق ترى في ذلك إنجازًا فهي تريد الاندماج في مجتمعاتها الجديدة وليس لها من شاغل إلاّ متابعة أمور الجنسية والإقامة ووو، أمور مفزعة نرى أطفالنا يعيشوها، وإذا كان هذا في دول اللجوء كألمانيا وتركيا والدول الاسكندنافية، ولكن الحال أسوء في مناطق حكومات الأمر الواقع من قسد إلى الإنقاذ إلى الحكومة المؤقتة فلا نظام ولا شيء موحد وكل يُعلِّم حسب خلفيته الدينية والقومية والضحية هو المستقبل السوري وحتى المعلم السوري الذي يعيش في أسوء حالاته، وبهذا المجال هناك قصة رواها أستاذ جامعي عربي انتدب للتدريس في إحدى الجامعات اليابانية فقال: فوجئت بأن راتبي أعلى من راتب رئيس الوزراء الياباني، فسألت هل هناك خطأ ؟ فقيل لي ليس هناك خطأ فراتب المعلم عندنا في السلم الوظيفي أعلى رواتب الدولة، أعلى من الطبيب والمخترع والسياسي والمحامي لأنه هو من يربي هؤلاء جميعًا..هكذا تنهض الأمم وهكذا تكون مكانة العلم لمن يريد أن يبني المستقبل. هناك خارج سيطرة الجميع آلاف المخيمات المنتشرة في البراري والجبال فكيف يتوفر لهم الحد الأدنى، طبعًا المطلوب وجود هيئات تحرص على الاهتمام بأطفالنا بصحتهم وتعليمهم، وهذا مازال بعيد المنال فلا أحد يهتم ولا أحد يعمل على ذلك ويبدو أن الحل الوحيد الذي مازال بعيد المنال هو إنجاز حل سياسي يقتلع نظام الأسد بكل رموزه ومرتكزاته لصالح نظام وطني ديمقراطي لكل السوريين.
المصدر: اشراق