وليد شقير
الغارات دمرت مستودعات أسلحة لخفض إمدادات “حزب الله” و”المرصد” يتحدث عن اعتقالات في صفوف الجيش السوري بسبب دقة الإحداثيات.
لا ينفصل توالي الضربات الإسرائيلية لمواقع تابعة للميليشيات التي يقودها “حرس الثورة الإيرانية” في سوريا عن السباق بين المفاوضات على إحياء الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، وبين التصعيد العسكري المرتقَب نتيجة تأجيل هذا الاتفاق وسعي إسرائيل إلى نسف احتمال إنجازه بعدما اعتبرته قيادتها سيئاً ولمصلحة إيران.
في غضون ستة أيام، استهدفت إسرائيل مطار حلب مرتين، في 31 أغسطس (آب) الماضي و6 سبتمبر (أيلول) الحالي، فأخرجته من الخدمة لبضعة أيام، بعدما أدى قصفها لمطار دمشق في 10 يونيو (حزيران) الماضي إلى إخراج مدرجه القديم عن الخدمة في شكل نهائي بحسب معطيات ناشطين سوريين. فما أُعيد تشغيله هو المطار الجديد والمدرجات التابعة له، فيما كان المدرج القديم خُصِّص لهبوط وإقلاع الطائرات الإيرانية التي تحت ستار نقلها حجاجاً إلى مقام السيدة زينب وغيره من إيران، كان يُستخدم أيضاً لهبوط الطائرات التي تُقل مقاتلين وعتاداً عسكرياً.
إسرائيل تحدد الهدف
توالي الغارات الإسرائيلية طرح كما في السابق الأسئلة حول الموقف الروسي منها ولماذا لا ترد الدفاعات الجوية الروسية على تلك الغارات، من جهة، مثلما طرح الأسئلة حول طبيعة الرد الإيراني على تلك الغارات، خصوصاً أن إسرائيل لا تخفي أنها وراءها على الرغم من أنها لا تعلن مسؤوليتها عنها في معظم الأحيان. وفي شهر يوليو (تموز) الماضي، دعا مسؤول في الخارجية الإيرانية روسيا إلى اتخاذ موقف واضح على الأرض من الغارات الإسرائيلية.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد لم يتأخر هذه المرة في كشف أهداف تلك الغارات، فقال أثناء ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء في 11 سبتمبر الحالي، إن تل أبيب “لن توافق على استخدام سوريا كمحور لنقل الأسلحة إلى المنظمات الإرهابية” وأنها تعمل على “منع إيران من إنشاء قواعد إرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبخاصة في سوريا”، مضيفاً “لن نقبل بإقامة قواعد إيرانية أو قواعد ميليشيات على حدودنا الشمالية”. وجاء كلام لبيد بعد تصريح لرئيس لجنة الخارجية والأمن في “الكنيست” رام بن باراك، في 7 سبتمبر الذي أعلن فيه مسؤولية إسرائيل عن قصف مطار حلب، قائلاً إن سبب مثل هذه الهجمات هو “إيصال رسالة إلى الأسد”، مهدداً بأنه “إذا هبطت طائرات هدفها تشجيع الإرهاب، فمن المحتمل أن تتضرر قدرة الحركة الدولية لسوريا أيضاً”.
استنزاف احتياطي “حزب الله” في حرب محتملة؟
هذه التوضيحات الإسرائيلية أعطت صدقية لتقديرات أوساط سورية محايدة تعتبر أن إسرائيل تحاول استنزاف عمليات التسليح الإيراني المتواصلة لـ “حزب الله” في لبنان، وتحول دون تخزين كميات من الصواريخ والطائرات المسيرة في المستودعات الاستراتيجية على الأراضي السورية. وهي مستودعات ترفع درجة الاحتياطي الذي قد يحتاجه منها الحزب في حال وقوع حرب مع الدولة العبرية سبق للأمين العام للحزب أن هدد بها منذ أواخر شهر يونيو (حزيران)، وكرر التهديد في 2 يوليو الماضي بحجة منع إسرائيل من استخراج النفط والغاز إذا لم ينجز الجانب الأميركي عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، في وقت بات شائعاً أن هذه التهديدات هي استباق للضغوط الأميركية والغربية المحتملة على إيران في حال فشل المفاوضات غير المباشرة في فيينا، والذي قد يشمل مواجهة عسكرية إيرانية. كما أن اسرائيل تتجنب استهداف الحزب ومستودعاته في لبنان على الرغم من معرفتها بإحداثياتها، لتفادي وقوع حرب.
قبل قصف مطار حلب مرتين متتاليتين، استهدفت إسرائيل في 25 أغسطس، مستودعات ضخمة للجيش السوري وللميليشيات التابعة لإيران في مدينة مصياف في محافظة حماة. ويضم محيطها مركز البحوث العسكرية ومستودعات ضخمة، بعضها في أحد الأنفاق، اشتعلت فيها الحرائق والانفجارات لمدة أكثر من 7 ساعات. وعلى الرغم من إطفائها، عادت فاشتعلت في اليومين التاليين، ما يعني أن هذه المستودعات كانت تضم مخازن صواريخ وكميات من الذخيرة. واكتفى الجانب الروسي بالإعلان أن الدفاعات السورية أسقطت صاروخين و7 قذائف إسرائيلية موجَهة، خلال الغارة الإسرائيلية على مصياف. ونفت الخارجية الروسية أخباراً إسرائيلية عن أن عسكريين روساً استخدموا صواريخ “أس-300” ضد الطيران الإسرائيلي.
وقبلها، في 14 أغسطس قصف الطيران الإسرائيلي ريف دمشق ومحيط طرطوس والمرفأ فيها، مثلما سبق أن قصف مرفأ اللاذقية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 حيث دُمرت مخازن فيه للطائرات المسيرة. وكانت القيادة الروسية في قاعدة حميميم تكتفي بإصدار البيانات التي تعدد عدد الصواريخ التي أسقطتها الدفاعات السورية وتستعيد كذلك أعداد القتلى من الجيش السوري من البيانات السورية، التي مثل البيانات الروسية، لا تذكر عدد القتلى والإصابات من الجانب الإيراني الذي يتواجد مقاتلوه مع وحدات سورية. أبرز الإدانات الروسية للغارات الإسرائيلية صدر عقب قصف مطار دمشق في يونيو، مطالبة إسرائيل بـ “وقف هذه الممارسات الشريرة”. وكل البيانات الصادرة من موسكو تميزت بالإشارة إلى الاعتداءات ضد “الأراضي السورية” من دون الإشارة إلى إيران أو “حزب الله”.
إخلاء قواعد إيرانية أم إعادة انتشار؟
الملاحقة المتواصلة للطيران الإسرائيلي للوجود الإيراني ينسبها بعض المطلعين على الموقف الروسي، إلى التوجه الإسرائيلي المتشدد في رفض مشروع الاتفاق على النووي وفي سياق الضغط من أجل الحؤول دونه. وفي رأي أصحاب هذه القراءة أن تحوّل سوريا إلى ساحة للرسائل والضغوط الدولية المتبادلة يسمح في أحيان كثيرة بتقاطع مصالح بعض الدول. فموسكو لم تعد متحمسة هي أيضاً لإنجاز الاتفاق على النووي، فتتقاطع مصلحتها مع تل أبيب، لكن لدوافع مختلفة. فهي تخشى من تطبيع إيران علاقتها مع دول الغرب، بإنجاز الاتفاق ورفع العقوبات عنها، فتصبح أحد مصادر النفط والغاز لدوله، في ظل الصراع الروسي- الغربي والمواجهة القائمة في حرب أوكرانيا. كما أن موسكو لا تمانع في إبقاء حليفتها إيران تحت الضغط على الأرض السورية، فتغض النظر عن القصف الإسرائيلي لمواقعها لأنه يضعف حرية حركة ميليشياتها التي تنافسها بالنفوذ، على الرغم من تصريحات الاستنكار الروسية لعمليات القصف ضد المواقع الإيرانية.
وفي مجال آخر، أشارت تقارير إعلامية إلى أن موسكو والقيادة السورية طلبتا من طهران الانسحاب من بعض المواقع بهدف تخفيف الضربات الإسرائيلية التي تستهدفها على الأراضي السورية. إلا أن معلومات أوساط سورية واسعة الاطلاع أشارت إلى أن إخلاء قواعد إيرانية لم يكن بطلب روسي، بل لأن الجانب الإيراني سعى إلى حماية خطوط المواجهة الخلفية لميليشياته في سوريا، فطلب من قياداتها إخلاء العديد من المواقع والمستودعات ونقل السلاح والذخائر منها لتوزيعها على مناطق متعددة من أجل تفادي ضربات إسرائيل. فالأخيرة ستزيد هذه الضربات والجانب الروسي لن يتحرك، وإن لم يتعاون معها بإعطاء الإحداثيات.
هدف إسرائيل من الضربات الحالية هو قطع وإضعاف خطوط الإمداد بالسلاح والصواريخ للحزب في لبنان.
دقة المعلومات الإسرائيلية وريبة طهران والاعتقالات
لطالما طرح استمرار الضربات مسألة حصول إسرائيل على معلومات استخبارية دقيقة عن الشحنات الإيرانية مثلما حصل في مرفأ اللاذقية، وفي طرطوس ومطار دمشق. وأثار ذلك ريبة الجانب الإيراني حيال بعض الجهات السورية. وأفادت معلومات “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بأن الاستخبارات الجوية والعسكرية في سوريا، نفذت حملة اعتقالات واسعة طاولت ضباطاً وضباط صف في قوات النظام، في دمشق وحلب، بشبهة التعاون مع “جهات معادية”، في إشارة إلى إسرائيل.
ووفقاً لـلمرصد، فإن العشرات خضعوا للتحقيق بتهمة إعطاء إحداثيات لإسرائيل، بعد استهداف مطاري حلب ودمشق ومحيطهما. وطاولت الاعتقالات ضباطاً في الدفاع الجوي وآخرين من مرتبات الوحدات العسكرية المحيطة بمطاري حلب ودمشق، وضابطاً وعنصرين في قطعة عسكرية بمصياف، وعناصر في قطع عسكرية بطرطوس. وأفادت معطيات أذاعها المرصد أن ذلك حصل “بناءً على معلومات من جهاز استخبارات حزب الله”.
إلا أن مصادر أخرى ربطت هذه التوقيفات والاستدعاءات بالقبض على طبيب سوري في لبنان يدعى م.ي. الشهر الماضي، وكان يعمل في السويد حيث أفادت تسريبات الأجهزة الأمنية اللبنانية أنه تم تجنيده للتعاون مع إسرائيل، بحجة مشروع لتنقية المياه في سوريا وأفادت المعلومات بأنه استخدم شقيقين له في الجيش السوري.
“المرصد السوري” وإجراءات “حزب الله”
وعاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” في مدينة الميادين في منطقة غرب الفرات، فبث معلومات عن أن الميليشيات التابعة لإيران أصدرت أوامر لعناصرها بالحد من تحركاتهم في المدينة تخوفاً من استهدافات محتملة لهم. ووفقاً لمصادر المرصد السوري، فإن المدينة الواقعة شرق محافظة دير الزور، تشهد تواري عناصر الميليشيات عن الأنظار بشكل لافت. وهم لا يغادرون مقراتهم إلا عند الضرورة وبحذر، تخوفاً من الاغتيالات”.
وأشار المرصد السوري في التاسع من الشهر الجاري، إلى أن “ميليشيات حزب الله”، اعتقلت 17 عنصراً من الجنسية السورية في صفوفها، بتهمة التعامل مع التحالف الدولي، فيما لا تزال التحقيقات مستمرة معهم حتى الآن”. وأفاد بأن عدد المعتقلين بلغ 63 شخصاً كانوا في صفوف الحزب، وتم تسليمهم للنظام، منذ مطلع سبتمبر.
ويتخوف “حزب الله” بحسب المرصد، “من عدم ولاء العناصر السوريين المنضوين في صفوفه، ويتهمهم بالتعامل مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي نفذ ضربات استهدفت مواقع الحزب في محافظة دير الزور خلال فترة سابقة.
المصدر: اندبندنت عربية