عبدالرحيم خليفة
تعتبر قضية “الاختفاء القسري” إحدى هواجس وشواغل المجتمع السوري، في السنوات الأخيرة، بل يمكن اعتبارها القضية الأولى في سلم أولويات الحياة والمستقبل والمصير لمئات الآلاف من العائلات السورية التي تعاني جراء اختفاء أحد أفرادها (أب، ابن، شقيق، آخ… الخ)، وفي بعض الحالات أسر بأكملها، وهي قضية عدا عن كونها إنسانية واجتماعية، فهي سياسية وحقوقية ووطنية بامتياز.
قضية الاختفاء القسري وثيقة الارتباط بقضية الاعتقال التعسفي، أو الحجز خارج القانون، دون معرفة ذوي المحتجز، أو المعتقل، بمكانه، ودون توفر الضمانات لمحاكمة عادلة ونزيهة يعطى فيها للمحتجز حق الدفاع عن نفسه من التهم المنسوبة إليه، ودون أن تتاح له فرص توكيل محام للدفاع عنه، وهو اعتقال عادة ما يكون من أجهزة الأمن التي تعمل خارج القانون، وليس من الجهات المختصة وصاحبة الشأن، ووفق مذكرة جلب قضائية.
في اليوم العالمي للاختفاء القسري الذي صادف 30 أغسطس/ آب الماضي وثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان، حسبما جاء في تقرير صادر عنها، بهذه المناسبة، مايزيد عن 111 ألف حالة إختفاء معظمها في سجون ومسالخ المجرم الكوني بشار الأسد، وذلك رغم إصداره أكثر من 20 مرسوم جمهوري للعفو، كاذب ومضلل، منذ إنطلاقة الثورة السورية العظيمة في آذار/ مارس 2011 وحتى الآن، مما يدلل على ضخامة ملفات القضية وآثارها وتبعاتها.
في هذا العام/ الذكرى تكتسب قضية الاختفاء القسري أبعاداً جديدة في ظل الحديث المتصاعد، والإجراءات المتخذة، بحق اللاجئين في دول الجوار لإعادتهم قسراً إلى وطنهم الذين فروا منه خوفًا من القتل والموت والملاحقة، وهو المصير الذي يتهددهم على يد أجهزة نظام المجرم بشار الأسد عند عودتهم، الأمر الذي حصل مع العديدين ممن عادوا لسبب أو آخر، وبطريقة أو أخرى، رغم أن بعضهم قد أجرى ما يسمى ب “تسوية” لوضعه القانوني تعفيه من الملاحقة والاعتقال، وعليه فإن هذا الملف مازال مفتوحاً ولم يقفل، ويهدد الملايين ممن فروا من طغيان الأسد وجحيمه، وعودتهم تعني المجهول والاختفاء.
يعد هذا الملف قديماً، وسابقاً للثورة السورية بكثير، ويكفي تذكر حقبة الثمانينات من القرن الماضي، وما شهدته، لمعرفة فداحة وأهوال هذا الملف وماجره من ويلات على الأسر السورية التي اختفى أحد أفراداها وعلى المجتمع كله، وهو مايوضح بجلاء أن نظام آل الأسد (الأب والابن) اعتمدوا على إخفاء معارضيهم، بل وقتلهم وتصفيتهم، والتخلص منهم، كسياسة ممنهجة لترويع حاضنتهم الأسرية والمجتمعية في محاولة دائمة لاستقرار واستمرار حكمهم الغاشم.
في هذا الصدد من المؤسف أن نقول أن المعارضة السورية عبر مساراتها المختلفة لم تستطع أن تتقدم قيد أنملة في طي هذا الملف باعتباره مطلباً شعبياً وثورياً، مثلما هو إنسانياً وأخلاقياً، ليس بسبب تعنت النظام وصلفه، وليس بسبب ميوعة الموقف الدولي وازدواجية معاييره وقيمه، إنما، أيضاً، بسبب هزال المعارضة وضعفها وانصياعها لأجندات الخارج الدولي الذي يمسك بمفاصل القضية السورية، ويوجهها ويديرها حسب مصالحه.
ومن المهم هنا الاشارة إلى أن نظام الأسد قد تلاعب بشكل كبير في هذا الملف، كعادته وسياسته مع معظم الملفات، حيث أنكر احتجاز الآلاف لديه ونفى معرفته بمصيرهم، كما هو حال بعض الرموز الوطنية الكبيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر حالة رجاء الناصر وعبد العزيز الخير وآخرين كثر، رغم كل الدلائل والاثباتات على اختطافهم من قبله، في سلوك ميليشاوي يعد جريمة ضد الانسانية، ويتنافى مع قوانين الدول وواجباتها تجاه مواطنيها بغض النظر عن توجهاتهم وقناعاتهم.
لاجديد في القول أن أي حل سياسي في سورية يبدأ بطي هذا الملف، وكشف مصير هؤلاء، وجبر الضرر الذي لحق بضحاياه، وذلك بتعويضهم وفق قيم وأسس العدالة الانتقالية، وبغير ذلك يمكن القول باختصار إنها بداية خاطئة ستوصل إلى نتائج مغلوطة ووخيمة، ولن تقدم حلاً ناجعاً وجذرياً وتاريخياً للقضية السورية.
من نافل القول أن سورية هي في مقدمة الدول، إن لم تكن الأولى عالمياً، التي مازال فيها الاخفاء القسري، وبهذا الحجم، سياسة متبعة بحق المعارضين السياسيين في عالم أصبحت فيه قضايا الرأي، والتعبير، سمة ودلالة على تحضر المجتمعات والدول ورقيها وتقدمها.
لاحل ولا مصالحة إلا بطي هذه الملفات، ورحيل المجرم الدولي بشار الأسد، ومحاسبته، وزمرته على ما اقترفوه من جرائم ضد الشعب السوري، والإنسانية عامة.
المصدر: اشراق