شيرين علي
الاختفاء القسري ليس ظاهرة جديدة تحل على دول العالم الثالث فمنذ القدم تمارس الأنظمة الديكتاتورية ذلك، وتربطها بالاغتيالات السياسية لبث الرعب داخل المجتمع وإشعارهم بغياب الأمن مما يجعلهم يعيشون في حالة البحث الدائم عن الأمان ولو كلفهم هذا الأمر دهراً من الصمت على حساب حقوقهم وحرياتهم كمواطنين في دولة ما، فعلى سبيل المثال الحالة السورية والاختفاء القسري الذي مارسته حكومة البعث في سورية بقيادة حافظ الأسد منذ استلام السلطة ومارسها بشكل فعلي في حقبة الثمانينات في معركته ضد حركة الإخوان المسلمين، وضد كل من خرج وعارضه، واستمرت هذه الإجراءات بعهد وريثه بشار الأسد الذي استلم الحكم عن أبيه كما ورث عنه الاستبداد وأعمال العنف والقيام بعمليات إختفاء قسرية للمعارضين لحكمه. تمثلت عام 2004 في انتفاضة مدينة القامشلي وصولاً إلى عام 2009 مع استمرار إختفاء الناشطين الأكراد إلى عام 2011 منذ بداية الثورة السورية وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان وصل عدد المختفين قسراً إلى 121 ألف و 792 حالة اعتقال تعسفي. ومابين الاختفاء والاعتقالات وصل العدد تقريباً بين 100 إلى 130 ألف من النساء والرجال والأطفال محتجزين عند جميع الأطراف، وإلى الآن ماتزال الأرقام الحقيقية مجهولة بشأن عدد المختفين والمعتقلين. فالإختفاء القسري يعد من أبشع الجرائم ضد الإنسانية الذي تقوم به الأنظمة الدكتاتورية والمجموعات المسلحة من اغتصاب حقوق الناس والاعتقالات القسرية الممنهجة وهنا يدور في خاطرنا سؤالًا مهمًا، أين هو دور منظمات حقوق الإنسان؟ والأمم المتحدة؟ والقانون الدولي؟ في الدفاع عن حقوق الإنسان وحريته. وسنسلط الضوء في هذه المادة أيضاً على دور كل من هذه المنظمات والاتفاقيات بالنظر إلى هذا الملف .
الأمم المتحدة تنظر إلى (ملف الاختفاء القسري) وتعتبر أن ميثاقها يفرض على الدول الالتزام بتعزيز واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية احترامًا عالميًا وفعليًا وتستند إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتشير إلى العهد الدولي والإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي اعتقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 المؤرخ في كانون الأول/ ديسمبر عام 1992 وتنص (المادة ١) منه: لايجوز التعرض لأي شخص للاختفاء القسري سواء تعلق الأمر في حالة حرب أو تهديد باندلاع حرب أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي.
وفي إطار القانون الدولي أكد على أن الدول ملزمة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية باحترام حقوق الإنسان وحمايتها. وفيما يتعلق بحالة الاختفاء القسري فإنه توجد مجموعة من الحقوق في القانون الدولي لحقوق الإنسان تتصل بحالة الأشخاص المفقودين وأسرهم مثل حق المفقودين ومعرفة مصيرهم، وحق أهاليهم في معرفة مصير المفقودين واسترداد جثامينهم ، ومعرفة الأخبار عنهم. بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2474 لعام 2019الذي أكد على تطبيق القانون الدولي الإنساني في النزاع السوري .
وبموجب هذه القرارات والتأكيد على تنفيذها قاموا بكتابة بعض التوصيات عبر المختصين بالقانون الدولي ولجان مختصة بقضية الاختفاء القسري مثل المطالبة بمصير المفقودين ومعرفة أماكن وجودهم، ودعم الأسر، وتوثيق الانتهاكات، والسعي للمحاسبة بالإضافة إلى العمليات الدبلوماسية والسياسية التي قام بها المبعوث الخاص إلى سورية للإفراج عن المعتقلين قسراً وفق قرار مجلس الأمن 2254 بالإضافة إلى جهود الدول الفاعلة في حالة النزاع السوري مثل تركيا، قاموا بتشكيل فريقاً معنياً بالإفراج عن المحتجزين والمخطوفين وتسليم جثامينهم، وتحديد هوية الأشخاص المفقودين وفق صيغة (أستانا) بمشاركة الأمم المتحدة وقيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدور المراقب .
لكن فيما يخص النزاع السوري وملف المختفين قسراً يبقى الملف مغيبًا لحد الآن في الساحة الدولية. وهذه الجهود والتوصيات تبقى مجرد حبر على ورق فقط، ويتم تقديم التوصيات وتوثيق الانتهاكات مع عدم القدرة للوصول للحد من هذه الانتهاكات ومعرفة مصير المفقودين، أو الوصول لمعلومات عنهم.
والكثير يعتبر أنه وفق هذه الضغوطات الدولية كانت القرارات التي قام بها رئيس النظام السوري باصدار عديد من مراسيم العفو منذ عام 2011 وآخرها كان بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 30-4-2022 وفق المواد المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم (19) لعام 2012 وقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (148) لعام 1949 وتعديلاته لكن هذه المراسيم كانت نوع من الوهم واللعب على الوقت وإن كانت حقيقية فهي تعفي عن 10% وتترك ال 90% من الأشخاص المفقودين قسرًا والمعتقلين تعسفيًا بالإضافة إلى عدم وجود أي ضمان حقيقي للمطلوبين لنظام الأسد خارج البلاد عند عودتهم.
أما بالنسبة لجهود الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية فقد شكلت حكومة الائتلاف هيئة وطنية سورية باسم “الهيئة الوطنية لشؤون المعتقلين والمختفين قسرًا” كهيئة فنية مستقلة للدفاع عن المعتقلين لدى كافة الجهات وتمثيلهم في محافل دولية وبدأت الهيئة عملها في الشهر السادس من عام 2018 بالمشاركة في الدورة الثامنة والثلاثون لمجلس حقوق الإنسان لتنشيط دورها وتعاونها وتفاعلها مع كافة المعنين بقضية المعتقلين والمخفيين لكن تبقى جهودهم منقوصة فمنذ أحدَ عشر عاماً مازالوا لا يستطيعون دفع الأمم المتحدة للتعاطي مع قضية المختفين قسراً وتحويل القضية إلى الجمعية العامة بدل من مجلس الأمن الدولي لتجنب استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل حلفاء النظام كما كان يمكنهم استخدام ملف المجازر الجماعية وتحويلها إلى المحكمة الجنائية الدولية والجمعية العامة تحت مايسمى” الإتحاد من أجل السلام ” حسب القرار 5/377 الذي صدر عام 1950 كانت هذه الخطوة الأوفر لهم لتحريك الجهود الدولية فيما يخص جميع الملفات في النزاع السوري لكنهم لم ينفذوا هذه الحلول ولم يصلوا للكشف عن مصير هؤلاء الناس بل حولوا هذا الملف من ملف إنساني سياسي قانوني إلى مجرد ملف على طاولة المفاوضات كأي مكسب سياسي وليس كحقوق أساسية بعد عدة جولات تفاوضية غير ناجحة وبعد عدة سنوات صرّح رئيس الهيئة التفاوضية واللجنة الدستورية أن المعتقلين ملف فوق تفاوضي وطالب بتنفيذ قرار 2254 الذي يجتمع مع القرار 2042 الذي صدر في 2012 وطالب النظام بسحب قواته من المدن لكن كلاهما تطرقوا لمسألة الإفراج عن المعتقلين والمغيبين قسراً وأخيرًا يمكنني التحدث عنها في دور حكومة الائتلاف اللذين لم يستخدموا الورقة الرابحة اللتي كانت بيدهم عندما حولوا قضايا أساسية إلى مجرد مكاسب سياسية مؤقتة، فإن قضية المعتقلين والمختفين قسرًا والمخيمات ووقف إطلاق النار قضايا وملفات لا يتم المساومة عليها بأي شكل من الأشكال وفي وسط هذه الخيبات وجهود غير ناجحة على جميع الأصعدة مازال هناك متسع من الوقت يمكننا أن نتطرق لحلول بديلة كمجتمع مدني سوري أو جهة مختصة بهذا الملف أو حكومة الائتلاف أو أي جهة معنية فيها، من خلال حملات إعلامية قوية كورقة ضغط على المجتمع الدولي لإبقاء القضية حاضرة دائمًا في أذهانهم والتحدث عنها في جميع المحافل الدولية ونشر القضية على أوسع نطاق، وهذا يحتاج إلى ما نفتقده .
ومنذ بداية الثورة كان لابد من(جهة إعلامية قوية)، في هذا الأمر، وأيضًا في الجانب السياسي فمن خلال الحملات والمناصرة ضد الاختفاء القسري والعمل مع جهات فعَّالة دولية وإقليمية للضغط على حكوماتهم لإحداث خرق في هذا الملف ومن الناحية الجتماعية من خلال تسليط الضوء بشكل دائم إعلاميآ ًوسياسيآً على عائلات المختفين والمعتقلين ولا نكتفي بذكرهم فقط في اليوم العالمي للاختفاء القسري بل بشكل مستمر ودون أي إنقطاع .
وأود أن أختم بالقول إن الاختفاء القسري يعد من أخطر الوسائل القمعية غير المشروعة الذي يعاني منه آلاف من الشعب السوري، وفي النهاية ليست القضية قضية شعب واحد في دولة واحدة بل هي قضية إنسانية عالمية، دعنا نغمض أعيننا ونتخيل إختفاء فعلي لأحد أقربائنا أيًّا كان ” أب ،أخ ، أم ،إبن ” مجرد التخيل يشعرنا بألم ونغزات، فكيف وهي حقيقة يعيشها شعب بأكمله في نزاع دموي قمعي مستبد.
أما الذين تم اعتقالهم فلسان كل واحدٍ منهم يقول:( أين أنا) ؟ وتقول عائلاتهم (أين هو)؟ وهذا السؤال يجعلهم يعيشون على أمل من يأتي ويخبرهم أنه مازال على قيد الحياة، ودعنا نقول جميعنا كحالة إنسانية( أين هم)؟ نريدهم من حقنا وحق عائلاتهم معرفة مصيرهم ومعلومات عنهم وسنبقى نطالب بهم وبكل من ضحى في سبيل هذه الثورة من أجل نيل الحرية. لا للاختفاء القسري نعم للإفراج عنهم.
المصدر: إشراق