عدنان عبد الرزاق
إن نفدت المحروقات بسورية فثمة حطب يلجأ إليه الهاربون من برودة الشتاء، بل وبدائل كثيرة كان السوريون قد تركوها منذ عقود، كالتدفئة على احتراق روث الحيوانات، وأخرى ابتدعوها كقشور اللوزيات وبالات الألبسة المستوردة (الملابس القديمة) وحتى الأحذية القديمة.
وكأنّ كلّ شيء في سورية قابل للحرق للتغلب على شتاء مقبل ينتظر أن يكون قارساً، بواقع تراجع حصة الأسرة من 200 لتر إلى 50 لتراً من المازوت سنوياً، وفق ما يسمى البطاقة الذكية للمازوت المدعوم، ووصول سعر لتر المازوت في السوق السوداء إلى نحو 7 آلاف ليرة.
شح النفط
يقول خبير النفط السوري عبد القادر عبد الحميد إن سورية تعاني من شحّ في المشتقات النفطية بعد تراجع إمدادات إيران، التي عادت أخيراً عقب وصول باخرة الأسبوع الماضي، علماً أنّ الباخرة التي قبلها وصلت في نهاية شهر يوليو/تموز الماضي. ولم تتمكن سورية من التغلب على هذا الشحّ رغم تزويد “قوات سورية الديمقراطية” نظام الأسد بالنفط عبر شركة القاطرجي.
لكن هذا التزود لا تسد كمياته حاجة الاستهلاك المحلي (نحو 20 ألف برميل نفط يومياً بعد تفاهم شهر يونيو/ حزيران الماضي)، لأنّ استهلاك سورية من النفط، بتقدير عبد الحميد، لا يقل عن 150 ألف برميل يومياً، ينتج محلياً بمناطق النظام نحو 30 ألف برميل ويستورد من “قسد” نحو 20 ألف برميل، ما يوصل العجز إلى نحو مائة ألف برميل، مطلوب سده عبر الاستيراد.
ويضيف عبد الحميد لـ”العربي الجديد” أنّ حكومة الأسد قلصت حصة الأسرة من التدفئة، العام الماضي، من 200 ليتر إلى 50 لتراً، والتوقعات هذا الشتاء تصب في عدم رفع الكمية، بدليل تأخر وصول رسائل تسليم المازوت بالسعر المدعوم، الأمر الذي دفع السوريين للبحث عن بدائل مبكرة لمواجهة برد الشتاء.
وكانت وزارة النفط والثروة المعدنية لحكومة الأسد قد أعلنت، في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، عن بدء التسجيل على مازوت التدفئة بكمية 50 لتراً لكل أسرة “دفعة أولى” بسعر 500 ليرة للتر، في حين يصل سعر لتر المازوت لزوم الاستخدام الصناعي إلى 2500 ليرة، أما سعر المازوت بالسوق السوداء فيبلغ نحو 7 آلاف ليرة سورية (الدولار = نحو 4500 ليرة).
الحطب البديل الأهم
يتسابق السوريون لشراء الحطب لمواجهة برودة الشتاء، لأن تكاليف التدفئة اليومية باستخدام المازوت المباع في الأسواق تزيد عن 30 ألف ليرة سورية “بالحد الأدنى”، بحسب العامل في قطاع التجارة في دمشق منير جقمور، وهو ما لا طاقة لأكثر من 90% من السوريين على تكبده لأنّ متوسط الدخل 100 ألف ليرة شهرياً.
يضيف جقمور، خلال اتصال مع “العربي الجديد”، أنه تم اللجوء إلى الحطب الذي وصل سعر الطن منه إلى ما بين مليون و1.5 مليون ليرة، حسب النوع ودرجة الجفاف: “حطب الكينا الأرخص سعراً بنحو مليون ليرة للطن”. ويشير العامل في قطاع التجارة جقمور إلى نشوء أسواق جديدة لم تكن موجودة في دمشق، منها أسواق الحطب، لمواكبة تبدل طرق التدفئة.
موارد تدفئة مندثرة
يقول المواطن لؤي أبو فخر من محافظة السويداء جنوبي سورية، لـ”العربي الجديد”، إن بعض طرائق التدفئة القديمة “ما قبل الحطب”، عادت للظهور بواقع شح المازوت وغلاء سعره، مشيراً إلى تلاشي طرق التدفئة على الكهرباء، بسبب الانقطاع الذي يزيد عن عشرين ساعة يومياً.
ويضيف أبو فخر أنّ من “أغرب الطرق هو روث الحيوانات الذي يعاد تصنيعه من مخلفات الحيوانات صيفاً، وضغطه في شكل أقراص، ليباع بفصل الشتاء، كاشفاً أنّ سعر حمولة جرار صغير نحو 300 ألف ليرة، ليكون الأرخص بين طرق التدفئة، لكنّ رائحته لا تطاق وكمياته محدودة”.
ابتكارات المناطق المحررة
لم تكن المناطق المحررة، شمال غربي سورية، أفضل حالاً من مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، إذ ترتبط أسعار المحروقات في محافظتي إدلب وحلب بالأسعار في تركيا، بحسب العامل بقطاع بيع الحطب سامر عبد الرحمن من مدينة سرمين بريف إدلب، فسعر لتر البنزين الأوروبي 22.69 ليرة تركية وسعر لتر المازوت الأوروبي 19.38 ليرة تركية، ويوجد مازوت مكرر يدوياً “درجة أولى محسّن” بسعر 11.94 ليرة تركية (الدولار = 18.3 ليرة تركية).
وحول البدائل، يضيف العامل بقطاع بيع الحطب: “باتت في المناطق المحررة بدائل كثيرة، ويوجد تجار ومجموعات تعلن عن الأسعار بشكل يومي على هيئة “بورصة”، إذ يوجد الحطب بأنواعه المختلفة والسعر بالدولار، كما توجد قشور الفستق الحلبي بسعر 225 دولاراً للطن”.
يقول المواطن لؤي أبو فخر من محافظة السويداء جنوبي سورية، لـ”العربي الجديد”، إن بعض طرائق التدفئة القديمة “ما قبل الحطب”، عادت للظهور بواقع شح المازوت وغلاء سعره
تشير مصادر متقاطعة لـ”العربي الجديد” إلى تدهور نحو نصف المساحات الخضراء بسبب التحطيب أو الحرائق، فيما شكك كثير من المتحدثين بأن الحرائق لا تحصل مصادفة، بل تجار التحطيب والفحم يفتعلونها بتنسيق أو رعاية من “السلطة”، خاصة بجبال الساحل السوري.
تراجع رقعة الأشجار
وقالت مصادر من دمشق إن رقعة الأشجار والأحراش تراجعت بشكل كبير على ضفاف بردى بمناطق “الرز وسهلي مضايا والزبداني”، كما اختفت مزارع وأحراش منطقة “بئر عجم” بريف القنيطرة، جنوبي سورية، لينال جمع الحطب من غابات وأحراش وسط سورية “حمص وحماة”، إذ تفيد المصادر لـ”العربي الجديد” باختفاء أحراش الرستن ومناطق بالريف الشمالي، حيث تغيب الرقابة عن قطع الأشجار وتتفشى تجارة الحطب، حتى من الفصائل المسيطرة على الأرض.
وكان ناشطون من ريف حلب “عفرين وأعزاز” قد حذروا عبر موقع “عفرين بوست”، بعد نشر الصور ومقاطع الفيديو، من تدهور محصول الزيتون نتيجة قطع الأشجار وتراجع المساحة الخضراء والغابات.
ولا ينفي مستشار وزير الزراعة لشؤون الحراج بحكومة الأسد، علي ثابت، وجود قطع للأشجار بهدف استخدامها في التدفئة، بمحافظات عدة، مؤكداً أنّ حركة جمع الحطب لم تتوقف حتى خلال أشهر الصيف، وهي عبارة عن تعديات على الأحراج يجرى ضبطها ضمن القانون.
المصدر: العربي الجديد