منهل باريش
واصل المعلمون في منطقة درع الفرات بريف حلب الشمالي إضرابهم للأسبوع الثالث، على التوالي، منذ بدء العام الدراسي الحالي، تخللتها وقفتان احتجاجيتان في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، وطالبت نقابة «المعلمين الأحرار» في بيان مصور بثته النقابة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» كافّة المعلمين في المناطق المحرّرة «عدم الالتزام بالدّورة المعلن عنها مؤخّراً والالتزام بإضراب العز والكرامة حتّى تحقيق المطالب». وقال نقيب المعلمين الأحرار في فرع حلب، محمد صباح حميدي، من خلال البث على الصفحة الرسمية للنقابة أن «عبء العملية التعليمية تحملها المعلم وحده وعانى الفقر والظلم والتهميش، وتحمل الفوضى في التعليم وتحمل فوضى المجتمع، على الرغم من عمل المعلم في الظروف القاسية» ودعا النقيب لعقد مؤتمر وطني جامع للتعليم بمشاركة كافة الفئات والجهات في المجتمع لتناقش من خلاله مشاكل العملية التعليمية، مطالبًا بالكف عن إلقاء اللوم على المعلم وتحميله كافة المسؤولية دون معرفة الظروف التي يعانيها.
ويروج المعترضون على الإضراب أن السبب الرئيسي له، هو راتب المعلمين في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، المقدر بنحو 1100 ليرة تركية (60 دولارا أمريكيا) للمتزوج و1000 ليرة تركية (54 دولارا) للمعلم العازب، وتصرف التعويضات عبر المجالس المحلية في المدن والبلدات.
وحول سياق الإضراب، قالت الناطقة الرسمية باسم نقابة المعلمين الأحرار، سناء حسانو إن «الحركة الاحتجاجية للمعلمين بدأها تجمع المعلمين الأحرار العام الماضي، ومع تشكل النقابة، أعطينا المجالس المحلية فترة الصيف ومدتها ثلاثة أشهر لتدارك المشاكل في الحقل التعليمي». مضيفة «بدأنا الإضراب بعد عدم تعاون المجالس المحلية». وفصلت حسانو في أسباب الإضراب «بالتأكيد المنحة المالية هي أحد أهم الأسباب، لكن هناك أسبابا أخرى، مثل عدم تدقيق المناهج عند طباعتها، ومشاكل الامتحانات التي جرت خلال العامين الماضيين، إضافة لضيق وقت الامتحانات وتأخر صدور النتائج وكتابة أسئلة الامتحانات في تركيا وعدم الاعتماد على المعلمين في الداخل» وأشارت في اتصال مع «القدس العربي» إلى أن «إلغاء المرحلة الإعدادية واعتبارها مرحلة انتقالية هو قرار كارثي، حيث يصل بعض الطلاب إلى الثانوية وهم لا يعرفون القراءة والكتابة بشكل جيد» وأردفت المتحدثة أن «ازدحام الصفوف بالطلاب يعيق عملية التواصل فلا المدرس قادر على شرح المادة العلمية ولا الطلاب قادرين على استيعاب المادة في صفوف يبلغ عدد الطلاب فيها نحو 50 طالبا». وزادت «لا يوجد نظام داخلي لمديرات التربية، والمديريات لا تنسق فيما بينها، كما أن الخطة الدراسية لا تراعي أصحاب الاختصاص والقدم الوظيفي».
وفي البحث في الحلول ومحاولة الخروج من المأزق، دعا اتحاد النقابات المهنية إلى انعقاد «المؤتمر الوطني الأول للتعليم ما قبل الجامعي في المناطق المحررة في جامعة حلب في أعزاز» الخميس، حضره ممثلون عن أغلب النقابات والفعاليات الحكومية، بما فيها الحكومة السورية المؤقتة، فيما غاب عنه ممثلو المجالس المحلية بالرغم من دعوتهم والإصرار عليهم بشأن الحضور، توصل الحضور إلى «تشكيل لجنة تنسيق ومتابعة» لمخرجات المؤتمر تتكون من مندوبين عن وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة والمكاتب التعليمية في المجالس المحلية ونقابة المعلمين السوريين الأحرار بهدف حوكمة العملية التعليمية وتوحيد الجهود في دعمها وتطويرها في المناطق المحررة. كما قرر المؤتمر «اعتماد نقابة المعلّمين السوريين كممثل شرعي ووحيد للمعلمين في المناطق المحررة». وعلمت «القدس العربي» من مصادر متقاطعة في المؤتمر أن اللجنة ستمهل المجالس المحلية أسبوعا للتجاوب مع عملها وإلا ستذهب الأمور إلى مزيد من التصعيد ضد المجالس المحلية التي تشرف على عملها الحكومة التركية من خلال ولايتي غازي عنتاب وكليس. في السياق، رفضت المجالس المحلية حضور المؤتمر والمشاركة فيه رغم انها المشرفة تقنيا من خلال المكاتب التعليمة في المجالس على عمل الحقل التعليمي كاملاً، بخلاف المجالس، حضرت الحكومة الموقتة العاجزة عن أي دور تستطيع تقديمه فهي تتلقى مصاريفها الشهرية من واردات المعابر مثلها مثل المجالس المحلية وليس لديها ميزانية تمكنها من لعب أي دور أو اتخاذ قرار مستقل عما يقرره الولاة الأتراك في الداخل السوري. هذا، ونظم عشرات المعلمين، مطلع أيلول (سبتمبر) الجاري وقفة أمام المجلس المحلي في مدينة الباب، احتجاجا على تدني أجور المعلمين والعاملين في المدارس العامة وصعوبة أوضاع المعيشة للمعلمين، كما عبر المعلمون عن غضبهم من الفساد والإهمال الذي تعاني منه المؤسسات التعليمية بريف حلب، وطالبوا بتحسين العملية التعليمية، ورفع رواتبهم المتدنية، مؤكدين على إصرارهم على مطالبهم حتى تنفيذها كاملة. وفي وقت سابق، نظمت الكوادر التعليمية في مدينة اعزاز منتصف الشهر الجاري وقفة مماثلة. وتصرف رواتب المعلمين في مدن الباب واعزاز وجرابلس وراس العين وتل أبيض وعفرين من ولايات هاتاي وكليس وغازي عنتاب وشانلي أورفه ويستلمها المعلمون من خلال حسابات مصرفية خاصة بهم في مؤسسة البريد التركي «PTT» التي افتتحت عدة فروع لها في الداخل السوري وأجبرت الحكومة التركية كل العاملين في منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية والإغاثية على استلام رواتب العاملين فيها في الداخل السوري عبر مؤسسة البريد التركي وبالليرة التركية بدلا من الدولار الأمريكي.
ونظم المعلمون في كل بلديتي الكشكشة وأبو حمام بمنطقة سيطرة «الإدارة الذاتية» شرق نهر الفرات وقفة احتجاجية وإضرابًا عن العمل احتجاجًا على المناهج التعليمية التي أقرتها «الإدارة».
وطالب المعلمون في مجمع الفرات التربوي «هيئة التعليم» بوقف فوري لتوزيع المنهاج الجديد في دير الزور مشترطين عودة طلاب المدارس والبدء بالعام الدراسي بهذا الإجراء، وأكدت مصادر محلية لـ«القدس العربي» أن معظم الأهالي في دير الزور منعوا أبناءهم من الذهاب إلى المدارس بسبب المناهج الجديدة التي تتعارض مع طبيعة المجتمع العشائري في شرق الفرات. وعبر المعلمون العرب من خلال الوقفة عن استيائهم من الواقع المعيشي وطالبوا بزيادة الرواتب وربطها بسعر صرف الدولار وليس الليرة السورية، كما طالبوا بحماية المدارس وتأمين حراسة لها وصرف رواتب عقود الأمومة للمعلمات.
أما في منطقة عملية «نبع السلام» التركية، فقد كانت الأجواء أكثر هدوءا ولم تنتقل عدوى الاحتجاجات من شرق المنطقة حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية «قسد» أو من غربها حيث تسيطر فصائل الجيش الوطني السوري المعارض.
وفي تصريح لمدير مكتب التعليم بالمجلس المحلي في تل أبيض، مقرىء حاج إمام، ذكر أن قرابة 49 ألف طالب باشروا العام الدراسي الجديد في 485 مدرسة في مدينتي تل أبيض وراس العين. موضحا أنه جري ترميم وإصلاح 90 مدرسة منذ 2019 فيما تتواصل أعمال الترميم في 11 مدرسة إضافية.
تعتبر الحركة الاحتجاجية للمعلمين في منطقة درع الفرات هي أكبر اعتراض غير مباشر على طريقة الإدارة التركية لمناطق نفوذها، وسيدفع استمرار الإضراب الأتراك في شمال سوريا إلى إعادة النظر بالهياكل الإدارية المفروضة على السوريين سواء في ملف التعليم أو في ملف الصحة حيث يشكي العاملون في القطاع الطبي دائما من سوء إدارته وقلة رواتب العاملين السوريين مقارنة بنظرائهم الأتراك.
المصدر: القدس العربي