وائل عصام
يشكو اللاجئون السوريون من تصاعد الممارسات العنصرية في المدارس التركية، وخاصة في العام الدراسي الجديد الذي انطلق قبل أسبوعين. ويبدو أن الخطاب التحريضي ضد اللاجئين السوريين الذي يسود الشارع التركي، قد أسهم في تنامي حدة السلوكيات العنصرية في المدارس، حيث الاحتكاك المباشر بين الطلاب الأتراك وأقرانهم السوريين.
ويتحدث اللاجئ السوري بدر المقيم في ولاية كلس التركية لـ«القدس العربي» عن شعوره الدائم بالخوف على طفليه، مؤكداً أنهما تعرضا للتنمر لأكثر من مرة من قبل الطلاب الأتراك. ويروي تفاصيل حادثة تعرض لها طفله في الصف الثاني الابتدائي، مختصرها أن أحد رفاقه الأتراك نعته بـ»القذر» لأنه «كما كل السوريين»، وحسب تأكيد بدر، فإن سلوك الطفل التركي ناجم عن ترديد هذه العبارات من قبل عائلته، وفي الشارع أيضاً. أما اللاجئة السورية مريم، فتحاول جاهدة إقناع ابنتها التي تدرس في الصف العاشر بعدم ترك المدرسة، تقول لـ«القدس العربي» إن ابنتها دائمة الشكوى من التعرض للمضايقات من قبل الطلاب الأتراك.
وتوضح أن ابنتها دائماً ما تعود من المدرسة وهي تبكي، جراء التعرض للمضايقات اللفظية «العنصرية»، وتعلق: «تطلب دائماً أن تترك المدرسة، وأنا أمنعها وأقول لها أن تدع المضايقات جانباً، وأن تركز على دروسها». وحول نقل هذه الشكاوى إلى إدارة المدرسة، تؤكد مريم أن الإدارة تقف عاجزة عن مواجهة هذا السلوك الذي يأخذ منحى تصاعدياً من قبل غالبية الطلاب الأتراك، مبينة أن «إدارة المدرسة وبعض المعلمين لا يوافقون على هذه السلوكيات». ووفق روايات وصلت لـ«القدس العربي» من لاجئين سوريين، فإن بعض العائلات امتنعت عن إرسال أطفالها إلى المدارس، خشية تعرضهم لاعتداءات جسدية، وهو ما تؤكده الأرقام الحكومية التركية حول تسرب ثلث الأطفال السوريين في سن التعليم.
وفي تموز/يوليو الماضي، أعلنت وزارة التربية التركية أن 393 ألف طفل سوري لا يذهبون إلى المدارس في تركيا في العام الدراسي 2021-2022، حيث التحق 730 ألف طفل سوري لغاية كانون الثاني/ يناير 2022 من أصل مليون و124 ألف طفل سوريين في سن التعليم والخاضعين للحماية المؤقتة بالمدارس فقط.
وفصل التقرير أن نسبة الطلاب السوريين الذين يلتحقون بالمدرسة الابتدائية 75 في المئة، بينما يلتحق ما يعادل 42 في المئة فقط بالتعليم الثانوي، وتبلغ نسبة الأطفال الملتحقين برياض الأطفال34 في المئة فقط. وحول أسباب التسرب، أشارت وزارة التربية إلى وجود أسباب عدة، منها اختلاف نظام التعليم في سوريا والذي ينقسم إلى 6 صفوف ابتدائية، و3 صفوف مرحلة إعدادية، و3 صفوف مرحلة ثانوية، حيث تعدّ المرحلة الثانوية غير إلزامية في سوريا. كذلك حسب التقرير، فإن من أحد أسباب التسرب الدراسي تفضيل الأبناء المساهمة في ميزانية الأسرة بعد التعليم الإعدادي، بسبب الحالة المادية الصعبة التي تعيشها الأسر السورية.
لكن الناشط الحقوقي في قضايا اللجوء السوري طه الغازي، يؤكد لـ«القدس العربي» أن الممارسات العنصرية أسهمت فعلاً في زيادة المخاوف لدى العائلات السورية من إرسال أطفالهم للمدارس، ولا سيما أن الشهور الماضية سجلت زيادة في ظاهرة الاعتداءات اللفظية ضد الطلاب السوريين من قبل أقرانهم الأتراك، تحت تأثير الاحتقان في الشارع التركي. وحول الحلول، يشير الغازي إلى مسارات عديدة، أهمها تضمين المناهج الابتدائية على وجه الخصوص مقررات لتلقين فكرة التعايش مع الآخر للطفل التركي، الذي يتأثر بمحيطه المجتمعي وبما يتلقاه من الإعلام.
كذلك، يلفت الغازي إلى ضرورة إجراء برامج ميدانية من قبل رئاسة الهجرة، تستهدف الكوادر التعليمية التركية، وخاصة أن العنصرية باتت تظهر من جانب بعض المعلمين والمدراء الأتراك، وهي الجانب الأخطر. وحسب الغازي، فإن ما يدل على ذلك رفض بعض مدراء المدارس الأتراك تسجيل الطلاب السوريين، بذريعة عدم وجود مقاعد صفية، وخاصة في الصف الأول الابتدائي. كذلك، وفق الناشط لا بد من التوجه لأولياء الطلاب الأتراك من خلال برامج محددة، لأنهم هم الأكثر تأثيراً على أطفالهم.
في المقابل، لا يمكن تعميم ما سبق على كل المدارس التركية، وخاصة في بعض المناطق التي يغلب على سكانها الطابع المحافظ، فالممارسات العنصرية في الشارع التركي تختلف حدتها حسب طبيعة سكان المناطق والمحافظات، وانتماءاتهم الحزبية الأيدولوجية والمذهبية في بعض الأحيان.
وهذا ما يشير له لاجئون سوريون في ولايات تركية عديدة لـ«القدس العربي» ويشيرون إلى أكثر من حالة تفوق للطلاب السوريين على أقرانهم الأتراك في المدارس التركية، وهو الأمر الذي لم يتحقق ما لم تكن اجواء الدراسة مطمئنة. وتقول صحيفة «يني شفق» التركية المقربة من حزب العدالة ذو الجذور الاسلامية، تقول الصحيفة في تقرير لها رصدته «القدس العربي»إن الكثير من الطلاب السوريين استطاعوا أن يقدموا نموذجاً صالحاً في بلد الغربة، على مختلف مستويات التعليم ابتداء من المرحلة الابتدائية وصولاً للجامعة والدراسات العليا.
وتضيف أن هذا النموذج باتت تحتاجه الجالية السورية في تركيا كثيراً وسط هجوم أطياف من المعارضة التركية على تواجدهم هناك، وإثارة العديد من الإشكاليات والتعميم، بسبب أخطاء يرتكبها بعض السوريين.
المصدر: «القدس العربي»