ما الذي تسبب في تدهور الاقتصاد المصري بهذه الوتيرة؟.. يحاول تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي”، الإجابة على هذا السؤال عبر استعراض ما حدث، وما يجب أن يحدث الآن لمحاولة إيقاف أو إبطاء القاطرة التي تنحدر لأسفل بسرعة كبيرة.
ويقول التقرير، إن الجنيه المصري سجل أدنى مستوياته على الإطلاق أمام الدولار، قبل نحو أسبوع، بعد أن طبق البنك المركزي المصري سعر صرف مرن لتأمين قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
وتراجع الجنيه إلى 24 جنيها مقابل الدولار للمرة الأولى، مع توقع محللين مزيدا من الانخفاض.
وبينما تستعد مصر للترحيب بقادة العالم الأسبوع المقبل كمضيف لمؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين لتغير المناخ، أو COP27، فإن اقتصاد البلاد المحاصر يتعثر، بعد أن ضربه جائحة COVID-19 ثم صدمات أسعار السلع في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
المستثمرون الأجانب يفرون من البلاد
ويقول التقرير، إن مصر لطالما كانت الخيار الأفضل لمستثمري الأسواق الناشئة، فقد أصبحت تعتمد بشكل كبير على الأموال الساخنة.
وينقل عن “ميريت مبروك”، مديرة برنامج مصر في معهد الشرق الأوسط: “عندما يكون لديك تباطؤ عالمي مثل ما نشهده الآن، فإن أول شيء يفعله مديرو الصناديق، هو نقل أموالهم من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة، والتي يُنظر إليها على أنها أكثر استقرارًا”.
وتضيف: “كانت هناك بالفعل سلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي كان على مصر القيام بها، وكانت بطيئة فيها”.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة المصرية لم تتحوط للتخفيف من الاعتماد المفرط على التمويل الخارجي.
وفي بداية الحرب في أوكرانيا، سحب المستثمرون الأجانب حوالي 20 مليار دولار من مصر بين فبراير/شباط ومارس/آذار، وما زاد من المشكلة هو أن غالبية الأموال العامة في مصر ذهبت لتسهيل سداد الديون.
تقييمات مبالغ فيها
وواصلت المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي نشر معدلات نمو للاقتصاد، ومع ذلك، كما جادل “يحيى حامد”، في مقال سابق بـ”فورين بوليسي” عام 2019: “كانت هذه التقييمات مبالغ فيها بنفس الطريقة التي قد يبالغ بها المرء في دخله من خلال الاقتراض بما يتجاوز إمكانياته”.
ويرى التقرير أن السماح بتحديد قيمة الجنيه من قبل قوى السوق (التعويم) هو جزء من حزمة الإصلاح المالي التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، لكن هذا سيزيد من التضخم وتكاليف الواردات على المدى القصير، مما يسبب صعوبات في بلد 60% من السكان فقراء أو معرضون للخطر.
وتعتمد مصر بشدة على القمح من روسيا وأوكرانيا، وهي تكافح بالفعل معدل تضخم يبلغ 15%.
وبالإضافة إلى الصفقة البالغة 3 مليارات دولار، ستتلقى مصر 5 مليارات دولار من مانحين دوليين مجهولين ومليار دولار من صندوق الصندوق الدولي للصمود والاستدامة المنشأ حديثًا.
جاثوم الديون
وهذه الحزمة من القروض، والتي تم الاتفاق عليها الأسبوع الماضي هي الرابعة في البلاد منذ تولي “عبدالفتاح السيسي” السلطة بعد انقلاب عام 2013، مما جعل مصر ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.
وفي المجموع، تدين مصر للمؤسسات متعددة الجنسيات بحوالي 52 مليار دولار.
وفي السنوات العشر الماضية، ارتفع الدين الخارجي لمصر من 37 مليار دولار في عام 2010 إلى ما يقرب من 158 مليار دولار في مارس الماضي.
ويعتقد الاقتصاديون أنه سيتجاوز 190 مليار دولار بحلول نهاية العام.
وكجزء من صفقة صندوق النقد الدولي، وافقت مصر على إجراء سلسلة من التغييرات تهدف إلى زيادة ثقة المستثمرين، بما في ذلك إزالة قيود الاستيراد التي تم فرضها في مارس لحماية احتياطياتها الأجنبية.
للمساعدة في مواجهة تبعات رفع الأسعار بشكل صاروخي، أعلنت القاهرة أيضًا عن زيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات لموظفي القطاع العام.
ويتمتع بعض أفقر المواطنين في مصر ببعض الحماية بسبب برامج التحويلات النقدية الحكومية ودعم السلع الأساسية مثل الخبز.
ومن وجهة نظر “ميريت مبروك”، فإن “الأشخاص الأكثر تعرضًا للضغط هم من الطبقات الوسطى، فهم ليس لديهم ما يكفي من المال لدعم أنفسهم حاليا، لكنهم ليسوا فقراء بما يكفي للتأهل للحصول على مساعدات حكومية”.
ولتعزيز التمويل بشكل أكبر، أعلن “السيسي”، السبت الماضي، أن حكومته ستمنح “تراخيص ذهبية” لجميع المستثمرين المتقدمين لمدة 3 أشهر.
تمنح التراخيص الموافقة للمستثمرين على شراء أو استئجار الأراضي وتشغيل وإدارة المشاريع دون الحاجة إلى الحصول على موافقة من جهات حكومية متعددة.
وكان “السيسي” يأمل بأن تؤدي مساعدات واستثمارات جديدة من الحلفاء الخليجيين إلى مزيد من الاستقرار الاقتصادي، حيث شهدت خطة الإنقاذ الخليجية السابقة تعهدات بقيمة 22 مليار دولار من الإمارات وقطر والسعودية.
اقتصاد الجيش
وفقًا للبنك الدولي، نما الاقتصاد المصري، لكن هذا التوسع كان مدفوعًا إلى حد كبير بتطورات البنية التحتية للدولة التي يشرف عليها الجيش.
ومن إنتاج المعكرونة إلى أعمال الطرق، يشارك الجيش المصري في جميع قطاعات الاقتصاد تقريبًا.
كانت هناك انتقادات شديدة لـ”المشاريع المغرورة” التي ينفذها “السيسي”، بما في ذلك رصد 60 مليار دولار تقريبا لعاصمة إدارية جديدة.
وفي أغسطس/ آب الماضي، قال باحثون في “هيومن رايتس ووتش” إنه يجب إجبار القاهرة على تنفيذ إصلاحات هيكلية قبل تلقي أي حزمة إنقاذ.
جادل “عمرو مجدي” و”سارة سعدون” من المنظمة بأن “التدخل العسكري القوي في الاقتصاد والمحمي من الرقابة المدنية، هو جزء رئيسي من مشاكل الحكم في البلاد”.
ويؤكد هؤلاء أن “مطالبة الحكومة مرة أخرى بخطة إنقاذ بعد أن قام صندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى بضخ الأموال في اقتصادها لسنوات، يوضح أنه دون معالجة هذه المشاكل، فإن صندوق النقد الدولي يسكب الرمال في غربال”.
ومن أجل استمرار أعمال القطاع الخاص، يلاحظ المراقبون أنه سيتعين على القاهرة تقليل احتكار الجيش.
وقدم “السيسي” تلك الوعود، بما في ذلك خصخصة معظم الشركات المملوكة للدولة.
المصدر | Nosmot Gbadamosi/فورين بوليسي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد