معقل زهور عدي
كانت حماة كتلة اجتماعية تنصهر فيها كل الفروقات , ” الحموية ” أقوى من أي هوية أخرى , وكان هناك اعتزاز غير عادي بهوية تلك المدينة الصغيرة , كنت تسمع الرجال يتهامسون في جمعاتهم ” صيت حماة معروف في لبنان ” أنت حموي إذن أنت قبضاي , أخبار المعارك مع جيش الاحتلال الفرنسي كانت تتناقل كما أسطورة الياذة , حتى إنني وصلت وأنا طفل إلى اعتقاد راسخ أن حماة قد انتصرت على الفرنسيين وأذلتهم , لاحقا عرفت من التاريخ أن ثورة حماة عام 1925 كانت ملحمة بطولية لكنها لم تنتصر , وأن الحاكم الفرنسي فرض جمع كل الأسلحة , وأن المدينة قصفت بالمدفعية والطيران واستشهد فيها أكثر من 350 شهيد مدني . وأن الثوار انسحبوا في النهاية خارج المدينة .
لكن قصة البطولة بقيت كأسطورة حموية .
من يعيش في حماة يصبح بسرعة حمويا , فحماة لاتترك له أي مكان يبني فيه خصوصيته , المسيحي فيها كما المسلم حموي حتى الثمالة , الغني ابن عائلة الذوات والفقير سواء في حمويتهم , هنا تذوب الفروق أمام الهوية , حتى عوائل حماة ذات الأصول غير العربية تجدها غارقة في حمويتها ,
الهوية الحموية كانت كثيرة الدلالة لأهلها , فهي توحي لهم بالأصالة والرجولة والعنفوان , بالتميز والإقدام , بالبطولة والتضحية والروح الوطنية , والعروبية التي تختلط مع النخوة والكرم , لست أدري كيف ومتى تجمعت كل تلك المعاني لتصنع تلك الأسطورة – الهوية . ربما بعد ثورة 1925 , وربما بعد محاصرة الجيش الفرنسي في ثكنته في تلة البرناوي عام 1945 . لكنها على الأرجح تختلط مع ذاكرة جمعية مغرقة في القدم , فحماة من مدن بلاد الشام القليلة التي وقف الصليبيون عند تخومها , لكن لم يدخلوها .
وفخرها يرتبط أيضا بالمملكة التي أنشأها فيها الأيوبيون , ووصلت في عهدهم لتكون من أهم وأجمل مدن بلاد الشام , وبقيت آثار ذلك التطور في عهد المماليك أيضا حين أصبحت مركزا تجاريا للتجار الأوربيين القادمين لشراء الحرير والقطن .
المصدر: صفحة معقل زهور عدي