د- محمد مروان الخطيب
يحتفل المجتمع الدولي بيوم حقوق الإنسان في 10 كانون الاول، هذه الذكرى التي اعتمدت في الجمعية العامة للأمم المتحدة رسمياً في العام 1950 احتفالاً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948، والذي اعتبر المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه جميع الشعوب. وقد تضمن الإعلان بمواده الثلاثين مجموعة واسعة من الحقوق والحريات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد في كل مكان، دونما تمييز على أساس الجنسية، أو الأصل الوطني، أو العرقي، أو الدين، أو اللغة، أو أي وضع آخر.
كان الهدف من هذا الإعلان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من حقوق متساوية وثابتة، تشكل أساسًا للحرية والعدل والسلام في العالم، في محاولة لطي صفحة التمرد على الطغيان والاضطهاد الذي كان وما يزال نتيجة لتجاهل حقوق الإنسان وازدرائها، مما أفضى إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني، حيث إن البشرية تداعت إلى عالم يتمتعون فيه بحرية القول والعقيدة وبالتحرر من الخوف والفاقة، في ظل نظام يعتمد على سيادة القانون.
وإن كان مفهوم حقوق الإنسان قد أصبح مصطلحاً يتم تداوله على نطاقٍ واسع، بما تضمنه من موادٍ حول الحق في الحياة بكرامة؛ والحرية والأمن؛ وحرية التنقل؛ والحق في الجنسية والتعليم؛ والمعاملة العادلة بين البشر والاحترام؛ فضلاً عن حرية التعبير والرأي، والحماية من التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد عرًف دستور عام 1973 الجمهورية العربية السورية بأنها دولة ديمقراطية شعبية اشتراكية ذات سيادة، حيث “الحرية حق مقدس”. ومع ذلك، فإن ما كان سائداً متوافق مع الاتجاه العام للدولة الشمولية من تآكل الحريات لدعم الهيكل القائم على الحكم الاستبدادي. إذ اعتمدت العصابة المغتصبة للسلطة على اختزال مؤسسات الحكم بشخص وقرارات ورغبات رأس العصابة، وبالتالي اعتبار معاهدات الشرعية العامة لحقوق الإنسان لتزيين الدستور، وليس للأخذ بمضامينها. مما جعل الهيكل القانوني السوري مكتظاً بالعديد من القوانين الاستثنائية التي تتناقض أحكامها مع ضمانات حقوق الإنسان المنصوص عنها في المواثيق الدولية، بدءاً من إنهاء استقلالية القضاء إلى إحداث أنماط من المحاكم الاستثنائية، مثل المحاكم العرفية ومحاكم أمن الدولة.
وتجسدت فلسفة هذه العصابة المغتصبة للسلطة تجاه حقوق الإنسان بشكل واضح، منذ الحراك الشعبي في آذار/مارس2011، بمواجهة الحراك السلمي للمدنيين بالرصاص الحي بدايةً، واعتقال آلاف المتظاهرين ومنهم نساء وأطفال، وممارسة التعذيب بحق أغلبهم. ثم عمدت قوات الأمن والجيش والشبيحة لتنفيذ عمليات عسكرية واسعة، للمناطق الثائرة صاحبتها عمليات نهب وتدمير للممتلكات، وتهجير أعداد كبيرة منذ عام 2012 لتصل خلال سنوات ثلاث إلى أكثر من سبعة ملايين مهجر في دول الجوار والدول الأوربية وستة ملايين مهجر في المناطق الخارجة عن سيطرة العصابة، وذلك بعد أن إضافة العصابة استخدام البراميل المتفجرة التي فاق عددها أكثر من 80 ألف برميل متفجر ألقيت على المدن والتجمعات السكانية وتوجتها بالهجمات المتكررة بالسلاح الكيماوي بدءاً من منطقة غوطة دمشق وصولاً إلى خان شيخون.
وإن كانت عمليات التعذيب التي مارستها الأجهزة الأمنية في مراكز الاحتجاز، بهدف انتزاع الاعتراف من الناشطات والناشطين المطالبين بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والذين كانت أبرز التهم التي توجه إليهم تبدأ بإثارة النعرات الطائفية، وتهديد نظام الحكم، وإضعاف الشعور القومي، ودعم وتمويل الإرهاب، ووهن نفسية الأمة، لتتصاعد الأمور وتصل لمرحلة الإخفاء القسري. وكانت قمة الانتهاك لحقوق الإنسان أن تبدأ عصابات الأسد منذ مطلع عام 2018 إلى البدء بتسجيل حالات الاختفاء القسري باعتبارهم وفيات. وقد وصلت هذه الحالات حتى عام 2021 إلى حوالي 991 حالة بينهم تسع أطفال، وما هذا إلا انعكاس لاستمرار نظام الاستبداد لأكثر من خمسين سنة، والافتقاد لثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، بما فيها برامج الأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة، وسيادة البنى التقليدية ضمن المجتمع من الطائفة والعشيرة والغياب الكامل لمنظمات حقوق الإنسان.
لم يكن تغييب منظمات المجتمع المدني في سورية محض صدفة، إنما نتاج سياسة معتمدة لنظام سلطوي يعتبر دعاة حقوق الإنسان مجرمين، وتخضعهم للعقاب القاسي؛ وتبرز قضية لجنة الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية كمثال، حيث قضى خمسة من أعضائها عقوبات بالسجن لمدد تتراوح بين ثماني وعشر سنوات، أصدرتها محكمة أمن الدولية العليا عام 1992، مما أدى لغياب المنظمات المحلية التي تراقب أحوال حقوق الإنسان علناً وتذيع أنباءها، وظلت المعلومات عن التطورات في هذا الصدد سلعة نادرة، بالرغم من المطالبات الدولية بأن تعترف السلطات السورية بحق المواطنين في تشكيل منظمات غير حكومية مستقلة، والإفراج عمن سٌجِنوا لممارستهم حرية تكوين الجمعيات والتعبير بصورة سلمية. وتابعت عصابات الأسد إقصاء المثقفين المتنورين عن التأثير في الشأن العام، بل سجنت غالبية الناشطات والناشطين الحقوقيين لمجرد تفكيرهم بالتغيير والمطالبة بأبسط حقوق الإنسان التي تنص عليها المعاهدات الدولية التي وقع عليها النظام.
وإن كان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد اتخذ في دورته الحادية والخمسين والمنعقدة بتاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2022 قراراً يقضي بإدانة النظام السوري بسبب انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان في سورية، وهو ما يعيد قضية الشعب السوري إلى دائرة الضوء، ويبعث الأمل نحو جهود المساءلة ومحاسبة المجرمين، وإعادة تفعيل العملية السياسية والمضي قدماً في تنفيذ القرار 2254. حيث إن الحكومة السورية، من منظور سياسة الدولة، قد ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك القتل العمد والقتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والعنف الجنسي. وهنا يبرز دور الشرائح الواعية من المجتمع السوري في دول المهجر والمناطق الخارجة عن سيطرة عصابات الأسد، والتي يفترض بها أخذ المبادرة والعمل على الاستفادة من هامش الحرية المتاح، وتشكيل آليات تحيي هيئات المجتمع المدني لتكون قاعدة لرفع الوعي المجتمعي بحقوق الإنسان، وتشكيل أداة مقاومة في مواجهة أي بوادر لسيطرة قوى ذات ميول استبدادية في أي مستوى كان ضمن هياكل الإدارة في البلاد.
المصدر: إشراق