كنت اتمنى ان يحمل مقالي الاول في “المجلة” بحلتها الجديدة قليلا من التفاؤل، كنت أرغب بشدة ان يبتعد اقله عن السوداوية. لكن الكلمة مسؤولية، وأمام هول ما حصل، تيقنت ان مسؤوليتي تحتم علي الكتابة عما استجد من مآسٍ في سوريا، عن الكارثة التي حلت ، عن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، وعن حجم ما اضافه من معاناة جديدة فوق معاناة السوريين، عن العجز الذي أصاب الجميع.
ما يقارب ال12 عاما مرت على اندلاع الثورة السورية، ومنذ ذلك الحين تكاد تعد على اصابع اليد الايام التي تمضي دون الاعلان عن مقتل مدنيين سوريين، ان بالقصف او تحت التعذيب او بالسلاح الكيماوي او جوعا تحت الحصار، او غرقا اثناء محاولة الهرب من اهوال ما يعيشون. كان ينقص هذه التراجيديا السورية زلزال كالذي ضرب مناطق في تركيا وسوريا وخلف الاف الضحايا والجرحى والمفقودين.
وان كان الزلزال ليس كالبراميل المتفجرة والصواريخ التي كان يسقطها بشار الاسد وحلفائه على رؤوس السوريين، فهذا من نتاج الطبيعة وليس حكرا على السوريين، وقد يضرب اي مكان في العالم ويقتل ايا كان، الا ان نظام الاسد ابى الا ان يكون الزلزال عندما يصيب السوريين ليس كمثله عندما يصيب غيرهم.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه “المجلة” مباشرة الى بريدك.
Top of Form
Bottom of Form
تخضع اشتراكات الرسائل الإخبارية الخاصة بك لقواعد الخصوصية والشروط الخاصة بـ “المجلة”.
ساعات قليلة بعد وقوع الزلزال،- وفيما الهزات الارتدادية مستمرة والعالم بأسره يعيش حزنا على من قضوا بهذه الكارثة، اتراك او سوريون او الى اي جنسية انتموا. ساعات قليلة أطل بعدها بشار الاسد فيما قيل انه اجتماع لمتابعة تطورات الزلزال، وحده في تلك اللحظات كان ضاحكا، زاهيا فرحا، هل يعقل ان تكون الصورة من اجتماع سابق واستعملت “بالخطأ” مع خبر الزلزال؟ لا . هي صورته بُعيد ساعات على وقوع الزلزال ودفن الاف البشر تحت الانقاض.
صورة اعادت للاذهان صورة ميشال عون، الرئيس اللبناني السابق بعيد انفجار مرفأ بيروت في 4 اغسطس/ آب 2020، يومها قال عون ان قادة العالم عادوا للاتصال به بعد قطيعة. بشار الاسد لم يقل شيئا، أقله لم اسمع انه صرح بشيء مشابه، لكن ضحكاته كانت ابشع واقسى من اي تصريح، هو ايضا رأى في دمار سوريا وموت الالاف من ابنائها واطفالها فرصة ليعاود قادة العالم الاتصال به. ولمَ لا، فهذه المرة ليس هو سبب موتهم ولا سبب دمار مدنهم، انها الطبيعة، قتلت في لحظات ما قد يستغرق ايام ليقتلهم هو ومن معه، ودمرت ما كان سيكلفه عشرات البراميل المتفجرة ليدمره.
لم تكد تمضي ساعات على وقوع الفاجعة، حتى انطلقت ابواق موالية للنظام السوري واخرى كانت تدعي الحياد، لتبدأ حملة “ارفعوا الحصار عن سوريا”، ارفعوا العقوبات” كي تتمكن “الدولة” من انقاذ ما يمكن انقاذه من ارواح، ولتمد يد العون للمتضررين.
حملة تضليل ممنهجة، فلا سوريا تحت الحصار، ولا عقوبات تمنع من ايصال المساعدات الانسانية الى سوريا. في الواقع وحده بشار الاسد من يمنع وصول المساعدات الى المناطق الاكثر تضررا من الزلزال، فهذه المناطق خارجة عن سيطرته، وقبل ان يضربها الزلزال لم يوفر اي جهد هو ومعه حليفيه الروسي والايراني من تدميرها، وكم من مرة مارست روسيا حق النقض “الفيتو” في مجلس الامن لتمنع دخول المساعدات الى السوريين؟
قام نظام الاسد، مستغلا الفاجعة، بحملة علاقات عامة ودعاية نفذها مجموعة من الفنانيين والصحافيين والسياسيين سوريين وغير سوريين، متاجرين بمأساة السوريين، داعين الى “تحييد السياسة عن هذه الكارثة”، بينما في الواقع كل ما فعلوه من اللحظة الاولى لوقوع الزلزال وخروج الاسد ضاحكا فرحا بما حل، هو استغلال الزلزال لاهداف سياسية.
سوريا ليست دولة محاصرة، كما كان حال العراق بعد اجتياح الكويت، وسوريا الدولة ليست تحت أي نوع من العقوبات، لا الأممية ولا الأميركية ولا الأوروبية، والعقوبات المفروضة هي عقوبات على افراد وكيانات محددة لثبوت ضلوعها بارتكاب الجرائم وعمليات القتل الممنهج ضد السوريين.
“قانون قيصر” لا يفرض عقوبات على سوريا، ولا يمنع التبادل التجاري معها الا بما يتعلق بالاسلحة وما يمكن استخدامه من قبل شخصيات محددة لارتكاب جرائم بحق السوريين، لا بل ان قانون قيصر نفسه يلزم الرئيس الأميركي بوضع استراتيجية مناسبة للمساعدات الإنسانية.
سوريا ليست تحت الحصار، وتجارتها مع العالم الخارجي ما تزال قائمة استيرادا وتصديرا، ولذلك نسمع كل يوم عن العثور على كبتاغون مخبأ في بضائع زراعية وصناعية قادمة من سوريا الى الاردن ومصر ودول الخليج وحتى اوروبا.
وصلت مساعدات الى مطاري دمشق الدولي وحلب، ارسلت دول عديدة مساعدات لسوريا. والسوريون حقا بحاجة للمساعدات في مناطق سيطرة نظام الاسد او بالمناطق الخارجة عن سيطرته وخصوصا انها الاكثر تضررا. مضت ايام والمساعدات تصل الى وجهة واحدة، وبقيت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من دون اي مساعدة. ايام لم يدخل اليها سوى جثامين من قضوا من السوريين في تركيا.
ايام اضافت العاصفة والمطر وجعا والما على من هم تحت الانقاض كما على من يحاولون باظافرهم انقاذ من يمكن انقاذه، دول نكست الاعلام حدادا على الضحايا، دول اعلنت الحداد، صلوات رفعت لارواح من قضوا ومن بقوا. وحدها سوريا الاسد لم تعلن الحداد على ابنائها، لم تنكس الاعلام، زار قائد فيلق القدس الايراني اسماعيل قآني حلب المنكوبة، وكأنه اعطى اشارة للاسد ليزورها بدوره في اليوم التالي، ذهب الى حلب ضاحكا مبتهجا ترافقه شلة عبرت عن سعادتها وفرحتها، ما كان ينقص صورتهم هناك سوى “حلقات الدبكة” التي اشتهر بها نظام الاسدين ابتهاجا بالاسدين. هي “دبكة” على اشلاء السوريين وبقايا وطن.
المصدر: المجلة