أحمد مظهر سعدو
يعيش الشعب السوري هذه الأيام الذكرى ١٢ لثورته المباركة، ثورة الحرية والكرامة، التي انطلقت أواسط آذار /مارس ٢٠١١ معلنة موقفها الصريح والواضح، في إسقاط الطغيان الأسدي الفاشيستي إلى غير رجعة. وبينما يعيش السوريون هذه الأجواء الثورية في التصميم على ا ستمرار الثورة حتى اقتلاع الاستبداد، يترافق مع هذه المناسبة، ولوج شهر رمضان المبارك شهر العفو والمغفرة والتراحم المجتمعي. هذا الشهر الفضيل الذي يحياه كل المسلمين في مغرب الأرض ومشرقها، بما فيه من تراحم ومحبة وإيثار وتراحم.
لكن لشهر رمضان (مع ذكرى الثورة) عند السوريين طعم آخر، ومذاق مختلف هو نكهة الحرية المبتغاة، وطعم الكرامة المؤمل بها أن تعود إلى رحاب الأنساق المجتمعية السورية، التي حرمت منها منذ مايزيد عن خمسين عامًا أو يزيد، يوم اختطف آل الأسد الوطن السوري، وألغوا السياسة من المجتمع السوري ووضعوا كل من يعارضهم (في نهبهم وخطفهم للوطن السوري) في غياهب السجون والمعتقلات الأسدية التي فاقت ببشاعتها كل أنواع الإجرام في العصر الحديث.
ولأن الثورة السورية باقية ومستمرة وتنهل من معين البعد الحضاري الواعي لدى السوريين قاطبة فقد أتت اليوم في هذه الذكرى لتؤكد من جديد أن لا تراجع ولانكوص عن طريق الثورة الذي ابتدأته جماهير الشعب السوري، وضحت على طريقه بما ينوف عن مليون شهيد، وأكثر من ٩٠٠ ألف معتقل. ومايزيد عن ١٤ مليون سوري بين نازح إلى الشمال السوري، ومهجر إلى كل بقاع الدنيا الأربع.
إن احتفاء الشعب السوري بثورته الظافرة وإصراره على المضي قدمًا في مساراتها الثورية، يشير إلى وعي سوري مطابق، وأكثر قدرة على إدراك الحقائق، وأمضى اندماجًا شعبيًا سوريًا في أتون العقل الجمعي السوري المصمم على كنس الطغيان، وإعادة الألق إلى كل الجغرافيا السورية، دون موافقة ولا إمكانية في أي عودة إلى الوراء، أو السماح لقوى الردة والتابعية، على ثني السوريين عن غاياتهم وأهدافهم وحقوقهم المشروعة، في بناء دولة متماسكة ومتمكنة وموحدة، بلا آل الأسد وبلا استبداد، ولا ارتهان للخارج، أو بيع للوطن على قارعة الطريق، أو في سوق النخاسة.
لم يألُ السوريون جهدًا وعلى مدى اثني عشر عامًا في البحث عن مخرج من هذا العثار الكبير الذي وصلت إليه ثورتهم الياسمينية. حيث كان السوريون ومايزالون حريصون كل الحرص على بناء سورية الحرة الديمقراطية المنعتقة من كل أنواع حالات بناء السيادة المنقوصة، أو رهن السيادة السورية بتابعية روسية تارة، أو إيرانية تارة أخرى. وهم في ذلك مقتنعون بأن وطنًا فيه كل هذا الكم والكيف من الوعي والتصميم والإرادة، بعد الإيمان بالله، لن يهزم أبدًا، وهو قادر كل القدرة على إعادة رسم ملامح مستقبل سوري، في وطن واحد، يُمسك فيه الشعب السوري وحده، وليس سواه، بكل مقدرات الوطن المنجدلة في أتون قيامة جديدة، لوطن حر، بدستور عصري، يلم الجميع، ويلفهم على غايات واحدة، وآمال مستقبلية تنعم بالحرية والكرامة، بدون تدخلات خارجية أو اختطافات داخلية، من قبل أهل الفكر الطائفي، أو كل تفكير سياسي ماقبل وطني. وهم باستطاعتهم فعل ذلك، فيما لو توحدوا، وأعادوا صياغة المشروع الوطني السوري الواحد الموحد، الذي يجمع بين ظهرانيه، كل الطوائف والأثنيات، نحو هوية وطنية سورية واعية لما تريد، ومتمكنة من صياغة وصناعة المستقبل الذي يبتغيه كل سوري حر، في هذا الوطن المترامي الأطراف. أو في بلاد التهجير القسري، حتى يعودوا إلى وطنهم، وينهوا عصر القمع وكم الأفواه، ليلقوه إلى مزابل التاريخ عاجلاً أم آجلاً.
المصدر: إشراق