د معتز محمد زين
كل ما حصل أن الاستعمار عمل جادًا خلال فترة الاحتلال المباشر على تهيئة كوادر وتشكيل مؤسسات وزراعة عملاء يستطيع من خلالهم التحكم بمقدرات البلد وقراراتها المهمة من بعيد. ببساطة قام الاستعمار بتحديث أسلوبه الاستعماري من الاحتلال المباشر إلى استخدام جهاز التحكم عن بعد.
نحصل على استقلالنا الحقيقي في اللحظة التي يتمكن فيها الشعب من إيصال رجال وطنيين إلى مفاصل الدولة المهمة ومواقع صنع القرار فيها على مستوى السياسة والأمن والإعلام والتربية والاقتصاد والتنمية. وندرك أن هذا الهدف وكل ما يوصل إليه ممنوع في أبجديات السياسة الغربية الاستعمارية. فلو نجح شعب من شعوب المنطقة بانتخاب رئيس مخلص لوطنه وشعبه ولديه من الطموح والعزيمة ما يكفي لتطوير البلد عبر صناديق الاقتراع الحرة سيتحرك الغرب عبر أدواته من أجل إسقاطه( كما حصل في مصر). ولو تمكن حاكم من السيطرة على زمام الحكم في بلده إلى الحد الذي يشعره بالاستقلالية في اتخاذ القرارات المصيرية التي تنهض ببلده وتكرس طاقاتها لخدمة شعبه سيتحرك الغرب عبر أدواته من أجل إسقاطه( كما حصل في العراق). ولو تحرك شعب من أجل التخلص من الفساد والاستبداد والقبضة الأمنية الخانقة، وتوسيع دائرة الحريات ووضع البلد على سكة النهضة والتقدم والديمقراطية لتحركت الدول الاستعمارية وأدواتها لإجهاض حراكه وخنق طموحه قبل أن يبصر النور ويتحول واقعًا يصعب تغييره( كما حصل في سورية وتونس وليبيا). هل أتكلم تحت تأثير نظرية المؤامرة فألقي اللوم على الغرب وأتجاهل مشاكلنا العميقة؟؟ أبدًا. أدرك أن لدينا مشاكل بنيوية عميقة وعجز إداري وقصور استراتيجي وخلل بالنظام التعليمي وووو. لكن هذه المشاكل الضخمة لا يتمكن من حلها إلا من يمتلك أدوات التأثير وقرارات إدارة الدولة( أصحاب المعالي والسمو والنيافة الذين يتحكمون بالقرار السياسي والأمني والاقتصادي). المشكلة أن هؤلاء ينقسمون بين كونهم أدوات عند الغرب أو خائفون من سطوة الغرب أو مستعدون لدفع فاتورة استمرارهم على كراسي الحكم من ثروات بلدهم وسيادتها واستقلالها ونهضتها وطموح شعوبهم. والربيع العربي دليل على رغبة الشعوب وخشية الحكام والغرب من تغيير جذري في بنية الدول يعيد لها سيادتها واستقلالها وقدرتها على النهوض من جديد .
هذا النموذج من الاستعمار أكثر خطورة من الاحتلال المباشر لأن عدوك الحقيقي بعيد عن متناول يدك وعينك ويتحكم بك من وراء البحار. أنت تتعامل مع عملاء عدوك الذين جندهم الاستعمار الغربي أو أرهبهم أو زرعهم ضمن صفوفك وجعلهم أصحاب القرار في بلدك. فما زالت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية تستعمر القسم الأكبر من العالم، وهي تمتلك من الأدوات ما يكفي لممارسة الضغط المتزايد على أصحاب القرار في الدول النامية وإثارة الفتن وإحلال الفوضى عند اللزوم( إعلام .. ضباط .. جماعات عميلة .. شحن طائفي .. مراكز علمية وثقافية .. مؤسسات اقتصادية ضخمة .. حقوق إنسان انتقائي .. حقوق المرأة .. الدفاع عن الأقليات .. دعم الانقلابات ..وصولًا إلى التحرك العسكري عند اللزوم) بحيث تضمن في النهاية نهب ثروات تلك الدول والتحكم بقراراتها الاستراتيجية. هل يمكن في مثل هذا الحال أن نتكلم عن الاستقلال ؟؟!!
ما الحل ؟؟!!. لا أعلم بصراحة ولكن دعني أفكر بصوت عال. إما أن تتحرك الشعوب للضغط على حكامها أو تتحرك الحكام لكسب شعوبها ومن ثم تحقيق طموحاتها بظهر محمي. كان الأمل كبيرًا بوعي الشعوب وقدرتها على فرض شروطها وإرادتها، لكن ما حصل في الربيع العربي أثبت أن العالم الغربي والديكتاتوريات العربية( وكلاهما لديهما مصلحة كبيرة بخنق إرادة الشعوب) قوية إلى الحد اللازم من أجل الالتفاف على حركة الشعوب وإجهاضها .
هل يمكننا أن نعول على وعي الحكام وشجاعتها ؟؟؟؟!!!!!
ليس لدينا مشكلة شخصية مع حكامنا وأصحاب القرار في بلادنا، لكن الفجوة الكبيرة بين طموحات الشعوب وإمكانات الحكام أو قدرتهم أو رغبتهم في تحقيق هذه الطموحات هي التي تدفعنا للتصويب عليهم وتحميلهم المسؤولية، ولو نجح أي واحد منهم في التحايل على القيود الاستعمارية والتخلص منها والسعي الحقيقي نحو تحقيق طموحات الشعوب في التقدم والنهضة والحفاظ على الهوية الحضارية سنشيد به ونهلل له دون تردد. الشعوب تترقب. وحتى ذلك الحين نحن لسنا دولًا مستقلة. نحتاج من أجل ذلك إلى قرار سياسي مستقل. قرار عسكري مستقل. قرار اقتصادي مستقل. أمن غذائي مستقل. صناعة ثقيلة. صناعة أسلحة نوعية. قائد مستقل همه الوحيد نيل رضا وقبول شعبه ومستعد للتنازل عن الحكم إذا فشل بكسب شعبه والنهضة ببلده. ولأن إمكانات أي بلد من بلدان سايكس بيكو لا تكفي لوحدها من أجل الوصول إلى هذا الهدف لا بد من بناء تكتلات للعديد من الدول تجمعها اللغة والثقافة والجغرافيا والمصالح والمصير المشترك والإرادة بتحقيق الاستقلال الحقيقي أو بعض هذه العوامل على الأقل. تكتل مناطقي أو تحالف دولي يصعب تدميره. هل أنا أحلم ؟؟ !! ربما. ومن أجل تحقيق هذا الحلم وتحويله إلى واقع في ظل الهيمنة الغربية والظروف الجيوسياسية المعقدة نحن بحاجة إلى قائد استثنائي أو شعب استثنائي أو ربما إلى معجزة في زمن غابت فيه المعجزات .
إن الشرط اللازم لتحقيق أي نهضة أو تقدم أو قفزة حضارية نوعية يتمثل بتأمين استقلال حقيقي في اتحاذ القرارات الاستراتيجية واستقلال حقيقي في استثمار وتوظيف ثروات وطاقات البلاد لخدمة شعوبها. ولذلك من حق الاستقلال أن يكون له عيد. ولذلك أيضًا من حقنا أن نعلنها واضحة: لا يوجد معنى لعيد الاستقلال في بلادنا حتى الآن على الأقل.
المصدر: إشراق