أحمد مظهر سعدو
تُعيد الحكومة الروسية ممارسة بلطجتها الأممية مرة أخرى، ضد معاش وحيوات السوريين في الشمال السوري، عبر استخدامها المتكرر لحق الفيتو في مجلس الأمن، من أجل منع وعرقلة المساعدات الإنسانية، وإعاقة تدفقها السلس والإنساني نحو ما ينوف عن أربعة ملايين ونصف المليون إنسان سوري في الشمال السوري، حسب إحصائيات وتوثيقات منظمات الأمم المتحدة، الذين طالما عمل النظام السوري المجرم ومعه إيران وروسيا على تهجيرهم قسريا ومحاصرتهم، وصولا إلى حالة قطع المساعدات الغذائية نهائيا عنهم، وهو ما حصل يوم الثلاثاء الفائت عندما رفضت روسيا إصدار القرار الأممي بتمديد إدخال المساعدات لتسعة أشهر قادمة، وهي قضية تسوية أرادتها سويسرا والبرازيل بدلًا من ٦ أشهر فقط تريدها روسيا، أو سنة كاملة تقترحها باقي الدول الغربية الكبرى.
ورغم ذلك لم تقبل روسيا بالصيغة الوسطية التوافقية، واستمرأت في موقفها اللاإنساني متماهية مع مواقفها السابقة والعنجهية المعروفة بها، ومقتلتها السورية المستمرة، بالشراكة مع نظام الأسد، لما يزيد عن ١٢ سنة خلت.
وإذا كان لايهم الروس بقاء أكثر من ٤ ملايين إنسان سوري بلا غذاء أو دواء، كما لا تهمهم حالة العوز الكبرى التي وصل إليها الشعب السوري، عبر القمع والقتل والحصار الأسدي، والصمت المطبق من قبل المجتمع الدولي، وهو صمت غير مبرر، فإن روسيا/ بوتين (كما يبدو) ماضية في تعويقها للقرار الأممي الذي يسمح بإدخال المساعدات، في ظل وعلى تساوق أكيد مع حربها الضروس، ضد الأوكران، واستمرار إغراقها في الوحل الأوكراني لما يقرب من سنة ونصف، وهي ما انفكت (أي دولة الاتحاد الروسي) تمارس العسف والقتل والصلف والدمار للبنية التحتية، بينما يستمر الغرب في سياسة الفرجة عليها، وتركها تغرق وحدها، حتى لو كان على حساب دماء الأوكران والسوريين.
لكن وباعتبار أنه لا يبدو أن في الأفق أي احتمالات قريبة لإنجاز آلية أممية، يغطيها قرار أممي جديد من مجلس الأمن، يجبر روسيا على الانصياع للرؤيا الدولية في السماح لمساعدات إنسانية في الولوج والتحرك، إنقاذًا لأرواح الناس وحيواتهم، المهددة يوميًا بخطر المجاعة والفقر المدقع الذي وصلت إليه أنساق المجتمع السوري.
فإنه لابد من البحث عن بدائل جديدة ومبتكرة، تشتغل عليها الدول الكبرى، وتتجاوز من خلالها المعوقات الآنية في الوصول إلى قرار أممي من مجلس الأمن.
ولا ضير أن ما طرحته الشبكة السورية لحقوق الإنسان من مسألة تستحق التأييد والدفع بها، حيث وكما أكد بيانها الأخير فهي “تعد من أوائل الجهات التي أكدت أن إدخال المساعدات الأممية العابرة للحدود في سوريا ليست بحاجة إلى إذن من مجلس الأمن، وأصدرت تقارير عديدة أوضحت بشكل تفصيلي الأسباب القانونية والسياق الموجب لذلك” وهي “تؤكد منذ سنوات أن على المجتمع الدولي التخلص من الابتزاز الروسي إلى الأبد، واتخاذ خطوة إدخال المساعدات الأممية الحيادية والضرورية دون الحاجة إلى إذن من مجلس الأمن”. ويبدو أن الدول الكبرى يمكنها ذلك، فيما لو كانت جادة، لكنها وكما يظهر، فهي تريد مزيدا من إحراج الروس عالميًا، وإظهارهم بشكل فاقع كأعداء للإنسانية، عندما يعوقون إصدار قرار إنساني صرف، حيث لا يحتاج إلى قرارات أممية لتنفيذه، حسب كل الشرائع الدولية الإنسانية، والقانون الدولي الإنساني.
إذ إن “القانون الدولي الإنساني واضح وصريح ولا ينبغي أن يكون هناك حاجة لأي تصريح من مجلس الأمن الدولي لإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين لها”.
ولأن المراقبين والمتابعين يرون أنه من غير المؤكد ما إذا كان سيشهد مجلس الأمن الدولي جولة مفاوضات جديدة حول التجديد للآلية عبر مشروع قرار جديد كما سبق وحصل في مرات سلفت، فإن البحث عن حلول أخرى وبدائل جديدة، يمسي أكثر ضرورة وإلحاحية.
وقد قالت السفيرة السويسرية لدى الأمم المتحدة، باسكال بيريسويل: “لن نسمح بأن يعيق الفيتو الذي استُخدم جهودنا، وسنعمل مع كل أعضاء المجلس للوصول بالمساعدات إلى كل من يحتاج إليها، سنعمل من أجل التوصل لحل”.
كما أشارت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن-كلير لوجاندر، في تصريحات لها، إلى أنّ “فرنسا تأسف للفيتو الروسي ضدّ هذا القرار”. وأوضحت أنّ “هذا الموقف يؤكّد عزلة روسيا المتزايدة في كلّ المحافل الدولية”. وأكدت أنّ “المساعدات الإنسانية عبر الحدود حيوية لملايين السوريين”، مشيرة إلى أنّ “لا بديل اليوم لإيصال المساعدات لأكثر من 4,5 ملايين شخص”.
وهناك من يتحدث عن أهمية إحالة المسألة أي مشروع القرار وهو يرتبط بالعمليات الإنسانية البحتة في سوريا إلى منصة أممية أهم هي الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل إقراره بعيداً عن التلاعب الروسي، كما حصل بالنسبة لقرار الكشف عن المفقودين والمعتقلين السوريين مؤخرًا.
كما أن هناك من يرى أن “البديل عن آلية الأمم المتحدة هو منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية، التي من المفترض أن تأخذ الجزء الأكبر من المنح المقدمة من الدول إلى المحتاجين في سوريا”.
وتم الكشف مؤخرًا عن “تحضير منصة بديلة عن “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا)، وهي منصة “إنصاف” والتي تأخذ على عاتقها دوراً تنسيقياً لتوزيع المنح بين المنظمات”. “يمكن لهذه المنصة أن تكون بديلاً كمنصة تنسيقية بين الدول المانحة والمنظمات، والبديل الثاني هو المنظمات الدولية”.
ولا بد من الإشارة إلى أن (“إنصاف” هو صندوق إنساني مشترك متعدد المانحين تم إنشاؤه من قبل المانحين الدوليين نهاية العام الماضي لتلبية الاحتياجات ذات الأولوية في شمالي سوريا)
وتجدر الإشارة أن هناك أربع دول هي: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية دعمت إنشاء الصندوق أو هذه المنصة”.
لا بد من الاشتغال حثيثًا على هذه البدائل، وبدائل أخرى ممكنة، ولا بد من أن تتحرك المعارضة الرسمية السورية التي مازالت تتفرج على المشهد من بعيد، وكأنه لا يعنيها أبدًا وجود أربعة ملايين ونصف من السوريين يقطنون في الشمال السوري، يفترض أنهم حاضنتها الأساسية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا