دونالد ماكنتاير
بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط والتي رتبت على عجل، سيكون بنيامين نتنياهو حراً لإطلاق… ولكن ماذا تحديداً، إذا لم يكن ذلك الهجوم البري المنتظر.
جميعهم في النهاية يصلون لهذه المرحلة. منذ عهد هاري ترومان، الغالبية العظمى من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية تورطت في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. حتى قبل اجتياح روسيا أوكرانيا غير المبرر والتي تحولت إلى قضية محورية في واشنطن، بدا الرئيس جو بايدن – وهو شخصية مؤيدة لإسرائيل منذ زمن طويل – بمخالفة هذه القاعدة.
بينما كانت الظروف على الأرض تزداد سوءاً تدريجاً، كان الأمل ضئيلاً للغاية في أي عملية سلام، مع نحُو السياسات الإسرائيلية المستمر نحو اليمين القومي المتشدد، وغياب بائس لأي قيادة فلسطينية متماسكة، بدا معها من الأفضل البقاء بعيداً من هذا الملف.
لكن يوم الأربعاء، قام الرئيس جو بايدن بزيارة إلى إسرائيل، هي الأكثر خطورة منذ وصوله إلى السلطة، والتي دبرت على عجل، وتأتي الزيارة فيما تدور رحى الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” والتي تهدد، وتماماً كما هددت الحروب السابقة الأربعة في غزة، إشعال حرب إقليمية أوسع بكثير.
إنه رهان جريء. فإضافة إلى أمور كثيرة، فإن الزيارة تعني إفساح المجال أمام محادثات وجاهية ومباشرة مع بنيامين نتنياهو مع ما يشمل ذلك من صورة مشتركة معه أيضاً.
إن الرئيس الأميركي قد عرف رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ عقود طويلة، لكنه قد أصبح تدريجاً مستاءً بشكل كبير من تصرفاته خصوصاً بسبب سياسة نتنياهو الأنانية والتي تتسبب بالانقسامات الحادة بين الإسرائيليين من خلال حملته الهادفة إلى تقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية. والآن، أصبح مفروضاً على بايدن التعامل مع شخصية يتهدد بقاءها السياسي الفشل الاستخباراتي والعسكري الذي سبق الفظائع المروعة التي ارتكبتها “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). والأهم من كل ذلك، هو أن من شأن ذلك أن يورط بايدن بالنتائج غير المتوقعة، للاجتياح البري الذي تخطط إسرائيل للقيام به.
لكن وعلى رغم ذلك، قرر البيت الأبيض أن من شأن الزيارة أن تكون مفيدة وتنجح في تحقيق وظائف متعددة وهو ما يستحق المغامرة لتحقيقه على رغم الأخطار. وأول تلك الأمور بالطبع، هو إظهار التضامن مع إسرائيل، وإظهار مساندة بايدن لدولة إسرائيل ودعمها، كما أعلن الأسبوع الماضي، في “ملاحقة مجموعة من الأشخاص الذين ارتكبوا أعمالا بربرية والتي تترتب عليها عواقب تشبه الهولوكوست في خطورتها”.
والأمر الآخر [الذي يبرر القيام بالزيارة] هو مصير الرهائن الذين تحتجزهم “حماس”، والتي لدى الولايات المتحدة مصلحة مباشرة، ومصلحة إنسانية أوسع أيضاً [بمعرفة مصيرهم]، لأن العديد من هؤلاء، وربما عشرون منهم، هم من حاملي الجنسية الأميركية. وفيما تظهر كل يوم تفاصيل أكثر بشاعة للمذابح التي ارتكبتها “حماس” في القرى والكيبوتزات الإسرائيلية القريبة من حدود غزة، تظهر أيضاً تباعاً المعلومات المتعلقة بعدد الرهائن المحتجزين حالياً في غزة: وعدد هؤلاء هو 199، بحسب آخر عملية لإحصائهم، ومن بينهم كبار السن، والنساء والأطفال.
والرئيس الأميركي سيود أن يدعم فرص الخطط التي أشار إليها وزير خارجيته أنتوني بلينكن، يوم الثلاثاء، ليصار إلى إيصال المساعدات التي يحتاجها الفلسطينيون بصورة طارئة من خلال معبر رفح، للعمل على تخفيف الكارثة الإنسانية المتفاقمة، وهي أسوأ من أي شيء سبق أن شهدته غزة.
لكن وقبل كل ذلك، يود الرئيس الأميركي أن يمنع تمدد النزاع. خصوصاً إلى داخل إسرائيل والأراضي المحتلة، والذي يعتبر تهديداً قائماً بقوة. لكن مخاوف بايدن الأساسية تكمن في سعيه لمنع “حزب الله”، الميليشيات اللبنانية وذراع إيران، من العمل على توسيع النزاع، وإشراك طهران فيه، وأرسلت واشنطن مجموعتي حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأميركية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لاحتواء مثل هذا الاحتمال.
وكل ذلك – ومن ضمنه بالتأكيد مصير الرهائن – سيكون بين الأسئلة التي يبحث بايدن إجابات عنها في ما يتعلق بماهية استراتيجية إسرائيل الشاملة، وأي نتائج تتوقعها وتبعات تتوقعها نتيجة عملية اجتياح برية، والتي يجري الإعداد لها من خلال حشد القوات الضخمة التي وصل عددها إلى 360 ألف جندي من الاحتياط على الحدود.
هل احتسبت القيادة الإسرائيلية تأثير العملية على المجتمع الإسرائيلي من خلال إمكانية وقوع عدد كبير من الإصابات بين الجنود أو تأثير مقتل المزيد من آلاف الفلسطينيين المدنيين على صورة إسرائيل في العالم؟
وبما أن الهدف المعلن للاجتياح هو القضاء على “حماس” التي تتكون تحصيناتها من مئات الكيلومترات من الأنفاق والمخابئ التي أقيمت تحت الأرض، كيف تنوي إسرائيل القيام بتلك العملية من دون الانجرار لعملية إعادة احتلال طويلة لغزة، وهو أمر لطالما كانت القوات العسكرية الإسرائيلية تسعى لتفاديه منذ مدة طويلة والتي بايدن بنفسه قام بالتحذير منها بصراحة في الأسبوع الماضي، قائلاً إن من شأن ذلك أن يكون “خطأ كبيراً” [ترتكبه إسرائيل].
التصريح الأخير الذي جاء على لسان جايكوب نايجل، وهو ملازم سابق رفيع المستوى ومستشار لنتنياهو – “لقد اعتدت على القول ’فكر ثم تصرف‘، لكن الارتكابات الفظيعة التي قامت بها حماس غيرت قوانين اللعبة” – يمكن تفهمه إذا أخذنا في الاعتبار الصدمة التي ألحقها [هجوم حماس] بالشعب الإسرائيلي. لكن وكما يعرف الرئيس بايدن جيداً جداً من تجربة أفغانستان، وربما من تجربة العراق، بأن ذلك ليس وصفة لاستراتيجية خروج ناجحة من أزمة ما.
وفي مقالة رأي لافتة في صحيفة “نيويورك تايمز”، يقول توماس أل. فريدمان، وهو شخص ناقش أوضاع الشرق الأوسط مع الرئيس جو بايدن أكثر من أي معلق آخر، قام بالتشكيك بقوة من الحكمة وراء تنفيذ عملية اجتياح برية. وهو قد أشار إلى أن عملية الولايات المتحدة لاحتواء “القاعدة” و”داعش” قد تطلبت “صبراً ودقة”، وعملية توفير البديل في المجتمعات التي يخرج منها المؤيدون الشباب لتلك الجماعات، وأن عملية الاجتياح البرية من شانها أن “تفجر” أي عملية تسوية محتملة بين الدول العربية وإسرائيل وأن الوجود العسكري الإسرائيلي على الأرض من شأنه ربما أن يكون تحديداً ما يريده كل من “حماس” و”حزب الله”، للعمل على إشعال المنطقة برمتها.
وأضاف فريدمان في مقاله أيضاً أنه “لو أرادت إسرائيل أن تعلن اليوم أنها قد اتخذت القرار، للوقت الحالي، بتأجيل عملية الاجتياح البري لغزة، وأنها ستنظر في وسائل أكثر دقة لقضاء على أو اعتقال قيادات “حماس” بالتزامن مع عملها على هندسة عملية تبادل للرهائن لأكثر من 150 إسرائيلياً ورهائن آخرين… فإنها من خلال ذلك لا تتفادى فقط صدمات إضافية تخلفها أي عملية على المجتمع الإسرائيلي، إضافة إلى صدمات للمدنيين الفلسطينيين في غزة، بل إن من شأن ذلك أن يمنح إسرائيل وحلفاءها أيضاً الوقت للتفكير بكيفية بناء – بمشاركة فلسطينية – بديلاً عن حركة حماس”.
إن أي عملية اجتياح برية ستنتظر، بالطبع، على الأقل مغادرة الرئيس بايدن للمنطقة، وذلك لضرورات أمنية، إضافة إلى الأسباب السياسية. لقد كانت هناك إشارات مبهمة يوم الثلاثاء صادرة من القيادة العسكرية الإسرائيلية، بأن الاجتياح البري لم يكن الخيار الوحيد، ويمكن أن يكون الرد “شيئاً آخر”. فهل يكون من المبالغ فيه أن نبني آمالاً بأن يقوم الرئيس بايدن في استخدام زيارته لوقف التصعيد في هذه الأزمة الخطيرة جداً، وأقله ربما استبعاد فكرة الاجتياح البري من لائحة الخيارات المحتملة في المدى المنظور؟
المصدر: اندبندنت عربية