أمال شحادة
قيام دولة مستقلة بالقطاع أو إخلاء سكانه إلى سيناء وانقسام حول حكم السلطة الفلسطينية أو حاكم عسكري أبرز البدائل
الهدف الذي وضعته إسرائيل لحربها مع غزة بالقضاء على حماس والبنى التحتية لقدراتها العسكرية وإخلاء غزة من قادتها السياسيين والعسكريين وضعها أمام تحد كبير، خصوصا أن كافة التقديرات العسكرية والسياسية الإسرائيلية تشير إلى إعادة احتلال غزة أو ما وصفها البعض بالعودة إلى وحل غزة.
الأمر الذي استدعى طرح بدائل لمستقبل غزة طرحت أمام متخذي القرار الأمنيين والسياسيين كتلك التي اقترحها الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي “غيورا آيلاند” وتصورات الرئيس السابق لحزب ميرتس، يوسي بيلين، وغيرهما من أمنيين وسياسيين.
تعددت السيناريوهات حد التناقض بين مختلف الجهات فهناك من يرى الحاجة إلى نقل سكان غزة إلى سيناء وإبقائها خالية من سكانها. وهناك من اقترح إقامة دولة مستقلة لغزة وهو اقتراح اعتبره البعض غير قابل للتنفيذ لمجرد النقاش لأنه في مثل هذه الحالة لا يجوز أن تقوم دولة فلسطينية من دون غزة.
كما تشكل عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وتسليمها الحكم اليوم نقاشا إسرائيليا في ظل ما توصل إليه الإسرائيليون من قناعة بأن السلطة ضعيفة وطالما أنها عاجزة عن السيطرة على الضفة فلن تكون قادرة على السيطرة على غزة، وبالتالي فإن الوضع سيزداد سوءاً بالنسبة لإسرائيل.
الاستخبارات أول الاقتراحات
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بحث الإسرائيليون عدة اقتراحات حول مستقبل غزة كما استدعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مسؤولين سابقين في المؤسستين الأمنية والسياسية لسماع رأيهم حول غزة اليوم وغزة في اليوم التالي من الحرب.
وتم الاتفاق على تشكيل لجنتين يشارك فيها باحثون وأمنيون وسياسيون على أن تقدم كل لجنة اقتراحات حول الخطة المستقبلية لغزة، بما في ذلك إبقاء المنطقة خالية من السكان أو على الأقل مساحة شاسعة منها خالية من السكان لتكون حزام أمان لإسرائيل من حدودها الجنوبية.
حكم عسكري إسرائيلي في المرحلة الأولى
ستنظر إحدى اللجنتين في آخر خطتها وضعتها وزارة الاستخبارات في الأسبوع الأول من هذا الشهر وتطرح ثلاثة بدائل:
إبقاء السكان في قطاع غزة وجلب السلطة الفلسطينية إلى الحكم.
إبقاء السكان في القطاع وإنشاء قيادة عربية محلية.
إخلاء الفلسطينيين المدنيين من غزة إلى سيناء
ويرى معدو البحث أن إخلاء الفلسطينيين إلى سيناء هو الاقتراح الأفضل لما سيأتي لإسرائيل من نتائج استراتيجية وبعيدة المدى في غاية الأهمية. وبرأيهم فإنه قابل للتنفيذ، لكن تشير الوثيقة إلى ضرورة أن تظهر القيادة السياسية في إسرائيل إصرارها في مواجهة الضغوط الدولي وفي الوقت نفسه ضمان دعم الولايات المتحدة ودول أخرى.
يضيف المراقبون، وإما أن يبقى الفلسطينيون في غزة وتستبدل حماس بالسلطة الفلسطينية في إدارة القطاع. أو وفق البديل الآخر أن تكون هناك قيادة عربية، وهما بديلان سيكون من الصعب تحقيقهما من حيث رغبة إسرائيل في تحقيق استراتيجية بعيدة المدى، بل يتوقع أكثر من سياسي وأمني أن وصول السلطة، بشكل خاص، سيؤدي إلى إعادة الفوضى بل الخطر أكثر على إسرائيل مما واجهته منذ انسحابها من غزة في 2007.
فيما يذهب أمنيون إلى أن أي اقتراح عدا نقل سكان غزة إلى سيناء سيكون غير قابل للتطبيق حيث إن الانقسام السائد في صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يعتبر من العناصر الأساسية التي تصعب قيام دولة فلسطينية.
وفي حال نقل الحكم إلى السلطة الفلسطينية ستبقى غالبية الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة خلال المرحلة الأولى على أن تفرض تل أبيب حكما عسكريا حتى ضمان تسيير الأمور ثم تنتقل للسلطة الفلسطينية لتتسلم الحكم. وهذا الاقتراح لم يبق داخل أروقة وزارة الاستخبارات حيث ناقشه خلال الأيام الكثيرون من الإسرائيليين، الذي يرون أن صورة النصر من حرب غزة هي عدم إبقاء أي عنصر من “حماس” وإعادة بناء القطاع من جديد وفق ما ترسم له إسرائيل وصولا إلى قيادة تحكم وفق ما تخطط وترغب تل أبيب.
وفيما يخص اقتراح الحكم العسكري على فلسطينيي غزة فهذا يشكل عراقيل أيضا للأولى لأنها ستكون غير قادرة على الحصول على تأييد دولي وسيؤدي إلى خلق ضغوط تنتهي بإحضار السلطة الفلسطينية بدلا منه.
إلى جانب قناعة الإسرائيليين أن السلطة الفلسطينية ضعيفة وغير قادرة على إدارة الحكم يتخوف معدو الوثيقة من المواد التعليمية التي ستقدمها السلطة الفلسطينية للطلاب على عكس ما تخطط إسرائيل من مناهج تعليمية.
عند إعداد هذه الوثيقة بعد أسبوع من حرب غزة، وضع معدوها في الاعتبار الخطوات التي تتخذها إسرائيل أو ترسمها في الميدان قبل إعلانها عن انتهاء الحرب، وترى الوثيقة أن الإعلان عن أي استقلالية أو إقامة دولة فلسطينية يعد انتصاراً لحماس.
صعوبات الحكم العسكري
ترى الوثيقة أنه لا توجد طريقة لفرض حكم عسكري إسرائيلي ناجع في غزة إلا إذا كان ذلك بلا استيطان، ولكن خلال فترة قصيرة سيرتفع المطلب الإسرائيلي الداخلي والدولي بالانسحاب، وهذا يعني أن احتلالا كهذا لن يكون لفترة طويلة.
في اقتراح إنشاء سلطة عربية محلية تضع إسرائيل الحكم العسكري أولاً، وتضع في هذا الجانب شرطاً لمن سيتولى بعد ذلك بأن تكون غير إسلامية تدير الجوانب المدنية.
ويعتقد الإسرائيليون أنه على المدى البعيد سينشأ ضغط محلي في إسرائيل والعالم لاستبدال الحكم العسكري الإسرائيلي بحكم عربي محلي في أسرع وقت، ولا يوجد ضمان لأن تكون القيادة الجديدة معارضة لروح “حماس”، وفق معدو البحث، الذين يشيرون إلى أن وجود حكم محلي عربي سيصعب تغيير الرواية والأيديولوجيا لما هو مطلوب.
“مدينة الخيام” في سيناء
الاقتراح الذي طالما تداوله الإسرائيليون وأعادت صياغته وزارة الاستخبارات بعد السابع من أكتوبر هو نقل الإسرائيليين إلى سيناء، أي نكبة جديدة للفلسطينيين. فبحسب التخطيط تقام “مدينة خيام” في سيناء على أن يتم إنشاء ممر إنساني لمساعدة الغزيين وبعدها يتم بناء مدن في مناطق تؤهل للسكن من جديد شمالي سيناء.
ووفق التخطيط تكون المنطقة المقامة فارغة لعدة كيلومترات داخل مصر وعدم السماح بعودة السكان إلى العيش أو العمل بالقرب من حدود إسرائيل.
الكونفيدرالية الحل الأفضل
ما بين مصر كبديل وفكرة الكونفيدرالية لم يتوصل الإسرائيليون لأي اتفاق. فيما طرح غيورا آيلاند أكثر من فكرة بينها الكونفيدرالية وجاءت تحت عنوان “بدائل إقليمية لفكرة دولتين للشعبين”.
في اقتراحه كتب آيلاند “أفضل الحلول هو إقامة مملكة أردنية فيدرالية ولها ثلاث دول: الضفة الشرقية، والضفة الغربية وغزة. هذه الدول، أو الولايات بالمفهوم الأميركي ستكون مثل بنسلفانيا أو نيوجيرسي. لها استقلالية كاملة في الشؤون الداخلية، ولها ميزانية ومؤسسات حكم، وقوانين خاصة، وشرطة وباقي رموز الاستقلال. ولكن مثل بنسلفانيا ونيوجيرسي لن تكون لها مسؤوليات في موضوعين: السياسة الخارجية وقوات الجيش. هذا المجالان بالضبط مثلما في الولايات المتحدة سيبقيان بمسؤولية الإدارة “الفيدرالية” في عمان”.
ويعتقد آيلاند أن هذا الحل أفضل للفلسطينيين، للأردن ولإسرائيل، من حل الدولتين للشعبين ويقول، “يفهم أولئك الأشخاص بأنه إذا ما أقيمت دولة فلسطينية مستقلة تماماً، فستسيطر عليها حماس. ويفضل الكثيرون منهم العيش تحت الحكم الأردني على أن يعانوا الطغيان الديني لحماس مثلما يحصل في غزة. تحقيق حق العودة والموافقة على نهاية النزاع سيكون من الأسهل بكثير اقتسام هذا العبء العاطفي مع جهة سياسية عربية مثل الأردن”.
يتابع، يفهم الفلسطينيون أيضا أن بديل الدولتين للشعبين سيجعلهم مواطني دولة صغيرة جدا غير قابلة للعيش، وستكون لها قيود قاسية في كل الموضوع الأمني. من الأفضل أن يكون الناس مواطنين متساويين في دولة محترمة وكبيرة يكونون فيها هم، الفلسطينيون، الأغلبية الديمقراطية”.
وعلى حد قول آيلاند، “في الأردن يفهمون جيدا أنه إذا قامت دولة فلسطينية مستقبلية في الضفة، فإنها ستقع في يد حماس مثلما حصل في غزة وهو وضع تكون فيه دولة مجاورة بحكم للإخوان المسلمين، وبالنظر إلى الحدود الطويلة بين الدولتين والتهديد الموجود منذ الآن من جانب الإخوان المسلمين في الأردن، معناه بداية النهاية للمملكة”.
يتابع آيلاند،”الطريق الوحيد في الشرق الأوسط لضمان بقاء الحكم هو السيطرة الأمنية الناجعة. وبالتالي فإن الطريق لمنع الاضطراب في الأردن، الذي يغذيه حكم حماس المستقبلي في الضفة، هو السيطرة العسكرية الأردنية في هذه المنطقة”.
لم نصطد الدب بعد
في السياق، ناقش الكابينت خلال الأسبوع الأخير الوضع الذي ستنتهي فيه حرب غزة واليوم الذي يليه، في الأثناء طرح اقتراح من المستشرق موتي كيدار، الذي يرى الحل الأفضل بتقسيم القطاع إلى مناطق، لكل واحدة منها حكم محلي مدني يقوم على أساس العشائر.
من جانبه، عد نتنياهو ألا جدوى من سيناريو الاحتلال فيما نقل عن وزير في الكابينت أنه “ليس في نية إسرائيل الحسم في مسألة اليوم التالي لأننا لم نصطد الدب بعد”، بمعنى أن العملية البرية في غزة لم تستكمل.
مسؤولون كبار سابقون يذهبون إلى أنه من السابق لأوانه البحث في مستقبل غزة. “الهجمة المفاجئة لحماس تفرض علينا ردا بقوة يرمم الردع على الفور، حتى لو أدى هذا إلى فوضى في القطاع بكل ما يعنيه هذا من معاني”.
وعلى حد قول رئيس هيئة الأمن القومي سابقا مئير بن شباط، فإن “الثمن الرهيب الذي دفعناه في دخول هذه الحرب يجب أن يؤدي إلى تغيير جذري للواقع: لا حكم حماس ولا قدرات عسكرية تهددنا”.
ويرى الرئيس السابق لقسم البحوث والمخابرات العسكرية اللواء احتياط يعقوب عميدرور، “نوشك على قرار صعب يتمثل في إدخال قوات برية بحجم لم يشهد له مثيل في حرب لبنان، فيما أن الهدف هو إبادة حماس كمنظمة عسكرية. من شأننا أن نجد أنفسنا في جبهتين، والسيناريو الأفضل بالنسبة لإسرائيل في هذه اللحظة هو إنهاء المهمة التي أعلنتها، دون أن تتورط في جبهة إضافية تضعفها جنوباً، في النهاية التساؤل في مسألة اليوم التالي حين يكون الهدف الأمني واضحا: إسرائيل تبقى متحفزة ولا تسمح مرة أخرى أبدا بتعاظم عسكري على حدودها في غزة”.
الجنرال عاموس جلعاد، الذي سبق وشارك في أكثر من مرة في مفاوضات التهدئة مع حماس يقول، “في اليوم التالي لحماس سينشأ فراغ وتوجد الكثير من البدائل. لكن يبدو أن المصريين لن يدخلوا إلى هناك ولا يمكن لقوة دولية والجيش الإسرائيلي معالجة الوضع مع الفلسطينيين فهذا ينطوي على تسوية سياسية”.
وبرأيه فإن الدعم الأميركي مهم جدا، لكنه سيأتي مع مثل هذه القيود وغيرها، وفقاً لمصالح الأمن القومي لديهم وعلى رأسها منظومة مستقرة في الشرق الأوسط.
المصدر: اندبندنت عربية