معقل زهور عدي
فورن بوليسي مجلة تعكس ما يدور في دوائر صنع القرار الأمريكي، وهي تخدم بنشرها ذلك مسألة التمهيد لتقبل ما يتم إقراره أو جس النبض لمعرفة ردود أفعال الأطراف المهتمة التي يمسها مثل ذلك القرار.
أبادر للقول إنه لا دخان بلا نار، والنفي الذي جاء لاحقا لا يلغي وجود مثل تلك الدراسة التي يبدو أنها لم تكتمل وبالتالي لم تتحول إلى قرار سياسي.
بالتالي فالنفي هنا ليس نفيا لوجود الفكرة قيد البحث، لكنه نفي لكونها تحولت لقرار سياسي، ويأتي ذلك استكمالا لعملية جس النبض، وللتخفيف من وقع مثل ذلك القرار لاحقا على المتضررين منه وفي مقدمتهم مشروع قسد.
ويزيد الخبر وثوقا كونه يأتي مترافقا مع أخبار حول استعداد الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق وطلب فتح مفاوضات مع الحكومة العراقية من أجل ذلك.
تشكل تلك الاستدارة في السياسة الأمريكية عودة نحو المنحى العام الذي برز في انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والميل لخفض حدة المواجهة مع إيران، والتركيز على احتمالات المواجهة مع الصين، والمواجهة الدائرة مع روسيا في اوكرانيا.
وبالنسبة لهذه الأخيرة فقد أصبح واضحا أن الحرب هناك توشك أن تنتهي لمصلحة روسيا، وأن الغرب لم يعد متحمسا لضخ المليارات من الدولارات والعتاد الحربي لإنهاض الجيش الأوكراني من تدهور وضعه العسكري المتسارع.
هناك حالة انتقال لدى المعسكر الغربي من وضع الهجوم لوضع الدفاع، وبدلا من التفكير في انهيار روسيا وسقوط بوتين فربما أصبح التفكير لدى الغرب يتجه لكيف يمكن الدفاع ضد تمدد روسي آخر تدفعه رياح الانتصار في اوكرانيا.
يتقاطع التفكير بالانتقال لمرحلة الدفاع مع الاستراتيجيات السابقة في الانسحابات من مواقع متعددة في العالم لصالح تركيز القوى في المناطق المرشحة للمواجهات مع روسيا والصين.
وليس مستبعدا أبدا أن ذلك التفكير يشمل إبعاد إيران عن التحالف مع روسيا مقابل تخفيف العقوبات عنها واستعادة الاتفاق النووي.
كما يمكن أن يشمل تبريد عناصر التفجر في الشرق الأوسط، وتعديل السياسات تجاه تركيا لكسبها بصورة أكثر ثباتا إلى جانب المعسكر الغربي.
إن انسحابا محتملا للقوات الأمريكية من سورية سيكون خبرا سعيدا لتركيا، وربما يشجعها على عملية عسكرية طالما خططت لها وتم ايقافها في آخر لحظة بفعل الضغط الأمريكي المترافق مع وجود القوات الأمريكية في سورية.
هكذا ستكون كل من إيران وتركيا وروسيا سعداء برؤية انسحاب أمريكي من سورية، لكن الولايات المتحدة لم تعد تملك رفاهية توزيع اهتماماتها على مساحات العالم، وربما جاء الوقت للتفكير بالانكفاء وتحصين دفاعاتها ضد أكثر الأعداء خطرا على حساب مناطق مثل الشرق الأوسط.
لذا لا يأتي خبر مجلة الفورين بوليسي خارجا عن السياق بل ربما يؤشر ليس فقط للعودة للسياق الذي بدأه أوباما بعد تجربة العراق وتابعه ترامب رغم بعض التكتيكات الحادة تجاه ايران , وحاول بايدن استعادة خط أوباما وتعميقه لولا انفجار الوضع في اوكرانيا , واليوم وفي حين أصبحت الحرب في اوكرانيا على وشك الانتهاء لمصلحة روسيا , فمن المنطقي تماما أن يكون خبر فورن بوليسي صحيحا ومنسجما مع المرحلة القادمة –