أمال شحادة
رئيس الوزراء أعد وثيقة تضمن استمراره في رئاسة الوزراء لملاحقة “حماس” ومواصلة قصف القطاع
اختار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وصول مستشار الرئيس الأميركي بريت ماكغورك إلى تل أبيب، ليستبق أي نقاش حول اليوم التالي، وعرض وثيقة لخطته لمستقبل غزة على المجلس الوزاري الأمني المصغر ليجعلها شبه رسمية، وكما قال مقرب من رئيس الحكومة إن في عرض الوثيقة رسالة واضحة من إسرائيل برفض أي إملاءات من الخارج لاتخاذ القرارات، خصوصاً ما يتعلق بالدولة الفلسطينية من طرف واحد.
واعتبر وزراء في الحكومة ما عرضه نتنياهو بمثابة خطة رسمية لأي حل لليوم الذي يلي حرب غزة، فيما وصفها أمنيون وعسكريون بـ”الفارغة والضبابية”، ولا تساهم سوى في عرقلة الجهود للتقدم في مفاوضات الأسرى والجهود المبذولة لتقريب انتهاء الحرب بعد مرور 140 يوماً عليها.
العمل من دون قيود
وقال الرئيس السابق لوحدة العمليات في الجيش الإسرائيلي يسرائيل زيف، إن من يقرأ نص الوثيقة يجد أنه من غير الواضح فيها من الجهة التي ستتسلم غزة، مضيفاً “إنها وثيقة فارغة من أي مضمون يريده رئيس الحكومة لليوم التالي، ولا أفهم أي إنجاز قدمه نتنياهو في وثيقته هذه، وببساطة أرى أنها محاولة لوضع خطة تظهر وكأنها اعتراف من إسرائيل تحت الضغط بأنها لن تبقى في غزة، ودون ذلك فلا شيء في هذه الوثيقة”.
يعود نتنياهو ويؤكد في وثيقته ما سبق وأعلنه من إقامة منطقة عازلة عند الحدود مع غزة، وبدأ الجيش الإسرائيلي تجهيز المنطقة، ولا تستبعد الوثيقة أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً في إدارة غزة، على رغم أنها لم تذكر ذلك على وجه التحديد.
تفاصيل الوثيقة
وضمن ما تشمله وثيقة نتنياهو إقامة منطقة عازلة عند الحدود ومنح إسرائيل حق حرية العمليات للجيش في جميع المناطق من دون قيود زمنية، وكذلك إقامة حاجز عند الحدود بين غزة ومصر يجري العمل فيه بتنسيق بين تل أبيب والقاهرة بمساعدة واشنطن، بذريعة منع التهريب إلى غزة على أن يكون لإسرائيل دور كبير في المراقبة.
وتتضمن الوثيقة السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غرب الأردن ومحيط غزة براً وبحراً وجواً، ويبرر نتنياهو هذا البند بذريعة منع ما سماه “العناصر الإرهابية” من بناء قوتها في الضفة والقطاع وتعزيز قدراتها العسكرية، إضافة إلى نزع سلاح غزة على أن تبقى إسرائيل مشرفة على تنفيذه في المستقبل.
الجانب المدني
الوثيقة لا تحدد بوضوح من يريد نتنياهو أن يحكم غزة بعد الحرب، لكن جاء فيها أن الإدارة المدنية والمسؤولية عن النظام العام في القطاع ستكون بمسؤولية محليين لا علاقة لهم بـ”حماس” و”غير مرتبطة بدول أو كيانات تدعم الإرهاب”، ولم توضح دور السلطة الفلسطينية.
وتحتوي على بلورة خطة لمكافحة التطرف في جميع المؤسسات التعليمية والدينية بمشاركة ومساعدة الدول العربية التي لديها خبرة في تعزيز مكافحة التطرف في أراضيها، وإعمار غزة يبدأ بعد الانتهاء من عملية نزع السلاح على أن يتم تمويل وإدارة الإعمار من دول مقبولة على إسرائيل.
بالنسبة إلى نتنياهو فإن أي حديث عن اليوم الذي يلي الحرب يبدأ بعد تحقيق إسرائيل جميع أهداف حرب غزة بالقضاء على “حماس” وعلى قدراتها العسكرية وإعادة جميع الأسرى، ومن ثم ضمان القطاع منزوع السلاح ومنع أي تهديد على إسرائيل.
ويوضح نتنياهو أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة “أونروا”، لن يكون لها أي وجود، واستبدالها بوكالات مساعدات دولية أخرى.
وينهي نتنياهو وثيقته بالتأكيد مرة أخرى على موقفه الرافض للإملاءات الدولية في شأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية، على أن تتحقق من خلال مفاوضات بين الطرفين ومن دون شروط مسبقة.
تعنت نتنياهو
على رغم موافقة الكابينت الحربي وبنيامين نتنياهو على مشاركة الوفد الإسرائيلي في مفاوضات باريس لكن مطلعين على النقاش، الذي شهدته إسرائيل خلال الأيام الأخيرة بعد منع نتنياهو الوفد من المشاركة، دفع جهات أمنية إلى التحذير من السقوط بما سموه “خداع نتنياهو”، الذي من خلاله “لن يقبل بتحرير المخطوفين والانسحاب من غزة، وهذا يكفي لإفشال أية صفقة للأسرى”.
ويقول الخبير في الشؤون السياسية رفيف دروكر إن “أفضليات الانسحاب وإطلاق سراح المخطوفين تفوق بكثير ما يمكن خسارته أو المخاطرة به، ولكن هذا الخيار مناقض لمصالح نتنياهو السياسية، لذلك هو لا يرغب فيه، ولا يوجد أي شخص، حتى في الكابينت الحربي، يسمع صوته علناً ويقوم بالانتقاد”.
وبرأيه “لا توجد أية مصلحة لنتنياهو في تحقيق ذلك، ففي اليوم الذي ستنتهي فيه الحرب ستبدأ نهايته”، مضيفاً أنه بمهارة كبيرة باع “النصر المطلق”، و”عدد غير قليل قاموا بشراء هذا النصر، وللأسف منهم غانتس وايزنكوت، اللذان يسمعان صوتهما بشكل علني حتى لا يظهران كمهزومين”.
غير أن الإسرائيليين متفائلون، وبحسب ما اتضح من المسودة المطروحة للنقاش في باريس، فستشمل في المرحلة الأولى منها إطلاق سراح 35 أسيراً من نساء ومسنين ومرضى وجرحى، وربما أيضاً المجندات، في مقابل وقف إطلاق النار لمدة 45 يوماً، تضمن الهدوء في شهر رمضان، وفي المرحلة الثانية منها سيطلق سراح بقية الأسرى والجنود والرجال فوق 50 سنة وإعادة الجثامين، وغير معروف العدد، لكن الجيش أعلن أن 32 جثة في غزة، وبتوقعات جهات إسرائيلية ستشمل المرحلة إنهاء القتال والانسحاب الكامل للجيش من قطاع غزة.
صفقة الأسرى
الاتفاق المتوقع يشمل أيضاً إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين “لهم وزن ثقيل”، كما يصفهم الإسرائيليون، وقد يواجه هذا البند معارضة من داخل الحكومة.
أمام ما تداوله الإسرائيليون من بنود للصفقة نشرت صحيفة “هآرتس” أكثر من سيناريو محتمل أمام تعنت نتنياهو من جهة واحتمال رفض “حماس” لتقديم تنازلات تتماشى وشروط إسرائيل.
أحد هذه السيناريوهات “استمرار القتال في شهر رمضان، مما يمكن أن يشمل اجتياح الجيش لرفح، وبعد ذلك تعود إسرائيل لطاولة المفاوضات”، وربما ستناقش أيضاً “عقيدة بايدن” وهي العملية الأميركية الشاملة التي عنوانها “نظام إقليمي جديد”، ولكن تشير الصحيفة إلى أن هذا السيناريو بمثابة مقامرة قد تؤدي إلى تدهور شديد في الوضع الإقليمي بسبب احتلال رفح، الذي سيؤثر بالأساس في السكان المدنيين داخل القطاع.
سيناريو آخر في حال لم يتمخض عن اجتماع باريس توقعات الوسطاء أن يستمر نتنياهو في تحدي الإدارة الأميركية والاستمرار بإطلاق وعد “النصر المطلق”، والتملص من الدفع قدماً بصفقة أسرى، وبالتالي ينسحب المعسكر الوطني برئاسة بيني غانتس من الائتلاف الحكومي.
المصدر: اندبندنت عربية