د. مخلص الصيادي
ما تفضل به راكان السعايدة فيه الكثير من الصحة، لكن شابه بعض الغبش، أو أنه يحتاج إلى بعض التوضيح، ذلك أن القول بأن العداء للإخوان المسلمين كتنظيم، واعتبارهم عدوا أكثر خطورة من ” اسرائيل”، أو أنهم هم “العدو الرئيسي” لهذه الأنظمة، قاد هذه الأنظمة الى إظهار هذا العداء لحماس، هذا التصوير للقضية يحتاج الى تدقيق وتصحيح وتحرير، ولتوضيح الأمر نسأل:
لو أن من يقود المقاومة على النحو الذي نراه، هل ستقف الأنظمة العربية موقفا آخر غير هذا الذي تقفه، وهل كانت ستتحرك لنجدة غزة، والتضامن معها؟
أعتقد جازما أن موقف الأنظمة العربية ما كان ليتغير سواء كان من يقود المقاومة في غزة حماس، أو فتح، أو أي تنظيم فلسطيني آخر، القضية في جوهرها ليست “الأخوان المسلمون”، ولا حتى حماس، القضية في جوهرها”المقاومة الفلسطينية”، معاداة الكيان الصهيوني، والتصدي له، وعدم الاعتراف بشرعيته، والتمسك بكل وسيلة للجهاد والنضال ضده، هذه هي القضية في جوهرها، وقد أحسن السعايدة حينما تحدث عن تدجين الاخوان المسلمين عبر الديموقراطية والعمل في إطار الدول القائمة وآلياتها.
الآن تعلن حماس، وتحالف المقاومة الذي يعمل معها استعدادهم الاعتراف بالكيان الصهيوني، والتعامل معه تنتهي المشكلة، مع الكيان، ومع النظام العربي، وتصبح “الخلافات” على تفاصيل لا قيمة حقيقية لها.
ما أثيره هنا ليس أمرا فرعيا، ولا جزئيا يخص هذه المرحلة من الصراع الذي كان وما يزال أفقه ممتدا، ما أثيره هنا يتصل برؤيتنا لتاريخ القضية الفلسطينية، الذي هو في جوهره تاريخ كفاح وجهاد ومواجهة، وليس تاريخ تسويات.
وتثبيت الموقف المقاوم من خلال هذا الجهاد العظيم الذي تقوده حماس. إنما أدخل الصراع مع العدو مرحلة جديدة مختلفة جدا. ومتناقضة جدا مع تصور “المسار الابراهيمي”، وقبله مسار كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو .
لقد فضحت عملية “طوفان الأقصى” النظام العربي وعرته، بمثل ما عرت وفضحت الكيان الصهيوني. وسجلت نصرا لا تشوبه شائبة، وهزم العدو في عدوانه على غزة وشعب غزة، وعجز عن تحقيق أي هدف له. وهذا هو السبب الرئيسي لموقف النظام العربي ولتواطئه مع العدو ومع جرائمه في غزة، ومشاركته في حصار وتجويع هذا الشعب المجاهد.
وموقف النظام العربي المستسلم للارادة الأمريكية/ الصهيونية، هو الذي يفسر موقفه من المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة.
إن المقاومة، والجهاد، هو الأصل في مواجهة المشروع الصهيوني، وليس في هذا المسار موقف وسط. إما أن تكون مع هذا الطرف أو ذاك.