معقل زهور عدي
بعيدا عن الجدل فيما إذا كان الرد الايراني مجرد مسرحية شاركت في إعدادها الولايات المتحدة والدول الوسيطة بحيث تقوم ايران برد محدود ومتفق عليه لا يلحق بإسرائيل خسائر في الأرواح , في حين يمكن التغاضي عن خسائر محدودة في الممتلكات , أو أن ما حدث أمر مختلف يمكن تلخيصه في أن ايران قامت بهجوم جوي واسع النطاق كان يمكن أن يسفر عن خسائر كبيرة في اسرائيل لكنها فوجئت بحجم التدخل الغربي من قبل القواعد الأمريكية في المنطقة والطيران الأمريكي والبريطاني والفرنسي وقد شكل كل ذلك غلاف أمان بحيث لم يصل للمجال الجوي الاسرائيلي سوى القليل من المسيرات والصواريخ التي تعاملت معها القبة الحديدية الاسرائيلية والوسائط الأخرى المتطورة المضادة للصواريخ والمسيرات .
بعيدا عن ذلك الجدل الذي لا يمكن حسمه دون أن تبقى ظلال من الشك حول جدية الرد أو يقينية الاستنتاج بكونه مجرد مسرحية، فربما يكون من المهم التفكير بالنتائج السياسية لتلك العملية العسكرية التي أطلقتها إيران والتي فشلت عسكريا لكنها أدخلت عناصر جديدة في المشهد السياسي المتبدل باستمرار في هذه المنطقة.
وإذا نظرنا أبعد من الآثار الآنية لتلك العملية ومنها استعادة الجيش الاسرائيلي لشيء من مشاعر الزهو بعد أن مرغت حرب غزة سمعته بالوحل، ومن تحويل الأنظار عن حرب غزة، وتحول اسرائيل فجأة من دولة ترتكب جرائم الابادة شبه معزولة عالميا إلى دولة تدافع عن نفسها ضد العدوان الايراني.
وهي آثار سلبية بدون شك، لكن من المفيد أيضا تجاوزها قليلا للنظر في النتائج الأبعد والأكثر عمقا في السياسة والتي تتجه لتغير معادلات توازن القوى الهش في هذه المنطقة.
فقد أنهت عملية الرد الإيراني حقبة كاملة كانت إيران حريصة فيها على تجنب أي مواجهة مباشرة مع اسرائيل، وليس الأمر هنا يقتصر على الباب الذي فتحته إيران – ربما مضطرة – ولكن ولعله الأهم في الباب الذي انفتح لإسرائيل لتصفية حساباتها مع إيران فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي وهو البرنامج الذي سعت اسرائيل دون نجاح لتدميره أو دفعه نحو الوراء على أمل حدوث تغيير في النظام الايراني في وقت من الأوقات.
والباب الآخر الذي انفتح اليوم أيضا يتعلق بانتهاء المهمة الثمينة التي قامت بها إيران في سورية بأذرعها العسكرية في تمزيق الدولة السورية وبث الروح الطائفية ودعم النظام وتهجير نصف الشعب السوري.
وبانتهاء تلك المهمة أصبح الوجود الايراني في سورية غير مرحب به في نظر الغرب واسرائيل، وقد شهد الجميع كيف تدحرج القصف الاسرائيلي للأهداف الايرانية في سورية من مرحلة تقليم الأظافر إلى غرز الخناجر في قلب ذلك الوجود الايراني وصولا لاغتيال رئيس الادارة الايرانية لشؤون سورية ولبنان (المفوض السامي) الجنرال زاهدي، وفقد النظام الايراني لصبره الاستراتيجي لم يكن بسبب تدمير مبنى للسفارة الايرانية ولا اغتيال جنرال ايراني ولكن بسبب شعوره أن اسرائيل باتت تستهدف وجوده في سورية وليس تحجيم ذلك الوجود فقط.
ما حدث صباح الرابع عشر من نيسان من إطلاق مئات المسيرات والصواريخ تجاه اسرائيل كان لا يهدف للانتقام لزاهدي واستعادة هيبة الدولة الإيرانية فقط ولكنه يهدف بصورة أشد من ذلك لردع اسرائيل عن هدف اقتلاع الوجود الايراني في سورية باستخدام الموجات المتلاحقة من الاغتيالات والقصف للقوى العسكرية التابعة لإيران ومنشآتها ومخازنها وقادتها أيضا.
لكن فشل العملية العسكرية الإيرانية قد يعطي نتائج معاكسة للهدف الذي توخته إيران، بحيث قد نشهد تصعيدا في ضرب القوى الايرانية في سورية، وبالنسبة للحكومة الاسرائيلية فقد انفتح أمامها الطريق لوضع إيران أمام خيارين صعبين، فردها بعد اليوم على قصف مصالحها العسكرية في سورية سيضعها أمام تصعيد يمكن أن يورط الولايات المتحدة والغرب بمواجهة عسكرية معها ليست مستعدة لها.
ولقد أظهرت عملية الرد الايراني مدى حضور وتصميم الغرب على حماية اسرائيل والدفاع عنها دون تردد، ذلك الحضور العسكري الذي أدهش العرب والعالم والذي لعب الدور الأكبر في إفشال الهجوم الإيراني.
إيران اليوم تقف أمام خيارات ضيقة وصعبة، لقد أصبح من غير الممكن أن تعود لممارسة الصبر الاستراتيجي في تلقي الضربات الاسرائيلية في سورية، وحين تتجاوز الخطوط الحمر التي احترمتها طويلا قبل الرابع عشر من نيسان في ردها على تلك الضربات والتي لن تتوقف اسرائيل عن توجيهها لها في سورية فسوف تجد نفسها تقترب بسرعة من الفخ الذي ينصبه لها نتنياهو والذي لن يترك الفرصة الذهبية التي لاحت لخلط الأوراق في المنطقة وإبعاد حرب غزة عن المسرح وإنقاذ مصيره الشخصي المهدد.