ليث أبي نادر
لم تَثنِ التهديدات الأمنية والبيانات المزيفة التي ينشرها الإعلام غير الرسمي التابع للنظام، محتجي السويداء جنوب سورية عن الاستمرار في حراكهم السلمي المناهض للنظام. وتوجه المئات منهم، إلى ساحة الكرامة في مدينة السويداء، مصرين على مطالبهم بالتغيير السياسي.
رفع المحتجون لافتات تطالب بالحرية والعدالة وتطبيق القرارات الأممية، مشيرين إلى تورط الأجهزة الأمنية في محاولات زرع الفتنة بين أبناء المحافظة. كما كشفوا عن شبكات الحسابات الوهمية التي دأبت على بث الشائعات حول محتجي ساحة الكرامة.
الناشط حسن الحلبي، الذي لم يغادر ساحة الكرامة منذ بدايتها، قال لـ”العربي الجديد”: “إن الفتن التي يستحدثها النظام وأزلامه تزيدنا إصراراً على الحق. لا نستغرب من البيانات التي خلفها أنصار حزب البعث، فهي لا تمثل سوى فئة قليلة تضررت مصالحها بعد انطلاق الحراك الذي يوشك على دخول عامه الثاني”.
وأوضح الحلبي أن “النظام يراهن اليوم على عصابات الخطف والقتل والاتجار بالمخدرات لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الانتفاضة الشعبية، التي ساهمت في القضاء على عصابة فلحوط الإرهابية في يوليو 2022، والتي كان النظام يدعمها لترهيب المواطنين وضمان إبقائهم تحت قبضة الأمن”.
ورأى الحلبي أن “الأحداث الحالية تشير إلى احتمالين: الأول هو وجود توافق دولي وإقليمي لإعادة تأهيل نظام الأسد باتفاقيات يقودها الكيان الإسرائيلي، بينما الثاني هو تخبط النظام وإحساسه بالوصول إلى نهايته، حيث يحاول تمديد بقائه لأطول فترة ممكنة. الفصل بين الاحتمالين لا يمكن تحديده قبل نهاية الانتخابات الأميركية”.
تتسارع الأحداث في محافظة السويداء، حيث تصاعدت وتيرة البيانات المناهضة للحراك السلمي الصادرة عن أشخاص محسوبين على النظام. هؤلاء الأشخاص زعموا في بياناتهم تمثيل قراهم، لكن العديد من سكان المنطقة نفوا توقيعهم على تلك البيانات. كما تبين أن بعض البيانات حملت أسماء أشخاص متوفين، وآخرين تم خداعهم.
في الوقت ذاته، يسعى النظام إلى إعادة تشكيل فلول العصابات التي تم تحجيمها بعد الثورة الشعبية، مثل مجموعة راجي فلحوط، التي كانت قد سلمت أسلحتها وتعهدت بوقف نشاطاتها تحت طائلة العقوبة الاجتماعية. الآن، يعيد النظام إحياء مجموعة يقودها زعيم إحدى العصابات في السويداء، المدعو سليم حميد، ويعطيها طابعاً وطنياً عبر صفحات إعلاميين محسوبين على النظام.
هذه المجموعة المسلحة التابعة للنظام أصدرت مؤخراً بياناً مصوراً من قرية مفعلة شرقي المحافظة، هددت فيه حراك السويداء واتهمته بالعمالة للخارج، متوعدة بالتعامل مع نشطائه بقوة السلاح. رداً على هذا التهديد، دعا نشطاء الحراك إلى مسائية احتجاجية في البلدة يوم الأربعاء الماضي، حيث تجمع العشرات من النشطاء. ومع ذلك، قام أفراد المجموعة المسلحة بقطع الطريق على المحتجين باستخدام الأسلحة.
وقال الناشط السياسي وفا أبو مغضب في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن السويداء تمر اليوم بمرحلة خطيرة تعد من أخطر مراحل تاريخها، مُشيراً إلى أن الوضع يُعيد المحافظة مئة عام إلى الوراء، ولكن بوجوه جديدة. وأضاف: “نحاول جاهدين احتواء الموقف ليس خوفاً من الموت، بل حفاظاً على دمائنا ودماء أهل المحافظة ومنعاً للفتنة التي يحاول النظام جرّ المحافظة إليها. وما حدث يُعد نقطة جديدة لصالح الحراك الذي نجح في تجنيب المحافظة الانجرار إلى فتنة النظام، رغم موجة التخوين واللوم التي يتعرض لها النشطاء”.
وأشار إلى أن “ما حدث يذكرنا بما جرى قبل مئة عام خلال الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي، حيث جابه الثوار موجة من التشكيك والتخوين، واعتبروا خارجين عن القانون. اليوم، يتكرر التاريخ بوجوه جديدة؛ فهناك من يسعى للتخلص من المستعمرين وأذنابهم، وهناك من يلتصق بهم ويخون الخارجين بحثاً عن الحرية”. وأكد: “كما شهرت القوى الاستعمارية في زمن الانتداب الفرنسي سمعة مناضلات مثل حبقة نعيم وبستان شلغين، اليوم يُمارس أحفادهم الفعل ذاته ضد النساء في ساحة الكرامة. وما حصل من تخوين وتبرؤ من سلطان الأطرش ورفاقه يتكرر اليوم، لذا لا يُعول على من رهن نفسه للإيرانيين والروس، فكل احتلال زائل والحق سينتصر عاجلاً أم آجلاً”.
وأضاف: “تسود في السويداء تحليلات متعددة في ظل الاصطفافات الحالية، بين معارضين للنظام وبعثيين يحاولون استعادة هيبتهم، وطرف ثالث صامت يرى أن لا جدوى من التظاهرات ما دام الحل بيد القوى الكبرى”.
المصدر: العربي الجديد