تقديم: يراقب المعنيون بالملفات الساخنة في العالم ما يمكن أن يحمله دونالد ترامب في ولايته الثانية من تحوّلات نوعية في سياسة الولايات المتحدة حيال صراعات اشتدت خلال ولاية جو بايدن. وفيما لا يمكن الركون إلى برامج ممنهجة، مكتوبة، عميقة، يعتمدها ترامب لمقاربة شؤون العالم، فإن الباحث يلجأ إلى ما تيسّر من مواقف وتصريحات صدرت عن ترامب رئيسا ثم مرشحا في محاولة لاستشراف ما يمكن أن ينتهجه من سياسات “جديدة” تختلف فعلا عن السائد في واشنطن في التعامل مع حروب الشرق الأوسط واوكرانيا وملفات الصراع مع روسيا والصين وإيران، ناهيك من إدارة العلاقة مع الحلفاء.
نحاول بحذر التعرّف على سياسات ترامب المحتملة من خلال المعطيّات والخلفيات التالية:
– أبدى ترامب خلال ولايته الأولى دعما مفرطا لإسرائيل ولنتنياهو بالذات. كان أول رئيس أميركي ينفّذ قانونا صدر عن الكونغرس الأميركي عام 1995 يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وينقل السفارة الأميركية إليها، كما اعترف بضمّ إسرائيل هضبة الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967.
– وعد بتسوية سياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال اتفاق أطلق عليه اسم “صفقة القرن”. وقد كلّف صهره ومستشاره، جاريد كوشنر، بقيادة فريق لإنتاج هذه التسوية. وصدر عن هذا الفريق خرائط لهذه التسوية تجهض أي آمال لقيام دولة فلسطينية من خلال تجزئة المناطق الفلسطينية إلى مناطق أمنية واقتصادية غير متواصلة.
– أظهر ترامب دعما مفرطا لإسرائيل ونتنياهو في حرب غزّة، واتهم إدارة بايدن في تقييد يد إسرائيل، منتقدا أي ضغوط لوقف إطلاق النار من دون أن تحقق إسرائيل أهدافها. وصدرت عن ترامب مؤخرا دعوات لنتنياهو لتسريع إيقاع الحرب والعمل على إنهائها، حتى قبل دخوله البيت الأبيض في 20 يناير 2025.
– لم يظهر ترامب مواقف معينة من الحرب في لبنان غير تلك التي وعدت بإنهائها قريبا. وكما في الموقف من حرب غزّة، لم يوضح ترامب أية خريطة طريق لإنهاء هذه الحرب ووسائل ذلك إسرائيليا وأميركيا. وظهر كلام ترامب في هذا الصدد عرضيا ولم يكن في متن حملته الانتخابية.
– في الموقف من حرب أوكرانيا، يتساءل المراقبون عن الكيفية التي سيوقف بها ترامب الحرب في ظل مطالبة كييف بانسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014 أي قبل 8 سنوات من بدء الحرب الراهنة في فبراير 2020، وفي ظل تلويح روسيا بحلّ سياسي يضمن الاعتراف بقرارها ضم اربعة أقاليم في شرق أوكرانيا.
– وعد ترامب بالعودة إلى سياسة التشدد مع إيران على منوال ما فعل حين قرر عام 2018 سحب الولايات المتحدة من اتفاق فيينا لعام 2015 المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وعلى الرغم من جولات مفاوضات غير مباشرة جرت بين واشنطن وطهران، شملت تبادل سجناء والإفراج عن بعض الأصول المالية الإيرانية في الخارج، إلا أن العلاقات بقيت متوتّرة ولم يتوصلا إلى اتفاق نووي معدّل.
– في وقت يعد فيه ترامب بعدم الانخراط في حروب جديدة ووقف الحروب الراهنة، ليس واضحا ما إذا كان سيدعم خطط إسرائيل، ونتنياهو، لتسديد ضربات استراتيجية ضد إيران استطاعت إدارة بايدن حتى الآن ضبط سقوفها.
– يرى خبراء في الشؤون الأميركية أن ترامب لم يفرج عن أي خطط جدّية ووازنه بشأن السياسة التي سيعتمدها في العلاقة مع دول العالم والملفات الساخنة. ويرجّح هؤلاء التزام ترامب بالسياسات العامة التي تعدها مؤسسات الولايات المتحدة وأنه لا يملك في كافة ملفات الصراع خططا خاصة به مغايرة على نحو جذري من المنتهج في واشنطن حاليا.
– في إطار التزام الرئيس بسياسات المؤسسات في واشنطن، يذكّر الخبراء بالتزام ترامب أثناء ولايته السابقة بسياسة وزارة الخارجية في مقاربة الانقسام الخليجي الذي نشب بشأن قطر، وبسياسة وزارة الدفاع بشأن مقاربة الأزمة في سوريا ووجود القوات الأميركية هناك والتقيّد برغبتها في إبقاء هذه القوات حتى عندما أعلن قرارا بسحب القوات الأميركية من هذا البلد.
– يعتقد مراقبون أن سياسة ترامب العربية، لا سيما مع مصر ودول الخليج، لن تختلف عن سياسة بايدن لجهة التشاور والتقارب والبحث عن شراكة (مع مصر وقطر خصوصا) لإنهاء الحرب في غزّة. وقد سجّل تطوّر في علاقات الإمارات مؤخرا مع واشنطن ومواصلة الإدارة الحالية السعيّ لإبرام اتفاق استراتيجي مع السعودية، حتى لو جاء متجاوزا شرط التطبيع مع إسرائيل.
– على الرغم من رعاية ترامب في ولايته الأولى لـ “الاتفاقات الإبراهيمية”، غير أن تطوّرات الحرب في غزّة ولبنان باتت تحتاج إلى حوافز أخرى لإعادة إنعاش هذه الاتفاقات في تصاعد المطالبة في المنطقة بإقامة دولة فلسطينية، فيما لا يُظهر ترامب مواقف في هذا الصدد.
– في ظل الصراع الأميركي، بأشكال مختلفة، ضد روسيا والصين وإيران، وفي ظل جمود مواقف ترامب في تناول الملفات الثلاث، سيصعب استشراف سياسة سيعتمدها الرئيس الجديد تكون بعيدة عما اعتمدته الإدارة الديمقراطية حتى الآن.
– وجب الانتباه إلى أن ترامب في الولاية الجديدة يكتشف مشهدا دوليا مغايرا لما عرفه في ولايته السابقة على نحو قد لا يسمح له اتخاذ نفس المقاربات السابقة. كما أن المراقب يفترض أن ترامب بات أكثر خبرة وتمرسا تجعله يكون أكثر حنكة في التعامل مع حلفاء بلاده وخصومها.
خلاصة:
**تفرض التحوّلات الدولية الكبرى التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة شروطا لم يعرفها ترامب في ولايته السابقة وتتطلب منه سياسات قد لا تشبه ما انتهجه سابقا.
**يطالب العالم العربي بإقامة دولة فلسطينية، على نحو لا يظهر في مواقف ترامب، وتضغط على نهجه في تفعيل الاتفاقات الإبراهيمية على قاعدة دعم إسرائيل.
**من غير الواضح كيف سينفذ ترامب وعوده بوقف الحرب في غزّة ولبنان، وما هي أدوات الضغط والتحفيز التي سيستخدمها لتحقيق الأمر.
**لا يفصح ترامب عن خطته لوقف حرب أوكرانيا ومدى اتّساقها مع هواجس الأمن والاستقرار لأوكرانيا والحلفاء في أوروبا.
**سيعتمد ترامب على صيته المتشدد ضد إيران، وعلى التصعيد الإسرائيلي ضد طهران، وعلى موقف إدارة بايدن في إرسال قدرات عسكرية قتالية إلى المنطقة في السعي للتعامل مع إيران وفرض تسوياته عليها.
المصدر: مركز تقدم للسياسات