معن البياري
تسلّم الجيش اللبناني موقعيْن عسكريين في البقاع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وآخر لحركة فتح الانتفاضة، وصادر أسلحة وذخائر فيها، وينوي تسلّم موقعٍ ثالث لتلك الجبهة. وقد جاء هذا الخبر، أمس، ليثير سؤالاً، بالغ الجدّية، ما إذا كنّا، لكي نصادفه، في حاجةٍ إلى فرار بشّار الأسد من سورية، بعد تشديدٍ دوليٍّ على بسط الدولة اللبنانية سيادتها على عموم أراضيها، مع اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، أواخر الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، وإنْ قالت مصادر في الجيش لـ”العربي الجديد” إن “مفاوضاتٍ” من أجل تأمين هذا الإجراء كانت جاريةً مع الجبهة المذكورة منذ شهور، وإن الأخيرة أخلت موقعاً لها في جبل لبنان. وثمّة السؤال، الأهم ربما، بشأن البواعث التي جعلت للتنظيميْن المسنوديْن، تاريخيّاً، من أجهزة نظام الأسد، وجوداً مسلّحاً في لبنان منذ أربعة عقود، بالتوازي مع وجود قيادتيْهما في دمشق، مع حضورٍ عسكريٍّ طفيف، ظلّ النظام المخلوع يستخدمه لتأدية وظائف استخبارية، وارتكاب اعتداءاتٍ موضعيةٍٍ على آمنين فلسطينيين في مخيّماتٍ منهكةٍ في الأراضي السورية.
ليس من تفاصيل متوفرة، موثّقة من مصادر موثوقة، عن عدد المسلحين المنتسبين للفصيليْن أعلاه، وكذا للجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين اللتيْن لا يُعرَف ما إذا لهما معسكراتٌ في سورية، ولفصائل أخرى ميكروسكوبية، فاجأتنا أسماء مسؤوليها عندما كان يستقبلهم بشار الأسد، أو عندما يرتحلون، مع ممثلين عن تينك الجبهتيْن، وعن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، (وغيرهما) إلى بكّين والجزائر والقاهرة واسطنبول… إلخ، في المواسم المُضجرة لاتفاقيات المصالحات الفلسطينية النافلة. ولمّا اصطفّت هذه التنظيمات (باستثناء “حماس” في طوْر أول قبل تكويعها استجابةً لضغوط إيرانية، و”الجهاد الإسلامي” التي احترفت الصمت) مع النظام السوري، في غضون حربه على الثورة وناسها في الثلاثة عشر عاماً الماضية، ولمّا شارك بعضُها، في فصولٍ معلومة، في إطلاق الرصاص على فلسطينيين وسوريين، ولمّا ابتذلت نفسها في عدم تهنئتها الشعب السوري بإطاحة الأسد وأجهزته، يصير في محلّه كلُّ سؤالٍ عن السبب الذي يجعل أغلب هذه الفصائل في الشام ولبنان لا تحلّ نفسها، فتريح وتستريح. ليس فقط لانعدام أي نفعٍ وطنيٍّ منها لفلسطين، بل أيضاً لأنها، في شيخوختها الراهنة، وذيليّتها العتيدة للنظام الساقط، عبءٌ على الشعب الفلسطيني الذي ليس له أن يتحمّل بؤسها وشحوبها، وهي التي ما عاد للتّها وعجنها عن المقاومة والممانعة أيّ رجع صدى.
لا يخصم الكلام أعلاه من تضحياتٍ بطولية، وأدوار وطنية، كانت لفصائل اليسار الفلسطيني في زمن ولّى، وإنما مؤدّاه أن الإيقاع الفلسطيني الراهن، ومعه اللبناني والسوري، لا يحفل بالإقامة في الماضي، ولا يعنيه هذا بشيءٍ، في زمن الإبادة الجماعية في غزّة، وتحطيم السوريين تماثيل حافظ الأسد. فضلاً عن أنه لا قاعدة شعبية وازنة أو شبه وازنة في فلسطين والشتات لتلك الفصائل وبقاياها في الشام ولبنان. ومع كل تقديرٍ لمشاعر وطنية مؤكّدة في جوانحهم، بل لاستعدادهم لبذل أرواحهم، فإن الشبّان الملتحقين عساكرَ بها إنما أخذهم إليها يأسٌ وإحباطٌ وبحثٌ عن رزق وعن تصريف الوقت، من دون تأهيل وكفاءة قتالية أو إحاطة وافية بشروط المواجهة مع العدو، وهذه المواجهة في فلسطين وحدها وليست في أيِّ أرضٍ أخرى.
صار من الشجاعة والمروءة، بل والأخوة العربية إن شئت، أن يعتزل القائمون على أمر الفصائل الفلسطينية في سورية ولبنان، ويُعلنوا تسليم كل سلاح مع العناصر التي تتبعهم إلى السلطات في البلدين، مع تقنين وجود سياسيٍّ ومدنيٍّ لتنظيماتهم التي يحسُن أن تتحوّل هيئاتٍ ناشطةً في العمل الأهلي في خدمة الفلسطينيين في المخيمات، وفي أي مكان. والاشتغال مع التشكيلات الوطنية والثقافية الفكرية الفلسطينية في الخارج على إنقاذ منظمّة التحرير وإعادة بنائها. وقد حان الوقت للتمثيلات الفلسطينية الكرتونية الأشبه بدكاكين فارغة في لبنان وسورية لتنهي احتضارها بالإنصراف، فلا لزوم في الزمن السوري الجديد لعناوين ارتهنت للأسديْن طويلاً، وكانت فلكلوريةً في صور المصالحات الفلسطينية إياها. هذا أنفع للشعب الفلسطيني، وشقيقيه السوري واللبناني، أنفع من أيّ مكابراتٍ قد تأتي بما هو غير مستحسن.
المصدر: العربي الجديد