بعث النائب العام لدى “محكمة الميدان الثانية” في دمشق (الاثنين) كتاباً إلى أمين السجل المدني في السويداء، يبلغه فيه عن وفاة وافد ابو ترابة، الذي اعتقلته قوّات النظام، متهمةً إياه بالمسؤولية عن التفجيرات التي هزّت منطقة ظهر الجبل والمشفى الوطني في مدينة السويداء في أيلول/سبتمبر 2015، والتي استهدفت موكب زعيم “حركة رجال الكرامة” الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس، وتسببت بمقتل 68 مدنيّاً، منهم الشيخ أبو فهد.
وكان أبو ترابة، قد اعتقل في 6 أيلول/سبتمبر 2015، بعد يومين على التفجيرات، أثناء تواجده في بلدة المزرعة، المعقل الرئيس لـ”حركة رجال الكرامة”، ومن ثمّ سُلّم إلى قائد مليشيا “حماة الديار”، الذي سلّمه بدوره للجهات الأمنيّة. الجهة التي اعتقلت أبو ترابة وسلمته إلى “حماة الديار” طلبت محاكمة شعبيّة له ضمن أراضي الجبل، إلّا أنّ زعيم “حماة الديار” سرعان ما ادعى بأن أبو ترابة صار في حوزة جهات أمنية، ومن بعدها تمّ التحقيق مع أبو ترابة، بحضور بعض الزعامات الموالية للنظام في السويداء، التقليدية والدينية، ليخرج من بعدها أبو ترابة، على التلفزيون الرسمي وهو يعترف بتنفيذه لتفجيرات السويداء، بالاشتراك مع آخرين.
ومن ذلك الحين، تعالت الأصوات في محافظة السويداء، مطالبة الجهات المختصة بإجراء تحقيقات علنية وحيادية مع أبو ترابة، وإعادة فتح ملفّ التفجيرات والتحقيق فيها. فالرواية التي بثت تلفزيونيّا لأبو ترابة، لا ترقى لتكون محاكمة أو تحقيقاً، ولا حتى دليلاً دامغاً لجريمة كبرى، كالتي حصلت. أصوات لم تلق اهتماماً من الجهات المعنية وبقي ملفّ تفجيرات السويداء، وما تبعه من أحداث، ومنه اختطاف رئيس اللجنة الأمنية شبلي جنود، في دائرة الإبهام والتعتيم.
ورغم اعترافات أبو ترابة التلفزيونية، تشير الدلائل والقرائن إلى أنه لم يكن أكثر من كبش فداء استخدمه النظام للتغطية على جريمة اغتيال البلعوس، والتي صار من شبه المؤكد أن جهاز “الأمن العسكري” بزعامة وفيق ناصر، حينها، هو من خطط للعملية ونفذها. خروج أبو ترابة الإعلامي، واعترافه بجريمة من ذلك الحجم، كانت سبباً في منع تطور الأحداث في السويداء باتجاه مواجهة شاملة مع النظام.
في أيار/مايو 2018، أصدرت عائلة أبو ترابة بياناً طالبت فيه الجهات الأمنية والتنفيذية بإحالة المعتقل الوافد نايف أبو ترابة للقضاء ومحاكمته بشكل نزيه وعادل، مستنكرةً مرور ثلاث سنوات على اعتقاله من دون عرضه على القضاء حتى الآن، مؤكدة أن مصيره لا يزال مجهولاً، ولم يسمح لهم بزيارته، مطالبين “الجهات الأمنية والتنفيذية إحالته للمثول أمام القضاء المختص وإجراء محاكمة عادلة له علماً أن القاعدة القانونية تقول: إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وإن جميع الاعترافات لا يكون لها أي قيمة قانونية إلا أمام القضاء”.
جاء الرد على هذه المطالبات المستمرّة والمتواصلة بتصفية أبو ترابة تحت التعذيب في معتقلات النظام، وخلافاً لما هو دارج في التعامل مع ملف ضحايا التعذيب لدى أجهزة النظام، فقد تمّ تسريب كتاب المحكمة الميدانية المبعوث إلى دائرة السجل المدني في السويداء، إلى الإعلام. إضافة إلى أنّ الكتاب لم يحدد سبب الوفاة كما هو متعارف عليه لدى السوريين، والذي غالباً ما يكون إثر أزمات قلبية أو ما شابه. وبيّن الكتاب أنّ أبو ترابة توفي منذ عام 2016، إلّا أنّ الظروف لم تسمح بإعلام ذوي المتوفى بوفاته بذلك التاريخ، بحسب ما جاء في الكتاب.
إذاً، هذا هو التوقيت الذي رآه النظام مناسباً للإعلان عن وفاة أبو ترابة؛ فأبناء المحافظة مشغولين في مواجهة تنظيم “داعش” الذي ارتكب مجزرة في الريف الشرقي ومدينة السويداء في 25 تموز/ يوليو المنصرم، والتي راح ضحيتها أكثر من 250 شهيداً وعشرات الجرحى والمختطفين، ولا تزال تبعاتها سارية على الأرض إلى الآن.
ويرى ناشطون في محافظة السويداء في توقيت إعلان وفاة أبو ترابة، ورقة جديدة يطرحها النظام لخلط الأوراق وبث الفتن في المحافظة وضرب التوافقات التي أفرزتها المحنة الأخيرة في المجتمع المحلي في السويداء. بينما يرى آخرون أن النظام استثمر الظرف الذي تعيشه المحافظة والخطر المحدق بها، ليتخلص من أخطر الملفات الأمنية لديه في المحافظة، وهي تفجيرات أيلول 2015، من دون أن يثير هذا بلبلة تذكر في مجتمع السويداء المشغول بمقاومة داعش، وهو ما يعدّه أولويته الآن. وبهذا يكون النظام قد أقفل ملف تفجيرات 2015 بأقل الخسائر.
المصدر: المدن