تسليط الضوء على حجم الفجوة بين اللاجئين والمجتمع المُضيف، ومحاولة الإجابة عن بعض المعوّقات التي تقف أمام اللاجئ، وإمكانية حل كآفة الإشكاليات لبلوغ الإحساس بالمساواة والعدالة من مبدأ إنساني وخلقي في الدولة المُضيفة.
إنّ قواعد القانون الدولي والقانون الإنساني خصّت اللاجئين بنصوصها، لكن لم تمنح الحماية المطلوبة للاجئ في دول اللجوء، وذلك بسبب عدم تفعيل تلك النصوص بالقدر الذي يحقق الغرض الذي وضعت من أجله! فهي نصوص صورية وكأنّها (ديكور دولي) لابدّ منه لاستمرار صفة الوصاية الدولية والعالمية على شعوب منطقة إقليم الشرق.
منْ هو اللاجئ؟
اللاجئ لغةً ً: لجأ _يلجأ _لجوءاً بمعنى (التلجئة) وهي الإكراه، كقول: ألجأ أمره إلى الله أي أسنده.
اللاجئ اصطلاحاً: هو من لاذ بغير وطنه فِراراً من اضطهادٍ سياسيّ أو ظلم أو حرب أو مجاعة.
اللاجئ في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951م ” أنّه شخص يوجد خارج بلد جنسيته بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر أو الدين أو القومية أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد ” ويُعد هذا التعريف منقوص، حيث لم يذكر أنّ وصف اللاجئ يتضمن أيضاً الأشخاص الذين يفرون من أوطانهم نتيجة نشوب الحروب الأهلية أو عدوان خارجي أو احتلال أو سيطرة أجنبية.
اللاجئ وفق اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لشؤون اللاجئين لعام 1969م ” أنّه الشخص الذي يضطر إلى مغادرة دولته الأصلية بسبب عدوان خارجي أو احتلال أجنبي أو سيطرة أجنبية أو بسبب أحداث تثير الاضطراب بشكل خطير بالنظام العام في إقليم دولته الأصل كله أو جزء منه.
والمعروف عموماً أنّ أسباب اللجوء هي:
- الحروب والاضطرابات الأمنية.
- الفقر وسوء أوضاع البلد.
- انعدام الحقوق الأساسية والحريات أو الملاحقة الأمنية.
مأزق اللجوء بعد ثورات الربيع العربي:
شهدت المجتمعات العربية موجات لجوء واسعة طالت عدة بلدان عربية وأجنبية، وكان أكثرها إلى دول الاتحاد الأوروبي وتركيا وكندا، وذلك بعد الثورات العربية التي قامت ضدّ منظومة الاستبداد المشرقي والفساد والظلم، فبعض الدول نجحت ثورتها وأصبح لديها حكم ديمقراطي ودستور وطني ناظم متفق عليه (تونس) وبعض الدول لبست ثورتها عباءة التحرر والاستجابة لمطالب الشعب _ فانقلبت على رأسها ورجع حكم العسكر ودور الدولة العميقة من جديد (مصر) أما ليبيا فكانت مغارة علي بابا بسبب (النفط) وحانت فرصة تحقيق المكاسب، حيث رأينا حلف الناتو وأداء الثورة المُضادة، وفي سوريا التي بدأت الثورة فيها بقوة عارمة ومندفعة بكليتها وعُرفت بسلمية وشفافية المطالب ووحدة الهدف وشعارات الحرية والكرامة التي رفعت صوتاً موحداً ” واحد واحد الشعب السوري واحد “.
سرعان ما تحوّلت إلى حرب ضروس غير عادلة وغير متكافئة بين الشعب والنظام الحاكم المتمثل بحكم بشار الأسد، ومازالت الحرب مستمرة رغم كل محاولات النظام الفاشلة، لِإطفائِها وطمسها بتيسير دخول التنظيمات القاعدية الإرهابية واستجلاب ميليشيات حزب الله اللبناني والتدخلات الأجنبية التي تحالفت معه (إيران وروسيا).
ومما لا شك فيه أنّ سياسة النظام السوري تجاه الثورة أخذت شكل استنزاف الوقت قدر الإمكان من أول المظاهرات، حيث يتمظهر ويبدي تعاوناً مع الموفدين الدوليين واللجان الأممية، وقتل الوقت بالروتين والتفاصيل المملة ليحرف الثورة عن مسارها الطبيعي.
وبعد استعراض لمحة عن حال دول الربيع العربي، أرجع لمأزق اللجوء ولنا شاهد ودليل على التجربة (تسبق) الحديث، وهو اللاجئ الفلسطيني الذي عاد به التاريخ إلى الوراء بلجوئِه الثاني مع أشقائه السوريين، يواجه اللاجئ صعوبات وتحديات جسام في دول اللجوء، فمسألة الاندماج في مجتمعات الدول المُضيفة ليست بالأمر البسيط. فتركيبة وطبيعة المجتمعات تختلف عن بعضها البعض، من حيث المنشأ والعادات والتقاليد، فضلاً عن الإرث المُحمّل من اللاجئ إلى دولة اللجوء، سواءً الديني أو الثقافي أو السياسي وحتى الاقتصادي، وما ينجم عن تلك الاختلافات من تبعات نفسية واجتماعية واقتصادية يُنبئ بفشل الاندماج بين اللاجئ والمجتمع المُضيف!
وبناءً على احصائيات لُوحظ أنّ تفاعل الأطفال وجيل الشباب مع مجتمعات اللجوء وصلت _لنسب عالية _على عكس آبائهم، ساعد على ذلك تعليم اللغة فكانت عاملاً وقاسماً مشتركاً لِكلا الطرفين، لغاية الاندماج ومتابعة مسيرة التعليم في المدارس والجامعات والحصول على فرص عمل مناسبة.
وهنا تكمن إشكالية الاندماج ويجب ضبطها أو مراعاتها وهما حالتان: الأولى: فريق يعتمد على مذهبه في الأصالة ومتشدد في عاداته وتقاليده دون الاكتراث بنظرة المجتمع الجديد، وربما عاداته استفزازية مقيتة بالنسبة لهم.
الثانية: فريق عصري لدرجة الافراط في أدبيات وقواعد تربى عليها سابقاً، ولا يجد حرجاً في الانخراط التام مع عادات المجتمع الجديد، معتبراً أن هذا ضروري بهدف التجنيس والاستقرار.
ما يتوجب على الدولة المُضيفة فعله إِزاء اللاجئين إليها:
بغاية تسهيل عملية الاندماج في مجتمعات اللجوء يتوجب على حكومة الدولة توفير التالي:
- تسهيل دخول اللاجئين نحو سوق العمل.
- تسهيل عملية التجنيس ومنحهم حق الانتخاب والمشاركة السياسية.
- التحلي بالجرأة عند مقارنة القوانين والتشريعات القانونية المتعلقة بسياسة الاندماج التي تقوم على أسس مشتركة.
- تسهيل عملية تعليم اللغة وتقديم فرص عمل مشجعة لهذا اللاجئ.
- مساهمة الإعلام في نقل الصورة الحقيقية عن ظروف ومعاناة اللاجئين (بهدف التوعية وإعانة اللاجئ على تيسير شؤونه، بإخراج الأوراق الثبوتية التي يحتاجها وبمسألة منح الجنسية).
من خلال ما سبق نذكر ما قامت به تركيا من تسهيل عملية تعليم اللغة حيث أطلقت بدوائرها ومؤسساتها الحكومية _مجانية تعليم اللغة _ للأجانب عموماً (اللاجئين العرب).
البعد القانوني لقضية اللاجئين في العالم:
عند الحديث عن الإنسان والمخاطر التي تهدده داخل وخارج دولته الاصلية، نعرج على القوانين الدولية والقواعد القانونية الضامنة لحقوق الإنسان.
1_الوضع القانوني للاجئين وفق اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين لعام 1949م:
جاء في نص المادتين (44-45) من هذه الاتفاقية أنّها تضمنت قواعد عامة لحماية اللاجئين أثناء النزاعات المسلحة وتتمثل القواعد في التالي:
- احترام الأشخاص المدنيين وشرفهم ومعاملتهم معاملة إنسانية، كما تلتزم الدول أطراف النزاع في جميع الأحوال باحترام اللاجئين وعاداتهم وتقاليدهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية.
- لا يجوز في جميع الأحوال ممارسة أعمال العنف ضد اللاجئين المدنيين أو التعرض لصحتهم أو سلامتهم البدنية أو العقلية، كما تحظر الاتفاقية انتهاك الكرامة الشخصية أو المعاملة المهينة للإنسان التي تحط من قدره، أو أي صورة من صور تخدش الحياء، كما تحظر الاتفاقية احتجاز اللاجئين كرهائن.
- لا يجوز القيام بأعمال السلب أو النهب أو الانتقام ضد اللاجئين وتبقى هذه الحماية مضمونة لهم دون تمييز يتعلق بصفة خاصة بالدين أو العنصر، مع ضرورة احترام كافة الأحكام الخاصة بالمرضى والنساء والأطفال.
- يمنع على الأشخاص المحميين بموجب هذه الاتفاقية التنازل عن حقوقهم جزئياً أو كلياً منذ بداية النزاع وحتى انتهاء الاحتلال أو العمليات الحربية بشكل عام.
2_ الوضع القانوني للاجئين وفقاً لأحكام البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م
وسع البروتوكول الإضافي من مضمون نص المادتين (44 و45) من اتفاقية جينيف الرابعة من خلال نص المادة (73) منه التي نصت على انه ” تكفل الحماية وفقا لمدلول البابين الأول والثالث من الاتفاقية الرابعة وذلك في جميع الظروف ودونما تمييز مجحف للأشخاص الذين يعتبرون قبل بدء الأعمال العدائية ، مما لا ينتمون إلى أي دولة أو من اللاجئين بمفهوم المواثيق الدولية المتعلقة بالموضوع والتي قبلتها الأطراف المعنية ، أو بمفهوم التشريع الوطني للدولة المضيفة أو لدولة الإقامة ” كما أوردت المادة (78) من البروتوكول الإضافي الأول حماية خاصة باللاجئين من الأطفال والذين يحتاجون إلى مساعدة خاصة أهمها حق التعليم والتربية والرعاية الصحية …الخ ، إضافة إلى تمتعهم بالحقوق التي يمنحها لهم القانون الدولي للاجئين الذي يظل ينطبق عليهم رغم قيام النزاع شأنهم في ذلك شأن غيرهم من اللاجئين .
واللاجئ الصالح والفَطِن هو من احترم قوانين الدولة التي يقطن على أرضها، وراعى ضوابطها وأحكامها، وتجنب الصراعات السلبية والجانبية مع أبناء مجتمع اللجوء، القائمة على الهوية والعرق والانتماء، وسعى جاهداً إلى تطوير وتحديث نفسه على قدر استطاعته، ولا ينتظر ويعتمد على مساعدات دولة اللجوء إليه، بل يعمل ويساهم في تحسين وضعه المعيشي وفق أسس سليمة وصحية، ولا ينسى وطنيته وايمانه الذي جُبل عليه.
وتجدر الإشارة الى انه لابد من: مطالبة الدول والمنظمات الدولية بالقيام بالدور الفعال الذي يتناسب مع مستوى نصوص القوانيين المبرمة عندهم ومع حجم مشكلة اللاجئين وتفاقمها حول العالم.
اتخاذ التدابير اللازمة على المستوى الدولي والإقليمي لإنهاء حكم الاضطهاد والاستبداد والاجرام في الدول العربية، من أجل رجوع اللاجئين بأمان الى دولهم الاصلية وللحد من نسبة اللجوء.
تجريم كل دولة واستخدام المحاسبة القانونية بحقها إذا امتنعت عن فتح أبوابها لدخول واستقبال اللاجئين الفارين من الحروب والقتل والمخاطر في بلدانهم.
عقد مؤتمرات دورية من أجل حماية حقوق اللاجئين بشكل فعلي وبموجب اتفاقيات جنيف والبروتوكول الملحق وعدم السماح للدولة المستضيفة بمضايقتهم وانتهاك حقوقهم.
والعمل على زيادة نسبة الوعي عند المجتمعات الدولية وتعزيز الثقة بين الحكومات وأبناء مجتمعهم والتعريف باللاجئ حتى يتم مساعدته أولاً من منطلق انساني وأخلاقي.
وأخيراً دعوة إلى الالتفاف حول كيان وطني جامع لكل السوريين في دول اللجوء، بهدف الاشتراك بالمصير والقرار الواحد الجامع، للتخلص من الانقسامات الهوياتية، السعي لبناء هوية وطنية سياسية بعيدة عن المذهبية والمصلحية والعرقية والعنصرية.