مازالت الجهود ماضية حول مآلات ادلب وأهميتها لكل الأطراف الخائضة في الصراع السوري، وفي وقت سابق وقعت الدول الراعية لمفاوضات أستانا 4(تركيا، روسيا، إيران) اتفاقية خفض التصعيد على اعتبار ادلب النقطة الرابعة والأخيرة في تلك الاتفاقية التي تمّ اِبرامها في 4 مايو/ أيار 2017 بمنأى عن الشعب السوري.
ادلب لا تختلف عن سابقاتها من المدن في شيء ، هي مدينة سورية مثل حمص ، ودرعا ، ودمشق ، وما جرى بالأمس لا يستبعد اليوم مع اختلاف في نوع اختيار آلية المصالحة والمساومة ، ولا نتمنى لإدلب إلّا الخير والسلامة ، رغم كثرة التهديدات بالهجوم عليها ، فهذا رأس النظام وخلال مقابلة مع وكالة أنباء روسية في 27 تموز/ يوليو الماضي ، رداً على سؤال حول أولوية القوات الحكومية ، قال ” منذ بداية الحرب حينما سيطر الارهابيون على بعض المناطق في سورية ، أكدنا بوضوح أنّ واجبنا يكمن في تحرير كل شبر من الأرض السورية ، و أنّ من أولويات الجيش السوري هو تحرير إدلب من التنظيمات الإرهابية ” .
بدايةً لنحاول أن نفهم ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين إدلب ونقاط خفض التصعيد السابقة؟ ادلب بالنسبة للطرف الروسي هي خاتمة أعماله وخدماته لنظام الأسد، وآخر معقل من معاقل الثورة، تسعى بكل وِسعها إلى اسقاطها وانتزاعها من أيدي ثوارها، مهما كلف الأمر، سيما أنّها من أبرز اللاعبين الدوليين في المنطقة والملف السوري، وباتت صنماً يقدس ويحسب له أكثر من حساب، تتوالى اللقاءات والتفاهمات والمفاوضات كي تتعفف عن القتل والإجرام بمشاركة النظام السوري، وكي تؤجل الهجوم العسكري على إدلب. وما موافقة روسيا على تأجيل الهجوم إلّا لسلامة قاعدتها العسكرية حميميم ومنع الثوار من الاقتراب منها، ومداراة لنظيرها التركي، الذي تعهد لروسيا بفتح أسواقه للترويج للبضائع الروسية.
أما ادلب بالنسبة للطرف التركي: فهي الواجهة الأمامية التي تضمن أمنها القومي من جهة، ومن جهة أخرى تنسيقها مع روسيا لعدم اقتراب الميلشيات الكردية من الحدود التركية، والحفاظ على إيجابية العلاقات بين تركيا والثوار والمعارضة عموماً، وعلى ضوء تباين المصالح لدى الطرفين إلا أنّ الذريعة الأوّلية للهجوم على إدلب هي محاربة التنظيمات الإرهابية المتمثلة بهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) والتي تضم في صفوفها كيانات غير سورية (مهاجرين أجانب) هو الهدف المشترك الذي يخطط له على كل الصعد. وفي نفس السياق كشفت الولايات المتحدة عن رغبتها في إنهاء ملف هيئة تحرير الشام وكل من يرتبط بها من فصائل في ادلب، والتخلص من القلق الذي يتوجس به البيت الأبيض، مما سبق يصعد إلى أذهاننا أن نسأل: ما هي آلية الخلاص من هيئة تحرير الشام؟ هل هو قتال الفصائل المعتدلة مع غير المعتدلة؟
إنّ المهلة التي أخذتها تركيا كافية لإعادة الأمور إلى نصابها، وعملية الخلاص من هيئة تحرير الشام ستمضي بها تركيا بشكل تدريجي، حيث تبقى الهيئة تحت المراقبة والأنظار، وباعتقادي فإن أمر حلّ نفسها ليس مهماً بقدرِ خضوعها لمن سيدفع لها مالاً ويحامي عنها أكثر، وبالتالي هي طوع بنانه، وآخر الحلول سيفتح لعناصرها ممرات للهروب بحثاً عن مكان آخر يفسدون به!
وعلى هامش التنافس التركي – الروسي هناك الموقف الإيراني الذي يشجع النظام على الحسم العسكري ، لكن على ما يبدو أنّ إيران تراجعت عن تدخلاتها وتصريحاتها مؤخراً ، بسبب فرض الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية المتلاحقة عليها ، وما تشهده إيران من أحداث داخلية ومن مظاهرات شعبية بين الفينة والأخرى أربكت وجودها الإقليمي كلاعب أساسي في المنطقة ، وبالتالي هذا ما دعاها لحبك مسرحية الهجوم على العرض العسكري (للحرس الثوري) في مدينة الأحواز ، حتى تستجمع قواها وتستعيد هيبتها من جديد ، ولكي تقول للعالم كلّه بصوت المظلومية أنّها تتعرض للإرهاب ، وتحتاج إلى دعم ومؤازرة للحرب عليه .
لكن على من ينطلي كذب ودجل إيران؟ تظن إيران بمخططاتها أنها ستبيض صفحاتها أمام التاريخ والعالم، أليست هي نفسها التي أجرمت وذبحت السوريين بدمٍ بارد وبنفس طائفي؟! وأقول لكلّ من أدى التعازي من العرب بكذبة العرض العسكري وزمجر اعلامياً مسبحاً وممجداً بأفضال الإيراني عليه، لا عشت ولا عاش مشروعك ولا رفع الله لك راية، بل زادك سخطاً وسقوطاً بأعين الخاصة والعامة.
وبالرجوع إلى الوضع في إدلب الذي أصبح أكثر تعقيداً لأنّ المخاوف لم تزول فوعود الروس لا أمان لها، ويمكن في أيّة لحظة أن تتغير الموازين وتميل الكفة على غير ما اتفق عليه الطرفان ، وما يهم الشعب السوري ما كسبه وهو ما نتج عن الاتفاق الثنائي (الروسي _ التركي) بخصوص تأجيل الهجوم العسكري، تجنيب كارثة إنسانية قد تحصل إثر الهجوم وتضاف إلى سجلات الاجرام الأسدي/ الروسي ، عدا عن الحدّ من التهجير القسري خصوصًا بعد المنافذ التي سُدّت وأغلقت بوجه السوريين، وأخيراً الأمل الذي تجدد والحقّ الذي عاد بمظاهرات أحيت نفوسنا وعزيمتنا في ادلب وريفها وريف حلب وريف حماة. .