حديث إدارة ترامب عن عدائها لإيران، وحتى ولو اتخذت خطوات لإخراج إيران من سوريا، أو بما يؤدي إلى إضعاف نفوذها، لا يعني يا جماعة انتظار المعجزة الأمريكية، أن ترامب لديه رؤية أو خطة لمساعدة السوريين على التغيير، والمضي بعملية سياسية تحقق انتقالا سياسيا حقيقيا في سورية، فليس هذا أو ذاك هو محرك سياسة ترامب في سوريا، واختلافه عن سلفه أوباما في إدارة الشأن السوري، لا يعود إلى كونه “صاحب نهج واقعي ومبدئي في الشرق الأوسط ” كما تحدث في الأمس أمام الأمم المتحدة، وإنما لأن إعادة ترتيب المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، هو المحرك الأساسي في مواقف ترامب وتعبيره عن ذلك بأسلوب مباشر وفج على خلاف طريقة الإدارات السابقة في ترجمة مصالح أمريكا، وإذا كان من الصحيح في السياسة القول: أنه يمكن لنا الاستفادة كسوريين وعرب من التصعيد الأمريكي ضد عصابة الملالي في طهران، فهذا لا يجوز أن يحجب عنّا الحقائق السياسية التي تقول بدورها: إن سياسات أمريكا في العراق وفلسطين وسوريا ومصر والخليج، تؤكد في مختلف إدارات الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، أنها لا تريد لبلادنا التحرر وبلوغ الديمقراطية، وإنما ضمان أمن ومصالح إسرائيل والتحكم بالنفط والغاز، وما عدا ذلك بيع أوهام وشراء ذمم، وتلاعب بالقضايا العادلة، وتدوير الأزمات والصراعات بما يخدم أهدافها.
يكفي مراهنات خاسرة وتحديداً من النخب السياسية التي تصدرت مشهد الثورات العربية، على حصان أمريكا الجامح، الذي داس حقوق ومصالح العرب ولازال قبل إيران وغيرها، ويكفي تعويض القصور والفشل في إدارة مشاريع التغيير، بمزيد من التوغل بمنطق انتظار الفرج على يد من دعموا إسرائيل والأنظمة العربية، ومن عملوا كي يشوهوا ثوراتنا ويتنكروا لمطالب شعوبنا باسم فزاعة الإرهاب. يكفي تقديم نماذج أكثر بؤساً من الأنظمة التي خرجنا عليها، والتي كانت تعادي أمريكا وإسرائيل في العلن، وتقدم لهما فروض الطاعة والإذعان في الواقع، وهل أكثر بؤساً من تلك الأصوات التي تريدنا باسم الحرية، أن نصدق أن أمريكا هي المنقذ، وأن خلاصنا بيدها، وأن جبروتها يفرض علينا مجاراتها والتماهي مع رغباتها، وهل فكرت وفعلت الأنظمة العربية والأحزاب السلطوية بكافة تلويناتها غير ذلك؟؟
حين نبدأ التفكير جدياً وبإخلاص في تغيير طرائق تفكيرنا، ووضع سياسات مستقلة ومسؤولة وواعية، بما يخدم حقوقنا ومصالحنا الوطنية خارج صندوق بيع الأوهام، فلا بد أن الخروج من هذه المتاهة يبدأ من هنا.