عنوان مقالة مهمة كتبها المحللان الروسيان في المجلس الروسي للشؤون الدولية، الصديقان كيريل سيميونوف وانطون مارداسوف تم نشرها في صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” بتاريخ 11/11/2018.
تتحدث المقالة عن لقاء مفتي سورية أحمد حسون مع طلبة الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب في موسكو منذ أيام، حيث قال بأنه لا يؤمن بموضوع “الاكل الحلال” والمصارف الاسلامية المنتشرة في عدة دول اوروبية. ويعتبر حسون ذلك تلاعبا بالمصطلحات الاسلامية يؤدي إلى التفرقة والتمييز بين الناس. ويعتبر الكاتبان أن حسون يروج لفكرة “الاسلام العلماني” التي قد تحل محل فكر حزب البعث الذي فقد قاعدته الفكرية والسياسية بعد سنوات الثورة الثمانية في سورية (حيث يصرح عدد من كوادر الحزب في اللقاءات الخاصة بأن نظرية الحزب فقدت مصداقيتها وحيويتها).
ونرى أن نظام الاسد الذي يحظى بدعم من روسيا وإيران غير مستعد حتى اليوم لإيجاد صيغة مشتركة مع أطراف المعارضة، باستثناء تلك الموالية لدمشق و”المرتهنة” للنظام.
النظام السوري يسمي ما حدث في سورية “عدواناً” و” أزمة” و “حرباً على الارهاب” ولا يعترف بالطابع المدني للنزاع ويحاول العودة للماضي متجاهلاً أسباب الربيع العربي.
كما أن ممثلي حزب البعث الحاكم يعترفون في اللقاءات الخاصة بأن الايديولوجية البعثية لم تعد توافق الواقع الحالي، وأن هناك نقص فظيع في الكادر. وأن كل ذلك يشكل قنبلة موقوتة مقابل الكلام عن الاستقرار في النخبة الحاكمة. بالإضافة إلى عيوب الايديولوجيا البعثية التي تُعْرَف بطبيعتها العنفية. فهي تحول المجتمع إلى حالة يصعب جدا فيها الانتقال السلس الى بديل، فيما إذا انهارت المنظومة القديمة.
وقد تعرضت ايديولوجيا القيادة السورية الى تغيرات خلال فترة الصراع حيث يقترن الادعاء بالعلمانية مع الخطاب الاسلامي.
ويعتبر الكاتبان أن النظام البعثي حصلت فيه تغيرات منذ وصوله الى السلطة: من العلمانية العنفية إلى الصحوة الاسلامية وصولاً إلى تشكل فكرة جديدة (عقدية) تسمى “الاسلام العلماني” خلال الحرب الأهلية.
سعت القيادة البعثية في عهد حكم حافظ الاسد إلى “علمنة المجتمع السوري” ثم تقوت بعد انتفاضة “الاخوان المسلمين” التي قمعت في حماه 1982. وفقط في آخر سنوات حكمه قام حافظ الاسد ببعض التنازلات في المجال الديني لإدراكه خطر تجاهل “الصحوة الاسلامية” التي انتشرت في العالم العربي انذاك.
وسار بشار الاسد على خطى ابيه، حيث أطلق سراح العديد من الاسلاميين المرتبطين بالإخوان المسلمين وسمح بارتياد المساجد في الفترات ما بين الصلوات وكذلك ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات.
وقامت أجهزة المخابرات السورية في عهد بشار الاسد بطريقة مدروسة بتنظيم حركات ومظاهرات تحت رايات وشعارات اسلامية بموافقة السلطات بدون اي عائق. فالنظام خطط لتلك المظاهرات كي تعطي انطباعا للرأي العام الداخلي والخارجي بأن الاسلاميين مسموح لهم الاجتماع والتعبير عن الرأي.
واستفاد النظام السوري من الغزو العسكري الأمريكي للعراق عام 2003 في التلاعب باستخدام “الاسلام الشعبي”. فقد خاف الاسد من ان يكون الضحية التالية للعدوان الأمريكي بعد صدام حسين، وكان من مصلحته بأن يغرق الامريكان في العراق مدة اطول. وهنا استخدم النظام السوري سياسته الخاصة في جعل الحياة الدينية في سورية “ليبرالية”، وأعطى عملياً الضوء الأخضر للدعاة إلى الجهاد وتجنيد الناس في المساجد وارسال المقاتلين الى العراق. واشتهر في تلك الفترة أبو القعقاع (محمود أغاسي) في حلب الذي سمحت له السلطات السورية بالدعوة من منابر المساجد “للجهاد” ضد “الصليبيين” في العراق.
وخلال الحرب الأهلية في سورية استخدم بشار مرة أخرى الجهاديين لحساباته الخاصة.
خلال الأشهر الاربعة الاولى من الاحتجاجات السلمية قام بشار الاسد بإطلاق سراح بقايا المحاربين في العراق الذين احتفظ بهم في سجونه بعد عودتهم إلى سورية في الأعوام 2008-2009. وقام أغلب الخارجين من السجن بدور مهم في الانتفاضة السورية ن مثل زهران علوش قائد “جيش الاسلام”، وحسان عبود من “أحرار الشام” وأحمد الشيخ قائد “صقور الشام”. وقُدّم ذلك العفو رسمياً على أنه تلبية لمطالب الشارع السوري، ولكن في الواقع يجب أخذ حقيقتين بعين الاعتبار: الأولى- محاولة كسب رضى او تحييد القادة الجهاديين الذين حصلوا على وعود مختلفة، والثانية -كان من المنتظر ان يؤدي إطلاق سراحهم إلى تحويل سريع لحركة الانتفاضة باتجاه الأسلمة المتطرفة العنفية لكي تجعل المجتمع الدولي يفكر مرتين قبل أن يقدم الدعم للمعارضة السورية. في وقت وقفت إلى جانب النظام اغلب الاقليات الدينية والطبقة الوسطى المدينية للسنة.
ومن جهة أخرى سعى النظام منذ بداية النزاع إلى استخدام خطاب معادي للإسلام ومع تطور النزاع أصبح يقدم نفسه كنظام علماني نادر. إلى درجة أن هذه “الوصفة” العلمانية اصبحت علامة ايديولوجية مسجلة للنظام السوري موجهة أساساً للرأي العام الخارجي. وقد حقق الاسد في ذلك نجاحات معينة، حيث دفعت الدعاية عن أن النظام السوري “علماني” ولا “اسلامي”، الروس المشبعين بالدعاية وكذلك المنتقدين الغربيين، إلى اعتبار الاسد “اقل شراً” من المعارضة الاسلامية، التي شهدت بدورها تغيرات نتيجة تغلغل وانتشار العناصر الارهابية، وتذبذب سياسة الداعمين للمعارضة.
وقد استفاد الاسد من فكرة “معاداة الاسلام” المنتشرة خاصة في الغرب، والتي تشوه الاسلام وتعطي نمطية سلبية عن الفكر الاسلامي.
وهكذا ساهمت الدعاية بأن النظام السوري هو حامل العلمانية، بدعمه في محاربته للأصولية الاسلامية. مع أن من يوصفون بالأصوليين والمتطرفين في كثير من الحالات يشيرون إلى الدستور السوري الحالي كونه يتضمن عبارة (ان الفقه او الشريعة الاسلامية مرجع اساسي للتشريع) وضرورة الاخذ بالاعتبار الأساس الديني في صياغة اي دستور قادم للبلاد ( والذي يساهم السوريون بإقراره خلال استفتاء شعبي).
ونشهد ظاهرة جديدة في سورية هي استخدام كلمة علمانية إلى جانب الاسلام. وقد جاءت على لسان أحمد حسون – “المفتي العلماني” كما يسمي هو نفسه.
ونلحظ هنا فكرة المحاولة لإزالة الحدود ليس فقط بين السنة والشيعة لصالح إيران، التي تعمل بشكل ممنهج على تشييع السوريين، وانما بين الاسلام والديانات الاخرى التي يعيش اتباعها في سورية، تخدم الاسد شخصيا.
وتجسدت هذه الأفكار بشكل ساطع في تصريحات العميد سهيل الحسن قائد “قوات النمر” الذي قارن بشار الأسد بالنبي محمد (ص). ويلتزم بشكل عام المقاتلون الموالون لنظام الاسد بالخطاب الشيعي الايراني. فهم يصفون صراع الأسد مع معارضيه بأنه “جهاد” ويسمون القتلى “شهداء”، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية.
هذه السياسة التي ينتهجها النظام تعمق الهوة بين القوى المتصارعة في الداخل: النخبة المدينية الوسطى العلمانية وابناء الارياف السنة المحافظين، الذين يعتبرون النظام مسؤولاً عن تحريف الدين.
وبشكل عام فإن الوضع الراهن لا يخلق فقط أوهاما حول تحقيق السلام بعد الحرب، وانما يخلق فراغا يمكن ان يملأه دعاة التطرف كما فعلت خلايا داعش.