أحمد مظهر سعدو
صدرت في تركيا مؤخرًا الطبعة الأولى من كتاب (بناء الهوية / في ظلال الوحي) للكاتب (رمضان كايان) وترجمة (مروة داغستاني بارسيك)، عن شركة تيرا للإعلام والنشر والتعليم المحدودة، وقد جاء الكتاب ضمن 184 صفحة من القطع المتوسط.
يتحدث الكاتب بين دفتي كتابه عن كيفية وماهية بناء الهوية استنادًا للشرع الإسلامي، وتأسيسًا على مسألة الوحي، وما نزل من خلال الوحي على الرسول محمد (ص)، في سياق معالجة متأنية لمسألة الهوية في الشارع الإسلامي عمومًا، دون الخوض في الحالات القومية لكل شعب من الشعوب المسلمة على حدة. فينتقل من بناء الهوية إلى تحديدها ومن ثم اختيارها، مرورًا بالهوية والتسليم، الهوية والتمثيل، الهوية الواضحة، الهوية المخلصة، الهوية والأخلاق.
في حديثه عن حالات تضخم الهويات يشير إلى أنه ” بالنسبة للبعض تحولت الهوية إلى حقيبة سفر بكل معنى الكلمة، تتسع لكل شيء” مؤكدًا على أنه ” لا مناص من خوض غمار رحلة في متاهة الهوية التي تدور حولها نقاشات إشكالية”.
لكنه يعود للقول إننا ” لن نرضي أحدًا ولن نصل إلى أي نتيجة بالتخلي عن هويتنا، علينا أن نعرب بشجاعة بطلان الهويات التي فُصِّلت بعيدًا عن الله “. وهو هنا إنما يشير وبوضوح إلى ضرورات الهوية ومحدداتها، عبر الاتكاء على الهوية الإسلامية حصرًا، لذلك فهو يبين دوافع طرح الأسئلة ومنها ” طرح التساؤل حول الهوية، وإزالة الغموض والالتباس والتحريف عن الهوية، كي تصبح لدينا هوية صحيحة، وأيضًا الدفاع عن الهوية، بإقصاء الظلم والضغوط والانتهاكات والتحريفات”. وهو كذلك يعتبر أن فتح هذه الأبواب جاء على أساس ” الانطلاق من الهوية لتصحيح عبوديتنا” وقد اختار هذا الموضوع بناء الهوية لاعتقاده أن ” الهوية لا تنفصل بحال من الأحوال عن الايمان”.
والهوية بمنظار (كايان) ” تعني إجمالي الخصائص التي يتمتع بها المرء في جميع الظروف”.
لكنه ينتقل إلى تحديد الهوية الإسلامية بالذات وتعني ” تعريف المرء نفسه بالإسلام وأن يكون الإسلام هو العنصر التعريفي في الحياة، وهي هوية تستمد مشروعيتها من قيمة تسمو على كل القيم.” ويقف مصرحًا بكل الوضوح ليقول ” هوية لا تنهل من الوحي ولا تستمد شرعيتها من القرآن ليست بأكثر من هوية شيئية عرضة لحصار الجهل”. مضيفًا إن ” هذه الهوية انطلقت من غار حراء ومعايير حراء هي التي تحددها”. لكنه يشير أيضًا وفي محضر حديث آخر إلى أنه ” إذا كانت الهوية قضية انتماء فإنه وانطلاقًا من ذلك يمكن للإنسان أن يحدد من يكون من خلال تحديده من لا يكون أو من يعارض”. وهو هنا يعترف بالآخر، وبوجود الآخر ضمن ماهية الهوية الإسلامية التي يحددها. إذ إن ” الهوية التي تقول نعم لكل شيء ليست هوية فمن الأولى أن تتصف بقول لا “. وفي العودة إلى الهوية الإسلامية يبين أن ” التوحيد هو بسملة الهوية الإسلامية وهو يجمع الانسان بالخالق الواحد ويجعله عضوًا في مجتمع المؤمنين ويقدم إليه هوية الأمة، أشمل هوية اجتماعية”. وذلك لأن ” الهوية تستمد قوتها من التقوى”.
أما عن علاقة الهوية الإسلامية بالحرية فيؤكد أن ” الهوية الإسلامية والحرية كل لا يتجزأ، والمشكلة الأساسية بشأن الهوية تكمن في أشكال الهوية “.
ويحذر من أن الاسلاموفوبيا تسعى ” باستمرار للقضاء على الاهتمام بهذه الهوية وزعزعة الثقة بها وهذه هي الغاية التي تسعى اليها الاسلاموفوبيا ولأجل ذلك أيضًا نرى هذه الرغبة في وضع الهوية الإسلامية موضع ظن واتهامات”.
ويشير الكاتب في غير مكان من النص المطروح بين أيدينا إلى تفضيل روح النحن، ” فهو يفضل (نحن) على (الأنا) ولا يبحث عن الرحمة في الكثرة بل في الوحدة”.
ولا غرو أن الكاتب يجول في جوانية المعطى الإسلامي التسليمي دائمًا، حيث يبين أن: ” التسليم إلى القدر هو الدواء الأنجع في تسكين الاضطراب الداخلي للإنسان لأن التسليم هو الدرب المنقذ” كما يشير الكاتب. والتسليم كما يقول كايان ” هو تقديم طلب لجوء إلى الله، تقديم المرء ذاته إلى ربه دون سفسطة أو تعالي “.
لكنه ينوه كذلك إلى ضرورات الصحة النفسية بالنسبة للمسلم فيقول ” ما الذي تستطيع الشخصيات المريضة نقله لغيرها إلا المرض؟ هل يمكن أن تقدم أي جمال تفتقر هي إليه؟ “. بينما نبه إلى فكرة مهمة هنا وهي أنه ” لم يعد الناس يريدون منا الوعظ بل يبحثون فينا عن القدوة “.
وعمومًا فالكتاب في نصه هذا يشتغل على محاولة جادة لتحديد الهوية التي باتت في ضياع مقيم، لدى العديد من الشعوب الإسلامية، وهو عبر ملاحظاته تلك التي تتكئ إلى الإسلام المعتدل والحنيف، إنما يريد إعادة انتاج هوية إسلامية جديدة ومتجددة، لكنها لا تخرج عن سياق الوحي، ولا تحيد عن المسار الإسلامي، الذي تحدد من خلال القرآن الكريم، وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام.
المصدر: إشراق